كورنيش الأعظيمة يستقبل رواده مجددا خلال عيد الفطر

أهم شواهده قصر شعشوع الذي استأجره أول ملوك العراق

عراقيون يتخذون من الزوارق وسيلة لعبور النهر في بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

كانت حدائق كورنيش الاعظمية واحدة من ملاذات العوائل البغدادية، حيث يحاذي نهر دجلة من جهة الرصافة بمتنزهاته الغنية بالاشجار وحدائق الورود، كما كانت المطاعم التي تقدم الاكلات البغدادية الشهيرة مثل المشاوي والسمك المشوي على الطريقة العراقية (المسكوف) الذي يقدم مع الخبز الساخن ابرز علامات هذه الحدائق.

لكن الحركة لم تنحسر في هذه المنطقة منذ عام 2003 مثلما يعتقد البعض، بل منذ ان شيد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ثلاثة قصور على الكورنيش وأهداها الى زوجته ساجدة خير الله (ام الليثين، كما جاء في قرار الإهداء، ويعني عدي وقصي). هذه القصور اضافة الى ثلاث فيللات اهديت لقياديين بعثيين، امثال مزبان خضر هادي وغيره، اقتطعت مساحاتها من المتنزهات العامة المطلة على النهر مباشرة والتي هي في الاصل مخصصة لنزهة الناس.

مع بناء القصور الرئاسية انحسرت الحركة في جزء كبير من كورنيش الاعظمية، ثم جاءت أحداث عام 2003 ومن ثم سيطرة الفرق الارهابية على عموم منطقة الاعظمية وبضمنها الكورنيش الذي تحول الى منطقة قتال بعد ان اتخذت القوات الاميركية من القصور الرئاسية مقرا لها.

والاعظمية يعود تاريخها الى العصر العباسي حيث كانت مزدحمة بالبساتين، وتعتبر خارج مركز بغداد آنذاك، لهذا بنى فيها بعض الخلفاء العباسيين والحاشية والتجار بيوتا في بساتينها اتخذوها لاغراض الاستراحة بعيدا عن أعين العامة ولطيب هوائها، وسميت بالاعظمية نسبة الى الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان المدفون فيها، والذي ما يزال ضريحه مزارا للمسلمين السنة هناك، وهي (الاعظمية) تقابل منطقة الكاظمية التي تقع في جانب الكرخ ويربط بينهما جسر الائمة. كورنيش الاعظمية سيعود ضاجا بالناس والحركة والحدائق بعد ان اعلنت امانة بغداد مؤخرا عن قرب افتتاحه، وحسب بيان صادر عن المركز الاعلامي التابع لأمانة مجلس الوزراء ان «أمانة بغداد انجزت أعمال تأهيل وتطوير كورنيش الأعظمية بكلفة مليار ونصف المليار دينار (2.1 مليون دولار) لغرض افتتاحه امام العوائل خلال ايام عيد الفطر المبارك».

وذكر المكتب الإعلامي لأمانة بغداد ان «دائرة بلدية الأعظمية أنجزت أعمال تطوير الكورنيش الممتد من القصور الرئاسية السابقة الى مرسى الزوارق القديم وبطول 400 متر ليكون متنفسا ترفيهيا للعائلات البغدادية لا سيما ايام الأعياد والمناسبات المختلفة».

واضاف البيان ان «أعمال التطوير تضمنت زراعة الحدائق والساحات بالشتلات المختلفة، وإنشاء نافورات مختلفة الأشكال واماكن للجلوس ومظلات ونصب أعمدة الإنارة والنشرات الضوئية كي تضفي على المكان جمالية متميزة، فضلا عن نصب ملاعب للاطفال لتكون متنفسا ترفيهيا للعائلات الزائرة».

ومن أبرز شواهد كورنيش الاعظمية قصر «شعشوع» الذي كان ملكا لتاجر يهودي اسمه شعشوع، وقد اتخذ الملك فيصل الاول هذا القصر مسكنا له بعد ان تعرض قصره في الباب المعظم، وهو قصر عباسي قديم يسمى اليوم قصر الثقافة، للفيضان لقربه من نهر دجلة، إذ استأجر أول ملوك العراق قصر التاجر اليهودي ولم يسكن به مجانا. وما يزال القصر قائما وهو ملك لإحدى العوائل البغدادية، ومن يدخله سوف يجده عبارة عن بيت بغدادي اصيل ذات غرف تطل مباشرة على النهر جدرانها وسقوفها مزخرفة هندسيا ونباتيا، وتحيط به اليوم فلل اكثر فخامة منه لكنها لا تنتمي الى العمارة البغدادية. ومن شواهدها ايضا وجود المقبرة الملكية التي تضم رفاة ملوك العراق والعائلة المالكة، وكذلك «مسناية الاعظمية»، والمسناية تعني مرسى الزوارق، او «البلم» البغدادي الذي يستخدم لأغراض نقل الناس بين ضفتي دجلة، الكرخ والرصافة، ولأغراض صيد السمك ايضا.

وتشتهر الاعظمية بأسماء خيرة قراء القرآن الكريم من جهة، وافضل قراء المقام العراقي من جهة ثانية، وابرزهم حسين الاعظمي وسعد الاعظمي.

وما زالت عوائل الاعظمية تتذكر الشاعر الراحل نزار قباني الذي كان يحب ان يتمشى في ازقة هذا الحي وعلى كورنيشه ويجلس فوق المسطبات، فقد كانت زوجته الراحلة بلقيس تنتمي الى احد احياء الاعظمية العريقة.

وقال محمد عبد الخالق، احد سكان الاعظمية، ان «اعادة فتح الكورنيش تشكل فرحة كبيرة لنا، وهي دليل على تحسن الوضع في منطقتنا». واضاف «آمل ان يعاد فتح جسر الأئمة كذلك لتعود الاعظمية الى سابق عهدها».

واغلق جسر الائمة في 2005 بعد حادث التدافع الذي اودى بحياة نحو ألف من الزوار الشيعة الذين كانوا متجهين لاحياء ذكرى وفاة الامام الكاظم في مدينة الكاظمية المجاورة. وحولت اعمال العنف التي ضربت بغداد خلال الخمس سنوات الماضية هذا المنتجع الى مكان لتجمع النفايات عندما سيطر تنظيم «القاعدة» على معظم احياء الاعظمية القريبة من المكان.

وظلت الاعظمية التي تقطنها غالبية سنية معقلا للتنظيمات المتشددة التي تدور في فلك «القاعدة» قبل ان يشكل «مجلس ثوار الاعظمية» بدعم رئيس الوقف السني الشيخ احمد عبد الغفور السامرائي، الذي تمكن من طرد «القاعدة» واعادة الحياة في المنطقة العام الماضي.

وعادت الحياة الى ازقة هذا الحي الذي يعتبر من اقدم احياء بغداد واعرقها لتمسك اهلها ببيوتهم وعدم تركها الى مناطق اخرى.

وقال عصام الاعظمي احد ابناء المنطقة لوكالة فرانس برس «لقد اصبح الكورنيش بالنسبة لاهالي الاعظمية من الاماكن المنسية لكن نأمل ان يسترد هذا المكان عافيته ليعود الى الزمن الجميل حيث الامسيات الممتعة».

واضاف «ان الكورنيش من اهم المتنفسات للمنطقة، لكن بعد الاحتلال اغلقت جميع الطرق المؤدية اليه منذ خمس سنوات لاسباب امنية بسبب قربه من القاعدة الاميركية».

واضاف «على الرغم من ان اعادة الافتتاح تشكل فرحة للكثير من السكان، لكن يبقى آخرون يتوجسون من الوصول اليه، لقربه من القاعدة الاميركية التي قد تفتح النار عليهم في اي قت ولاي سبب ممكن».

وعلى الرغم من تحسن الوضع الامني في العاصمة بغداد خلال الاشهر الماضية، الا ان وتيرة العنف تصاعدت خلال الاسبوعين الماضيين، بحسب مسؤولين عراقيين.