الـ«1701».. قرار دولي «تجسد» شخصاً في بيروت

محمد الترك لبناني بدل هويته

اللبناني محمد الترك يستعرض اسمه الجديد.. الرقم 1701 («الشرق الاوسط»)
TT

لم يجد اللبناني محمد الترك سوى رقم سجلّه المميّز ليجذب المارة في شوارع بيروت الى شراء العلكة منه. فهو يمسك قصاصة ورقية وينتقل بها من منطقة الى اخرى، يستوقف المارة، وتحدث اليهم... يفرح.. يحزن.. يرضى... يجذبهم ويمشي!!. من هو؟... ماذا يطلب؟... لماذا القصاصة الورقية؟... وما علاقة ذلك بزيّه التركي القديم؟. اسئلة بالجملة تتسابق الى ذهن كل من يمر بالقرب منه. وبعد، شاربه «دولي» طويل يمتد يميناً ويساراُ بشكل حيوي ليجمع الأذنين. نظره ثاقب، و«مضمونه» بيروتي صرف! لكي لا نطيل... هو الـ«1701»، او «المواطن 1701» كما يسميه معارفه، وهنا بيت القصيد. وللتذكير: الـ«1701» هو رقم القرار الدولي الذي اوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان (حرب تموز الـ 2006). أما عن علاقة هذا بذاك، فإليكم التفاصيل:

يسعى «الـ 1701» الى كسر تطرّف الذل والبحث عن الرغيف «بشرف» عبر بيع العلكة، بطريقة مميزة مستندة الى رقم سجله، الذي صودف تطابقه مع رقم القرار الدولي. فباختصار، اسمه محمد الترك، وهو لبناني الجنسية، من مواليد العام 1962، في منطقة المصيطبة ببيروت. الترك متزوج وأب لابنتين. زوجته وفاء توفيت في 18 يناير (كانون الثاني) 2008، وقرر لأجل ذلك إبدال «شرواله» التراثي، ببنطال اسود، ونزع اللون الذهبي عن «ضفاف» قميصه الصيفي، لكنه أبقى على «الطربوش» الاحمر.

الترك، أو «المواطن 1701» يلقب أيضاً بـ«أبو عبد البيروتي».

واللقب الأخير قديم، بعكس الأولين الحديثين نسبياً، اللذين بدأ استخدامهما مع نهاية «حرب يوليو (تموز)» 2006، وبالتحديد بالتزامن مع صدور القرار الدولي 1701. ونسأل الترك أو «المواطن 1701» عن رقم سجله، وهل هو نعمة ام نقمة عليه؟ فيجيب: «حسب الزبون... اذا كان مع القرار او ضده». قبل نحو خمسة أشهر التقيت العم الخمسيني في سيارة التاكسي. لم أكن قد سمعت به قبلا لفتني مظهره، وقادني الفضول للقيام بجولة في ماضيه وحاضره، لكنني لم أكن أحمل حين ذاك «عدة الصحافة» كاملة، لا سيما «الكاميرا».

دوّنت فقط اسم المحلة التي يقيم فيها، وبالتحديد بالقرب من سينما بيروت، في منطقة البربير. «اسأل عني هناك .. الكل يعرفني»، قال، لكن الظروف لم تسمح باللقاء مجدداً قبل الايام القليلة الماضية، حين تلقيت اتصالاً يبلغني بوجود «شخص في بلدة بقعاتا (الشوف اللبناني)، مظهره غريب وتراثي وشاربه طويل يمكن ان يشكل مادة جميلة لتقرير صحافي ... اذا كان يهمك الامر». إنه الترك نفسه في الجبل هذه المرة. حاله تبدل، زوجته توفيت، والدمعة المكبّلة «بأشواك» جفونه، ترقد بهدوء تحت زجاجة نظارته الطبية. وكان يبيع العلكة. قال لي: «اتيت الى الشوف بباص الدولة (حافلة نقل) بـ 500 ليرة... وانا ابيع هنا». تجده حاملا بيده كيساً بلاستيكياً اسود اللون، فيه فتات خبز، وصورة عن هويته يستخدمها لاصطياد زبائن، عبر إبراز رقم سجله، وقصاصة تحكي عن فقره. ويقول «أنا أشحذ بشرف... الناس تهينني لأنني أحمل وبشرف الرقم 1701». المواطن البيروتي يسأل عن فرصة عمل كسائق لدى أي عائلة... «لكسر الفقر». لا يبدو عادياً. ميزاته كثيرة. ننقله بالسيارة الى مكان قريب من حافلة النقل التي من المفترض أنها ستنقله الى بيروت، محرك السيارة كان لا يزال يعمل. ويتخذ الترك المبادرة ويبطل عمل المحرك: «وفّر يا ابني ... البنزين غالٍ (...)». ويتابع: «نحن نصرف اموالا دون ان نقوم بعملية حسابية ولو بسيطة. أنا أنصح كل شاب وفتاة بعدم السفر الى الخارج، الغربة كربة، الإهانة في الوطن ولا الغنى في الخارج». «المواطن 1701» يتنقل اليوم بين المناطق اللبنانية بحرية، لا تقيدها سوى امكانياته المادية الضعيفة. عليه تأمين الرغيف لأولاده، ومن أين له هذا. قوى الأمن صادرت في وقت سابق سيارته بسبب عجزه عن دفع مستحقاتها، كما صادرت «بسطته» التي كان يبيع عليها اصنافا واشكالا متعددة من الاحتياجات اليومية للمواطنين. محمد الترك يحن الى ماضيه. هدفه محدد وواضح. هو يشترك مع كثر لناحية الاوضاع الاقتصادية... لكن له ميزته!