في ذكرى مرور قرن على تسيير أول رحلة لقطار الخط الحجازي

اختزل 50 يوماً لقطع 1300 كلم في سفر على ظهور الجمال

قطار الخط الحجازي في إحدى محطات الأردن («الشرق الاوسط»)
TT

تعود رحلة الخط الحديدي الحجازي التي وصلت من دمشق إلى عمّان بالذاكرة لأول رحلة ربطت بين العاصمتين قبل 100 سنة عند بدء تشغيل الخط، وقد تزامن توقيت وصول الرحلة مع احتفال مؤسسة الخط الحديدي الحجازي بمرور مائة سنة إيذاناً بعودة العمل في الخط الذي توقف لأكثر من 8 شهور بين دمشق وعمان لأغراض الصيانة.

وخلال احتفال أقيم اخيراً بالمناسبة، قال محمود الخزاعلة، مدير عام الخط، إن «البداية قبل مائة سنة كانت تحمل في طياتها الأفكار الريادية، وتجسد الآمال العريضة في تسهيل نقل حجاج بيت الله الحرام إلى الديار المقدسة، وها هو الخط تعود الحياة من جديد الى أحد شرايينه بتسيير رحلات للركاب ونقل البضائع عبره من عمان إلى دمشق وبالعكس».

وشهد الاحتفال، الذي أقيم في محطة عمّان، قدوماً استعراضياً لقطارات الخط المرتبطة بتاريخ يعود إلى ما قبل عقد الخمسينات من القرن الماضي، مرّت أمام الحضور وعلى متنها عاملون أمضوا ثلثي عمرهم في تشغيل الخط وإدامته، إلى جانب تكريم عاملين قدامى من مديرين سابقين أردنيين وسوريين وعاملين أمضوا حياتهم في خدمة الخط. ويتطلع الأردن إلى بعث الحياة في مسارات الخط الحديدي الحجازي واستحضار إرث ثقافي ـ ديني واستراتيجي الأبعاد تراجع بعد عقد من شقّه قبل 100 سنة عبر أراضي سورية والأردن والسعودية التي كانت خاضعة للحكم العثماني في ذلك الوقت. وأحيا الأردن الذكرى المئوية لوصول أولى رحلات القطار البخاري من محطة دمشق بعد أن اخترق الصحراء وسفوح الجبال في غضون 24 ساعة. ومن محطة عمّان أكملت وسيلة النقل التقدمية في ذلك الوقت رحلتها صوب المدينة المنورة، وشكلت بديلاً عصرياً لقوافل الحج التقليدية، وتشبيكاً استراتيجياً بموازاة طريق الملوك الرومانية قبل ألفي سنة. وكان السلطان عبد الحميد ينظر إلى آخر إنجازات الدولة العثمانية كبديل شرقي لـ«طريق الحرير» التي كانت تربط أوروبا بالصين، كما يذكر المؤرخون.

واليوم تخطّط الحكومة الأردنية لاستغلال حرم سكة الحجاز، وهو وقف إسلامي، في بناء خطوط قطارات كهربائية خفيفة بين مدن الأردن، لا سيما بين العاصمة عمّان ومدينة الزرقاء اللتين تضمّان أكثر من نصف عدد سكان البلاد المقدر بستة ملايين نسمة.

ويؤكد مدير عام مؤسسة الخط الحديدي الحجازي، التي أسّست عام 1952 لإحياء ما تبقى من خطوط السكة، أن الخط الحديدي الخفيف الذي يمتد لمسافة 26 كيلومتراً بكلفة 330 مليون دولار سيستخدم أجزاء كبيرة من أملاك الخط بإيجار سنوي قدره 300 ألف دينار.

الجدير بالذكر أن القطار البخاري كان يخترق جبال بلاد الشام وصحارى شمال غربي السعودية خلال 55 ساعة، مختزلاً 50 يوما كانت لازمة لقطع 1300 كيلومتر في سفر على ظهور الجمال أو 15 يوما بموازاة ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر. ويبلغ طول السكة داخل الأردن 452 كلم وتنتظمها 35 محطة، أي ثلاثة أرباع المحطات المنتشرة من «القدم» في دمشق وحتى المدينة المنورة داخل الأراضي السعودية.

هذا، وتتزامن مئوية هذا الخط مع إدراجه ضمن قائمة منظمة «اليونسكو للتراث العالمي». مع العلم أن محطاته وخطوطه للهجر والتدمير والتخريب في أراضي الأردن وسورية في منتصف الحرب العالمية الأولى. وللعلم، تعتبر حكومات الأردن وسورية والسعودية الخط الحديدي الحجازي، وقفاً إسلامياً ووحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة تشرف على تشغيله إدارات من حكومات الدول الثلاث.

لقد كان الخط الحجازي «درّة» الباب العالي لدى الشروع في شقّه عام 1900 بتقنيات ألمانيا القيصرية وأموال وقف إسلامي ناهزت خمسة ملايين ليرة ذهب عثماني، جمعت من مختلف الحواضر الإسلامية. وتكثّفت دوافع دينية واستراتيجية عسكرية وراء إطلاق المشروع العملاق لربط ولايات جنوبي الدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة. ولكن الخط اشتغل سبع سنوات فقط، مع الإشارة إلى أنه في عصره الذهبي كان يسير بمعدل ثلاثة قطارات يوميا بسرعة قصوى 40 كلم/ ساعة، وكانت طاقته عشرة قطارات وزنها المحوري عشرة أطنان ونصف الطن.

ولقد امتلك الخط الحجازي 130 قاطرة بخارية، منها 116 عربة ركاب بما فيها مسجد متحرك، و35 عربة أمتعة و1048 شاحنة من مختلف الأنواع، حسب أرشيف المؤسسة. ونقل الخط 367 ألف راكب عام 1914، قبل استعار الحرب الكونية الأولى، وسجل أعلى طاقة شحن عام 1913 حين نقل 112 ألف طن.

وإلى جانب طفرة المواصلات في ذلك الوقت حلّقت «ثورة اتصالات»، إذ كان يتلوى خط تلغراف بمحاذاة سكة الحديد، قبل أن يخرج الخطان من الخدمة بفعل غارات الحلفاء والثوار العرب. ولكن في هذه الأيام تنحصر حركة القطارات بالبعد السياحي في ظلال جبال وادي رم بجنوب الأردن، فضلا عن تنظيم رحلات تثقيفية لطلاب المدارس والجامعات. كذلك أضحى الخط محط اهتمام منتجي أفلام السينما العالمية لعراقته وفرادة الطبيعة التي يخترقها. ويسيّر الخط رحلتين أسبوعياًَ إلى ومن دمشق، بعد انقطاع دام ثمانية أشهر بطلب من الجانب السوري لأغراض صيانة وإعادة تأهيل القاطرتين الوحيدتين هناك.

ومنذ مطلع الألفية، أحيت مؤسسة الخط الحديدي في الأردن ستة قطارات بخارية صناعة أوروبية ويابانية يعود تاريخ بنائها إلى منتصف القرن الماضي، كما جدّدت ثلاث قاطرات ديزل.