مسلمو مومباي يواجهون «عداء عنصريا» عقاريا

حتى نجوم «بوليوود» يعانون... وأصابع الاتهام موجهة لتفجيرات 2006

يواجه نجوم بوليوود المسلمون صعوبة في شراء المنازل بعاصمة بومباي («الشرق الاوسط»)
TT

في أعقاب سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شنها حركيّون مسلمون في مومباي (بومباي)، العاصمة الاقتصادية للهند، لم يعد بمقدور المسلمين الحصول على مكان فيها. ولا يقتصر «العداء العنصري» في مومباي على الأفراد البسطاء من المسلمين، بل امتد ليشمل كبار العاملين من الطائفة المسلمة في «بوليوود» ـ أي صناعة السينما الهندية ـ حيث باتوا يواجهون بالرفض من قبل المجتمع الحلي في المدينة.

فخلال الفترة الأخيرة منع أحد كبار نجوم «بوليوود» المسلمين، وهو سيف علي خان، الذي يشتهر بين عشاق السينما الهندية بلقب «كوتا» من شراء أحد العقارات في أحد الأحياء غير المسلمة في المدينة. ومع أن والدة الممثل من أصل هندوسي وزوجته هندوسية، رفض كثيرون من وجهاء مومباي أن يكون أحد جيرانهم.

سيف علي خان قال في لقاء مع صحيفة «مومباي ميرور»، إحدى صحف التابلويد البارزة في المدينة: «أعلم بأن الكثير من الجماعات الإثنية والدينية التي تعيش في تجمعات سكنية ذات لون معين لن تسمح ببيع عقارات لأحد من المسلمين، ولذا لم أشأ أن أتورط في مشاكل ... بل اتجهت إلى أحد الأحياء التي تقطنها غالبية مسلمة تجنباً لأية مشكلة». كما نقل عنه قوله: «إن القدرة على فهم دين معين إنما تكون مبنية إما على خبرة أو تعصّب، وقد أفسدت بعض العوامل الأوضاع بالنسبة للمجتمع ككل، وهذه هي الحقيقة بالنسبة لما حصل مع الإسلام». وفي السياق ذاته ذكرت الممثلة الهندية المسلمة اللامعة سبحانا (شابانا) عزمي في مقابلة صحافية أنها وزوجها، جاويد أختار، الذي حظي بشهرة واسعة أيضاً كشاعر وكاتب أغاني، أخفقا في العثور على منزل جديد لهم في مومباي لأنهما مسلمان.

وسبق لعزمي، التي تعد من أشهر ممثلات الهند المخضرمات، أن رشحت عن أحد الأحزاب اليسارية لتكون نائبة البرلمان الهندي. كما كانت قد شاركت في عدد من أفلام هوليود، وشابانا معروفة بتصريحاتها ضد التعصب الديني والتي هي موجهة بشكل خاص تجاه بعض رجال الدين المسلمين المتشددين. وقد اتهمت عزمي في أحد اللقاءات التليفزيونية الدولة الهندية بأنها غير منصفة تجاه المسلمين إذ لم تقم سوى بإشارات محدودة بدلاً من التعامل بجدية مع القضايا الحقيقية.

ولا تنتهي القائمة هنا. فإرشاد وارسي، أحد الممثلين المسلمين الكوميديين المحبوبين جداً في أفلام «بوليوود»، واجه صعوبة كبرى هو الآخر في شراء شقة في مومباي لأنه مسلم، ويبدو أنه حاول شراء واحدة مستخدماً اسم زوجته ماري جورتي لكن هذه الحيلة لم تفلح. وعن تجربته يقول إرشاد: «كان محبطا بالنسبة لي ألا أتمكن من شراء شقة أو مكتب في أي مكان من حي جوهو أو حي باندرا أو حولهما بسبب ديانتي. وكنت قد دخلت في مفاوضات لشراء شقة في جوهو وكدت أنجح، ولكن عندما علم أصحاب العقار أنني مسلم رفضوا. ثم حاولت بعد ذلك شراء عقار باسم زوجتي ماريا لكن هذه الحيلة لم تنطل على أصحاب العقارات. والآن ليس أمامي سوى أن أعيش أنا وزوجتي وأولادي في شقة مستأجرة. هل يعقل أن يحدث ذلك في مومباي التي يطلق عليها الآن مدينة عالمية؟ أنني أشعر وكأننا نرتد إلى الوراء بسبب هذه الأمور». المسألة هنا ما عادت تتعلق بالثراء أو الشهرة في عالم نجوم الفن وأبطال المسلسلات التليفزيونية وعارضات الأزياء، فكل هؤلاء يجدون صعوبة في الحصول على عقار أو شقة بسبب دينهم، وغالبيتهم لا تستطيع حتى الاعتراض بصوت عال نظراً لحساسية الوضع. وصناعة السينما الهندية التي يقوم على رأسها ثلاثة ممثلين يحملون اسم خان و300 مغني لامع ومئات الموسيقيين والمخرجين والفنيين، أظهرت في الماضي القريب نموذجاً للفنانين المسلمين غير الراغبين في الحصول على مسكن في مومباي في حي تقطنه أغلبية يهودية.

وفي حين يقول الوكلاء العقاريون إن المشكلة موجودة في كل تجمع سكني ذي لون فئوي معين، فإن المسلمين بالذات يواجهون مناوأة شديدة في الأحياء والمناطق التي يقطنها الأثرياء في مومباي. ويشرح سواروب ناث، أحد وكلاء العقارات قائلاً «إن حي كوفي بارادا وهو أحد الأحياء التي يقطنها الأثرياء في جنوب مومباي لا يستطيع 90 % من المسلمين دخوله اليوم، فما إن يسمع السمسار اسمك ويتأكد من أنك مسلم .. سيقابل طلبك بالرفض من دون إبداء السبب».

وتأتي على قائمة الذين منعوا من الحصول على مكان في مومباي أيضاً صوفيا شودهري، الفنانة المسلمة التي تعمل في مجال إنتاج الفيديو مع قناة إم. تي. في. والمتزوجة من هندوسي التي تتطلع عبثاً إلى الحصول على منزل منذ حوالي سنتين. فقد أخبرت صحيفة «مومباي ميرور»: «كل شيء كان يمضي بصورة جيدة إلى أن أكشف عن أنني مسلمة».

ثمة ذرائع غير مباشرة، العديد منها غير صحيح، تعطى لتبرير الرفض مثل الزعم أن المسلمين متورطون مع عالم الجريمة أو الإرهاب ويذبحون الأغنام في منازلهم، بجانب انتقاد ارتداء نساء المسلمين الحجاب. سواروب ناث، يوضح مأزق الوكلاء العقاريين في هذه الحالة فيقول: «نحن لا نستطيع المجازفة. فإذا ما وقع طارئ يبدأ مالك العقار والشرطة في البحث عن الوكيل العقاري». كما يقول يوجش جانغوالا أحد المستشارين العقاريين: «لم يعد أمام المسلمين الكثير من الخيارات في أعقاب سلسلة التفجيرات التي وقعت في مومباي عام 2006 سوى البحث عن مساكن في المناطق والأحياء التي تقطنها أغلبية مسلمة». وفي المقابل، تقول فاطمة، وهي صحافية مسلمة تبحث عن مشتر لمنزلها في مومباي: «يشعر المسلمون أن الحملة ضدهم تنبع من دوافع سياسية في طليعتها العداء نحو باكستان. فكل ما هو إسلامي يأتي من باكستان وكل ما يأتي من باكستان فهو إسلامي ... ومن ثم فهي رمز للأصولية الإسلامية، التي هي صورة أخرى من صور الإرهاب».

على صعيد آخر، مع الحكم الذي أصدرته المحكمة الهندية العليا ونص على حق الجماعات الإثنية (أو العرقية) والدينية في قبول الأشخاص داخل تجمعاتها السكنية، يجد المسلمون أنفسهم الآن مدفوعين دفعاً تجاه الأحياء التي تقطنها غالبية يهودية حتى إن لم يكونوا يرغبون في الإقامة فيها أصلاً. مما يستحق الذكر أن عزلة المسلمين بدأت عندما نظم أحد قادة الجماعات الإرهابية في الهند سلسلة تفجيرات في مومباي عام 1993 تسببت في أعمال شغب كبيرة بين المسلمين والهندوس، غير أن البعض ينفون وجود أية ضغينة نحو المسلمين، فيقول أديش سيرفاستاف، المخرج الموسيقي: «إن الاتجاه نحو العيش كقبيلة موجود منذ عصور في مومباي حيث توجد العديد من الجماعات الإثنية والدينية. فهناك أحياء وتجمعات سكنية للطائفة الزرادشتية تمنع غير الزرادشتيين من السكنى معهم، وهناك مجموعة من الجماعات المسيحية لا تسمح لغير المسيحيين بالإقامة في أحيائها، وثمة بعض الجماعات الهندوسية التي لا تسمح للهندوس الذين يأكلون الأطعمة غير النباتية بالإقامة معهم، وهذا علماً بأن المسلمين جزء هام من الهند ويحتلون مناصب كبيرة في الهند مثل منصب رئيس الجمهورية وكبير قضاة المحكمة العليا وكابتن منتخب الهند الوطني للكريكيت».