مصممون سعوديون يجذبون الشباب بـ«الثياب الرمضانية»

ثوب للتراويح.. و«دقلة» لعيد الفطر.. وأخرى للمناسبات الوطنية

TT

لا يمكن الحديث عن طقوس وروحانيات شهر رمضان دون التطرق إلى ظاهرة جديدة ولافتة تغزو الشباب السعودي، وهي ابتكار زي رمضاني خاص بدلا من الثوب السعودي التقليدي الذي هو مجرد مظهر يعبر عن مفهوم ديني أو تراثي بل أصبح جزاء من الطقوس الرمضانية، فبعد أن كان يأتي غالباً بلون واحدٍ خالٍ من النقوش والزخارف فظهرت موديلات ومسميات جديدة هذا الموسم منها «ثوب التراويح» و«الثوب الرمضاني» والدقلة (التمر).

الجديد في الأمر أن عودة أية موضة قديمة تراعي التزين بحلة عصرية، إلى جانب مراعاتها للتغيرات التي تطرأ على المجتمع والذوق والتطورات الثقافية لكل منطقة حتى تلقى قبولا شعبيا وتحقق نجاحا تجاريا في الوقت ذاته، وقد يكون الفضل لعودة موضة قديمة، مجرد فكرة تداعب مخيلة المصمم، أو ظهور شخصية مشهورة تحن إلى الماضي وتقدر جماليته بزي قديم، وهو ما تحقق أخيراً للثوب على يد جيل المصممين السعوديين الشباب.

يقول مصمم الأثواب الرجالية، لؤي نسيم، وهو أحد المصممين الذين اشتهروا بابتكار موديلات جديدة للثوب السعودي تمتاز بجمعها بين بساطة الحداثة وعبق الماضي، وهي تحقق في الوقت نفسه الراحة والأناقة بأن «الموضة التي دخلت إلى الثياب سببها تفضيل الشباب للجينز وبنطلونات الـ«لويست» على الثياب التقليدية وانصرافهم عنها، خاصة في أوساط الشباب السعودي القادم من الخارج الذي لم يتعود على ارتداء الثوب ويستصعب ذلك». ويضيف لؤي «ولكي نلبي حاجتهم وأسلوب حياتهم، حاولنا إخراج الثوب من إطاره الجامد ووضعه في قالب جديد يشجع الشباب على ارتدائه في كل مناسبة بدلا من الاقتصار على المناسبات الرسمية». الفكرة الجديدة لاقت قبولا واستحساناً من الشباب، فباتوا يقبلون على الثياب الرمضانية التي شاعت أخيراً وباتت تسمى بأسماء مشتقة من شعائر وعادات الشهر الفضيل، كـ«ثوب التراويح» الذي صممه لؤي، وهو عبارة عن ثوب قطني أبيض خفيف مريح جدا وخالٍ من التطريز، ولا يلفت النظر وهو مكون من ثلاث قطع الثوب وسروال السنة والسديري. ويتابع لؤي إلى جانب ثوب التراويح، هناك «الثوب الرمضاني»، وهو عبارة عن ثوب مطرز بأحرف فارسية، وأحرف مبتكرة أطلق عليها «مودرا إسلامك» تعكس روحانية رمضان. فكرة الخط العربي التي استلهمها لؤي تهدف إلى إعطاء بصمة شرقية، وهناك ثوب «الدقلة» الإسلامية، وهو عبارة عن دقلة وثوب في قطعة واحدة استخدم فيها قماش المشلح البني المعروف والقطيفة وطرز بالكتابة العربية باستخدام الخط الكوفي باللون النحاسي، بالإضافة إلى دقلة العيد التي تتميز بقطعتين في قطعة واحدة وطرزت بالخط الكوفي وتتوفر منها عدة ألوان كالأسود والبني ودرجات البيج والنحاسي.

وأضاف نسيم «كما تشمل التشكيلة الجديدة من الثياب على ثوب صمم خصيصا لليوم الوطني الذي يوافق 23 من رمضان، وهو عبارة عن ثوب من القطن الأبيض مطرزا بشرائط خضراء وشعار السعودية».

الثياب الرمضانية ذات الإيحاءات الشرقية يقوم المصمم لؤي بتنفيذها بنفسه بدءاً بالخطوة الأولى، وهي «الجلوس مع الزبون لفهم شخصيته، فالثوب لا بد أن يحاكي جوانب شخصية لابسة، وهذا يستدعي التحدث معه ومعرفة بعض التفاصيل في حياته وتحركاته حتى يستطيع المصمم تخيل التصميم المناسب له».

إقبال الشباب على موضة الثياب المرتبطة بأجواء رمضان والعيد، أصبح ظاهرة لافتة أخيراً، مروان مصطفى، 28 عاما، أحد الشباب الذين جذبتهم فكرة الثياب الرمضانية المحدثة، وأنقذتهم ـ على حد قوله ـ من هيمنة الجينز والكاجوال، يدافع عن الزي التراثي المعصرن بقوله «أحبذ الفكرة لأن فيها نوعاً من الخروج عن المألوف». ويعيد مصطفى اهتمام الشباب في منطقة الحجاز بشكل خاص بهذه الموضات إلى ما عرف تاريخيا عن أهالي المنطقة الغربية من اهتمامهم بالموضات والصرعات الحديثة، نظراً لانفتاحهم على الآخر والثقافات الإنسانية الأخرى. ويشير إلى أن الإسلام يحض على التزين والمظهر الأنيق والنظافة والتطيب والظهور بالمظهر اللائق السليم.

العامل الاقتصادي له دور كبير لا ينبغي إغفاله في انتشار وذيوع التصاميم الجديدة للثياب الرجالية. وتبقى علامة التميز الواضحة هي الذائقة في اختيار نوعية القماش التي تتلاءم مع جسد بغض النظر عن سعره. ويؤكد عدد من الخياطين أن ذائقة المجتمع هي التي تتحكم في أنساق وتطريزات التصاميم التي دائماً ما تتفاوت ما بين رغبات واهتمامات الشباب والكهول، ولكن يبقى الثوب هو الثوب في هيكله الرئيس، رغما عن انتشار الإكسسوارات يهتم بها الحجازيون مثل الصدرية بكل أنواعها البيضاء والمذهبة، وهي من جماليات التراث الحجازي، إضافة إلى الدقلة المستوحاة من التراث النجدي. ولوحظ أن«السديري» وهي أشبه بمعطف بلا أكمام يرتدى فوق الثوب أخذت في العودة بكثافة، وربما يتم تفصيلها من نفس قماش الثوب، إضافة إلى العمامة الحجازية المعروفة بـ«الغبانة»، مع «الجبة الحجازية»، وهي الأشبه بالعباءة المسماة شعبيا بـ«المشلح أو البشت». بشار الشافعي صاحب أحد محلات الخياطة في شمال جدة التي اشتهرت بمسايرة التقليعات والموضة في التفصيل الرجالي يقول «محلاتنا تفصل الثياب العادية، ولكننا نهتم كثيرا بتطوير الثوب، ومحاولة إضفاء لمسات تجعله في متناول جماليات العصر. وحقيقة، الحجازيون بارعون في مثل هذه الأشياء». ويضيف «ما بين التفاصيل والإكسسوارات تساير التصاميم الرجالية للثياب تقلبات الموضة، وينسجم معها المهتم بأناقته، وتبقى صفة الكلاسيكية طاغية على أي توجه للموضات الحديثة، خاصة عند المتقدمين في السن، وهم الأكثر رصانة، وإن كان بعضهم يميل إلى عصرنة الثوب دون المساس برصانته».