المصريون يهربون بالعيد إلى المتنزهات والشواطئ

أسعار الكعك هذا العام «نار يا حبيبي نار»

بعض من مظاهر العيد في مصر (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

«الشوارع الصاخبة.. محطة القطارات المزدحمة.. حركة البيع والشراء الكثيفة.. الساحات الواسعة تستعد لاستقبال صلاة العيد في المدن والقرى.. أصناف الكعك اللذيذة تتصدر واجهات دكاكين الحلوى.. رنات الجوال من هنا وهناك تبعث برسائل تهاني مرحة.. الجميع يبادل الجميع التحية بتلك العبارة الأثيرة التي لا تفقد أبدا وقعها في مناسبات عديدة «كل سنة وأنت طيب».. رغم كل شيء تنساب الفرحة في عيون الكبار والصغار لأن العيد فرحة.

ومن مكان إلى آخر تختلف مظاهر العيد، فطارق الذي خرج من عمله مبكرا في آخر يوم رمضاني، توجه إلى محطة القطارات المركزية في قلب القاهرة ليسافر إلى قريته القريبة من مدينة طنطا (90 كيلومترا شمال القاهرة). طارق مهندس تصميمات يعمل في أحد مكاتب الدعاية والإعلان المنتشرة في العاصمة، لكنه يعود إلى قريته لقضاء العيد هناك.

«العيد في الريف بسيط جداً، ليس كبهجة أهل المدن الكبرى، ولكنه يعني للأسرة الريفية» تجمع العائلة «من كل حدب وصوب، فالكل يأتي هنا أخيراً للاحتفال والفرح». هكذا استهل طارق حديثه قبل استقلال قطاره بلحظات من «محطة مصر» التي يسافر منها ما يقرب من ثلاثة ملايين مصري يعيشون ويعملون في القاهرة إلى مدنهم وقراهم في الدلتا والصعيد قبيل ساعات من دخول العيد. هيئة السكك الحديدية تعلن الطوارئ قبيل العيد بأيام، ويتم تشغيل قطارات إضافية لاستيعاب الزيادة.

يقول طارق «إن مظاهر العيد في قريته تتركز في حضور الصلاة بمسجد القرية الكبير أو ساحة مركز الشباب، وبعدها يذهب البعض إلى مقابر القرية للسلام على الأموات أو لتلقي العزاء فيمن ماتوا حديثا، وبعدها يعود الجميع للمنزل للطعام».

تماهي لحظات الفرح بالحزن في حياة المصريين تثير الدهشة، كأنها إرث فرعوني يقف طويلا أمام الموت حتى انه لا ينفك يتذكره حتى في لحظات الفرح، فعندما يضحك الواحد منهم قليلا يبادر بالقول «اللهم اجعله خيراً».

بيد أن العيد في القاهرة مختلف.. حديقة الحيوان تظل المكان المفضل لعائلات القاهرة، استعداد خاص من إدارة الحديقة وسط توقعات باستقبال 100 ألف زائر يوميا في أيام العيد. وغير بعيد عن حديقة الحيوان تستقبل نافورة جامعة القاهرة عشرات الأزواج الجدد الذين يفضلون التقاط صور لحفل زفافهم، أو إجراء حفلة الزفاف نفسها مجاناً في هذا المكان الساحر خلف قبة الجامعة في ظل ارتفاع أسعار قاعات الأفراح، واحتياج العروسين إلى كل جنيه للبدء في الحياة الجديدة معاً، ويكفي أن الجميع هناك يشاركهم فرحتهم بالزواج حتى سائقي السيارات الذين يطلقون أبواق سياراتهم فرحا، بينما يسيرون في الشوارع المجاورة. وفي قاعات الأفراح في مساجد القاهرة الكبرى كمشيخة الأزهر الشريف، ومسجد النور بالعباسية يمكن للعريس والعروس أن يعقدا قرانهما هناك في نصف ساعة فقط ثم ينصرفا، فجدول المواعيد في العيد مزدحم، ويكتفي الجميع بمراسم زواج قصيرة وتوزيع العصائر المثلجة والحلوى ثم التقاط الصور مع المدعوين.

كمال المهندس العائد من السعودية في إجازة قصيرة لقضاء العيد مع أسرته، قرر الهروب فوراً إلى الساحل الشمالي لقضاء عدة أيام، معتبراً أن مصر لا تزال تعيش فصل الصيف والطقس الحار، مما يسمح بالهروب إلى الشواطئ حيث السباحة والانطلاق قبل العودة للعمل مرة أخرى. تعلن الحكومة حالة طوارئ في قطاع المواصلات خاصة مترو الأنفاق الذي يستخدمه ملايين القاهريين في العيد للتنقل إلى أماكن النزهة في وسط البلد أو لزيارة بعضهم البعض، وللجسور القاهرية نصيب في بهجة العيد، إذ تفضل عائلات كثيرة قضاء الليل على ضفاف النيل وسط مقاه متحركة تقدم الشاي والعصائر لزبائنها في الهواء الطلق. الخوف من تناول الأطعمة الفاسدة يلقي بظلاله على الطوارئ الحكومية، فمع العيد وتغير عادات تناول الطعام بعد رمضان، ودخول بعض الهواة في تجارة الفسيخ والرنجة، التي يقبل على تناولها البعض يمكن أن يؤدي بكثير منهم إلى مركز السموم في منطقة العباسية للعلاج. «العيد لا يأتي كل يوم.. ورغم ارتفاع الأسعار لا بد من شراء كعك العيد لأنه فرحة كبيرة للأولاد»، هكذا قالت أم هند بينما كانت تنتقي أنواعا من الكعك داخل أحد محلات الحلوى في منطقة وسط القاهرة. أسعار كعك العيد هذا العام أصابها الجنون على ما يبدو، إذ ارتفع ثمنها بنسبة 20 إلى 30% عن العام الماضي نتيجة لارتفاع أسعار القمح والزيوت والمسلي. ويتفاوت سعر الكعك من مكان لآخر داخل القاهرة بحسب جودته والمواد المستخدمة في صنعه؛ ففي المناطق الراقية وصل سعر الكيلو من الكعك السادة نحو 32 جنيها (ستة دولارات)، بينما وصل سعر الكيلو المحشو عين جمل إلى 46 جنيها، والمحشو بالتمر إلى 26 جنيها، بينما في منطقة السيدة زينب الشعبية وصل سعر كيلو الكعك السادة إلى 22 جنيها، والمحشو بالمكسرات إلى 32 جنيها. أم هند لجأت إلى تقليل الكميات التي كانت تشتريها لبيتها كل عام كحل وسط بين ارتفاع أسعار الكعك وضرورة وجوده في البيت في العيد.

لكن سعاد قررت التخلي عن فكرة شراء الكعك من الحلواني كعادتها في كل عام، مشمرة ساعديها لصنعه هذا العام في البيت رغم المخاطر الكبيرة قائلة «نعم هناك مخاطرة في أن يفشل مشروع الكعك المنزلي، ومن ثم يتهدد مشروع الزواج بأكمله، لكن من الصعب في الوقت نفسه أن نرضخ لارتفاع سعره بهذا الشكل.. فكيلو الكعك المنزلي يتكلف هذا العام 17 جنيها مع ارتفاع أسعار الدقيق والمسلي والمكسرات، وقد اعتدنا على شراء 6 كيلوغرامات سنويا من الكعك والبيتي فور، لكن هذا العام يمكن التوفير قليلا، فضلا عن إدخال البهجة في قلوب الصغار، لأن صنع الكعك المنزلي له طقوسه التي يحبها الصغار والكبار». في المناطق الشعبية يمكن رؤية الأطفال الصغار وهم يحملون طاولات الكعك المصنوع في المنزل إلى حيث الأفران الكبيرة، التي يتعدى نشاطها في تلك الأيام بيع الخبز إلى تسوية كعك المنازل مقابل جنيه للطاولة الواحدة.

وإزاء ارتفاع أسعار الكعك، قامت الجمعيات الخيرية التي انشغلت طوال شهر رمضان بتوزيع «شنطة رمضان» هذا العام على آلاف الأسر المحتاجة، بتوزيع كعك العيد على هذه الأسر في اليومين الأخيرين من رمضان وعبر مائدة الرحمن التي كانت تنظمها هذه الجمعيات يومياً.

الأسواق الشعبية عاشت هي الأخرى رواجا قبيل العيد بأيام في ظل ارتفاع أسعار الملابس أيضا، واشتكى بائعون من قلة الإقبال على الشراء. وقال حسن سمير (بائع ملابس) في منطقة الموسكي إن الملابس الصينية تلقى رواجا كبيراً بسبب انخفاض أسعارها، فضلا من سوق الموسكي يعد الأقل سعراً بين أسواق القاهرة. وتقول حنان (موظفة) التي جاءت إلى الموسكي لشراء ملابس العيد لأطفالها، إنها هربت من أسعار المحلات في منطقة وسط البلد مفضلة الشراء من الباعة المتجولين الذين يفترشون شارع الموسكي لأن «المهم قضاء العيد في ملابس جديدة بغض النظر عن جودتها. أطفالي سيفرحون بالملابس الجديدة التي لا يمكن استقبال العيد بدونها، هذا كل ما يمكننا عمله». حنان اشترت بذلة لولدها بمبلغ 150 جنيها (27 دولارا)، واشترت لابنتها الصغيرة فستاناً بنحو 90 جنيها، أما هي فقد اكتفت بشراء حذاء حريمي بنحو 120 جنيها، مفضلة قضاء العيد في ملابس «عيد سابق» لكنها لا تزال تحتفظ برونقها، على حد قولها.

لكن رغم ارتفاع الأسعار والصخب المصاحب هنا وهناك، إلا أن نسمات العيد تخفف من أعباء الحياة. فمع تكبيرات الصلاة صباح العيد في الميادين الكبرى وفي وسط الشوارع ينسى الجميع همومهم، ويطلقون العنان للفرح والسرور، بينما ينهمك الصغار في ارتداء الملابس الجديدة، وانتظار «العيدية»؛ تلك النقود الورقية الجديدة التي يمنحها إياهم الأقارب في أول أيام العيد. الكل يبتسم في الطرقات في وجهك، وهو يقول لك دون حتى أن يعرفك «كل سنة وأنت طيب وعيد سعيد».