نساء الأهوار.. لا يعرفن صالونات التجميل ولا محلات الأزياء

يعملن منذ الصباح وحتى مغيب الشمس.. و«مكسورات الجناح» من تعدد الضرات

عراقيتان من الأهوار تجلسان في المشحوف (زورق صغير) في هور بمدينة البصرة (أ.ف.ب)
TT

أينما تذهب في مناطق الاهوار في المحافظات الجنوبية تشاهد الأطفال، حفاة يرتدون ثيابا مهلهلة قصيرة، شعر رؤوسهم كث مائل للصفرة، وهم خاملون، وبشرة وجوههم تدل على أنهم غير أصحاء، أما النساء فمتعبات كأنهن قادمات من عصور قديمة.

ولم تكترث أم عايد، 48 عاما، بارتفاع درجات حرارة الصيف القائض في محافظة البصرة جنوب العراق، ولم تستعن يوما في يقضتها المبكرة بالساعات الأخيرة من الليل على منبهات التوقيت، وهي التي اعتادت كل يوم أن تقطع مسافة طويلة من قريتها في اهوار شمال البصرة حاملة على رأسها حصاد عائلتها من الأسماك والقيمر (القشطة) وقناني الحليب واللبن الخاثر متوزرة بعباءة مائلة إلى اللون البني منه إلى السواد لكثرة استخدامها رابطة وسطها بحزام من القماش. وتقول أم عايد لـ«الشرق الأوسط» ان «معظم سكان الاهوار يتخذون من حركة النجوم وسيلة لمعرفة الوقت بغية انجاز عدد من الإعمال قبل شروق الشمس». وأضافت أنها قبيل أن يعود زوجها واولادها الثلاثة من رحلة الصيد في الهور والتي تستمر طيلة ساعات الليل حيث يجمعون لها حصيلة صيدهم من اسماك البني والكطان، تكمل حلب أربعة جواميس حلوبة لدى عائلتها وتنظيم أواني اللبن الخاثر الذي تم اعداده في الليلة الماضية مع كميات من القشطة. وأشارت إلى أنها بعد أن تكمل عملها تغادر منزلها المشيد من البردي والقصب بواسطة المشحوف (زورق صغير) حيث تربطه كغيرها من نساء الاهوار عند حافات المياه ثم تحمل بضاعتها وتذهب سيرا حتى الشارع العام حيث يمكث لواحد أو اثنين من أصحاب سيارات النقل الخاص نوع (بيك آب) نقل عدد منهن إلى سوق البصرة لبيع قطافها واقتناء حاجات العائلة قبل حلول وقت العصر. وترى جميلة صكر، 31 عاما، ان «كل أفراد العائلة بمن فيهم الأطفال من سكان الأهوار يعملون ولا وقت لديهم للهو، حيث اعتاد الرجال على الصيد ليلا إما بواسطة الشباك أو بـ (الفالة) وهي عصا خشبية طويلة تنتهي بواخزة من الحديد لها نهايات حادة كأصابع اليد (تشبه إلى حد ما بصورة مصغرة الشوكة المستخدمة في موائد الطعام) حيث يتم بها طعن السمكة التي يجذبها ضوء الفوانيس القوية الإنارة من نوع اللوكس، والذي يضعه الصيادون في مشاحيفهم».

وأكملت شخاطه حزام، 42 عاما، الحديث بالقول «يقوم الرجال في الاهوار أيضا بصيد الطيور في فصل الشتاء وقطف أعلاف للحيوانات من نباتات الاهوار وحصاد البردي والقصب الذي يشترك كل أفراد العائلة في (سفه)  أي حياكته لصناعة الحصران والبواري والتي يتم تسويق قسم منها إلى المدينة». وأضافت ان «المرأة في الاهوار بالرغم من عملها على مدار الساعة تربط فيه الليل بالنهار تبقى مكسورة الجناح، إذ لا يخلو بيت من ضرتين أو أكثر، حيث يسعى الرجال إلى تعدد الزوجات لمساعدته في العمل وإنجاب اكبر عدد من الأولاد في مجتمع ذكوري حيث يبقى الرجل كظيما غاضبا إذا رزق بمولودة أنثى».

وترى حسنه عبود ان «من عادات سكان الاهوار هو الزواج المبكر ومستلزمات بسيطة، ولا تمكث العروس في خدرها أكثر من ثلاثة أيام حتى تنهض هي وزوجها لممارسة العمل اليومي المعتاد»، مشيرة إلى ان المردودات المالية التي تحققها المرأة في الأهوار تأتي من عمل شاق وسهر الليالي، مضيفة انهم يعيشون  في أكواخ القصب مع حيواناتهم ويعانون من أمراض البلهارسيا والتراخوما وبعض الأمراض المتوطنة، وخاصة بين الأطفال، وان الحكومة عجزت عن تنفيذ وعودها وانتشال أهالي الاهوار عن حياتهم البدائية». وتنفق المرأة في الاهوار جزءاً من مدخولاتها على شراء الثياب والعطور والمصوغات الذهبية لكنها لا تعرف مثلا قصات الشعر ولا حتى معنى الكوافير والعدسات اللاصقة مثلا ولا ترتاد صالونات الأزياء والأحذية والحقائب والاكسسوارات والماكياج، وتخجل من التعامل مع اصحاب محال الملابس الداخلية، وتلتقط على عجالة حاجاتها النسائية من العطار؛ واغلبها لا يتعدى غرامات من (الديرم) وهو لحاء خشب يقوم مقام احمر الشفاه والكحل والحناء والبخور وخيوط (الحفافة) لإزالة الشعر.

وأجمع عدد من نساء الهور في أحاديثهن لـ«الشرق الأوسط» على أن كل ما جناه سكان الاهوار خلال السنوات الخمس الماضية هو عودة المياه إلى جزء من الأراضي المجففة، فلا كهرباء ولا محطات تصفية للمياه أو مدارس ولا مراكز صحية أو بيطرية، فلم يتحول المشحوف إلى زورق بخاري ولم تشيد المجمعات السكنية بدلا من أكواخ القصب والبردي. ولم يحمل الأطفال حقائب مدرسية». وأكدن على  ان «مناطق الاهوار تعد الآن من أجمل المناطق لخلوها من أعمال العنف إلا أننا غير سعداء، وإن الحكومة فشلت في معالجة الحياة المأساوية للنساء والأطفال في الأهوار، وان شعارات أحزاب المحافظات الجنوبية، وإن كانت براقة، إلا إنها سراب بعيدة المنال».