فيينا تحتضن أكبر متحف لفان غوخ خلال نصف قرن

أكثر من 60 جامعاً وعدد من كبريات المتاحف أقرضت الـ«ألبرتينا» لوحاته

TT

شهد متحف «ألبرتينا» العريق في العاصمة النمساوية فيينا، يوم أول من أمس (الجمعة)، افتتاح أكبر معرض تستضيفه المدينة منذ نصف قرن لأعمال الرسام الهولندي العالمي الشهير فنست فان غوخ، كما يعد اكبر معرض عالمي لهذا الفنان منذ 1990 .

يضم المعرض 170 لوحة وعملا ورسما لفان غوخ يستمر عرضها الى يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ولقد جرى التأمين على المعروضات التي تشكل قيمتها ثروة حقيقية طائلة بمبلغ 3 مليارات دولار، ما يجعله المعرض الأغلى في تاريخ فيينا .

من ناحية أخرى، يقضي العرف عادة بالاكتفاء بدعوة الإعلاميين والمصورين الصحافيين لحفل الافتتاح، غير أن كلاوس ألبرخت شرويدر، مدير متحف «ألبرتينا» رأى في مشاركتهم في بعض مراحل التحضيرات تمهيدا لافتتاح المعرض للجمهور تجربة تستحق المتابعة، وكان محقاً في ذلك. إذ كانت التجربة مثيرة وجاءت مفعمة بكثير من المشاعر والاحاسيس. وكانت ملامح اللوحات تظهر رويداً رويداً، بينما الفريق المتخصص بالجانب التنظيمي يفضّ الأغلفة طبقة تتبعها أخرى في دقّة وحذر ومهارة، وكأنهم جرّاحون يجرون عمليات طبية حسّاسة، خاصةً، أن أي خدش ولو كان طفيفاً في أي لوحة من اللوحات يعني خسارة الملايين، ذلك أنه يحولها من لوحة أصلية كاملة إلى لوحة طرأت عليها تعديلات دخيلة بعد ترميمها. بل واستغرق تعليق بعض اللوحات اكثر من 4 ساعات عمل متواصل. يضاف إلى ما تقدم أن الدعوة المسبقة كانت فرصة جد غنية بالمعلومات التي تبرّع بها أهل الدراية والاختصاص في المتحف العريق الفخم، في هدوء شبه تام، بعيداً عن زحمة مَن يتوقع تقاطرهم لمشاهدته ويقدّر الخبراء أعدادهم بأكثر من 450 الف زائر. هذا، ويركّز المعرض على العلاقة والتداخل بين بعض ما خطّه قلم فان غوخ ولوّنته ريشته خلال السنوات الأخيرة من حياته، التي أمضاها بين العاصمة الفرنسية باريس ومدينة أرل الصغيرة عند مصب نهر الرّون بجنوب فرنسا، من رسوم وتصاوير، ثم ما حوّله الى لوحات تعدّ من أهم الأعمال العالمية على الإطلاق في مدرسة الفنون الانطباعية التعبيرية والتصوير التشكيلي.   وكان فان غوخ يبث أفكاره في رسوم يمكن ان تعتبر تحضيرية او بروفة للوحة، كما يمكن أن تعتبر مرجعاً للمقارنة والتصحيح بعد الانتهاء من العمل. غير أنه لم يلجأ لعملية المراجعة هذه إلا في حالات نادرة، خاصةً، إذا ما تذكرنا الأحوال النفسية المتردية التي عاشها الفنان خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته المضطربة. ومعلوم أن فان غوخ أنتج خلال العقد الأخير من عمره اكثر من حوالي ألفي عمل منها 900 لوحة زيتية و1100 رسم وتصوير. والجدير بالذكر، أن فان غوخ (1853 ـ 1890) المولود في بلدة زوندرت الهولندية عاش حياة شوهها الاضطراب النفسي وانتهت بالجنون فالانتحار. ولقد عانى فيها من علاقات إنسانية بالغة التطرف بين الكره والحب، سادت تعايشه مع والده وشقيقه، وكذلك غرامياته، بل حتى علاقته مع أعز اصدقائه الرسام الفرنسي الشهير بول غوغان. وفي حين عاش فان غوخ حياته كلها فقيراً، وكان أخ له يمده بما يحتاجه من مال، بيعت بعض لوحاته خلال السنوات الماضية بعشرات الملايين من الدولارات، منها لوحة «الدكتور غاشي» التي بيعت عام 1990 بمبلغ 82.5 مليون دولار. من الناحية الفنية، استمتع فان غوخ بالألوان، خاصة المائية منها، أيما استمتاع، وتلاعب فيها باقتدار وثقة. وفيها وجد نفسه، فجاءت قوية موحية، خاصة في لوحاته عن الحقول والطبيعة والمزارعين الذين أبدع في تصوير مهامهم بصورة تؤكد ميله للريف وحياة الفلاحين والمزارعين. وقد أمدّه الجمال الطبيعي لمنطقة جنوب فرنسا التي أمضى في ربوعها وحقولها آخر سني حياته الكثير من الإلهام لرسم أروع أعماله كلوحتي «الحصاد» و«حقول القمح». وفي المقابل ابدع في رسم الصور الشخصية (البورتريه) لشخصيات مرت بحياته فرسمها، كما رسم صوراً عديدة لنفسه .

أخيراً، جمع متحف «ألبرتينا»، وهو قلعة ومتحف إمبراطوري يطل على قاعة الأوبرا بوسط فيينا، لوحات فان غوخ على سبيل الاقتراض من اكثر من 60 فرداً من الجامعين العالميين وعددٍ من كبريات المتاحف والغاليريهات منها: متحف دورساي في باريس، ومتحف بوشكين في موسكو، ومتحف متروبوليتان في نيويورك، ومتحف ناشونال غاليري في واشنطن، ومجموعة ارماند هامر في لوس أنجليس، بالاضافة إلى أكثر من متحف في كل من العاصمة الهولندية امستردام والعاصمة الاسبانية مدريد.