دار «بالنسياغا» وسحر المستقبلي.. مانيش آرورا وتحية للسيرك.. وجون بول غوتييه واحتفال بالحياة

.. وتوالت عروض باريس لربيع وصيف 2009

TT

عرض دار «بالنسياغا» من العروض التي يترقبها الكل في باريس، فهذه الدار تقدم دائما المستقبلي والمبتكر بشكل عصري وانيق يجعل اي قطعة يطرحها مصممها نيكولا غيسكيير مطمعا لأي انيقة، لكن الفضول والحركة التي سبقت بدء العرض صباح أول من امس، لم تكن لها علاقة بالأزياء. فالفضول لم يكن لمجرد مشاهدة ما سيقترحه هذا المصمم المبدع لربيع وصيف 2009، بل لأن الممثلة سلمى حايك والملياردير فرانسوا هنري بينو، مالك مجموعة «غوتشي»، كانا جالسين جنب بعض وهما يتجاذبان اطراف الحديث وهما في غاية الانسجام، وكأن شيئا لم يكن، وكأنهما لم يفترقا في شهر يوليو (تموز) الماضي. طبعا هذا المشهد كان كافيا ليشعل فتيل التأويلات والتفسيرات بين الحضور عما إذا كانا قد عقدا جلسة صلح للعودة إلى بعضهما البعض ولو من أجل عيون طفلتهما، بالوما، التي تبلغ من العمر حوالي عام. قبل التوصل إلى جواب يشفي الغليل عن مستقبل هذه العلاقة، تعالت الموسيقى لتذكير الضيوف بالسبب الحقيقي لحضورهم، وإيذانا ببدء العرض، الذي حملنا إلى عالم مستقبلي تماما. فما إن أطلت أول العارضات حتى شعرنا كما لو أننا دخلنا مركبة «ستار تريك». فقد كانت كل القطع، بدءا من الفساتين، إلى البنطلونات والقمصان، بتصميمات ضيقة جدا، أغلبها من الحرير المعدني والمطاط والجيرسيه، بألوان الذهب والفضة. بعبارة اخرى كانت براقة بالألوان، وتعكس الكثير من الضوء على أقمشة خفيفة جدا، نجح فيها غيسكيير في التحدي الذي وضعه لنفسه، وهو مزج الهندسة المعمارية التي تجلت في التصميمات وطرق تفصيلها، بالخفة التي اعتمدها في الاقمشة من خلال تقنيات جد متطورة جعلت حتى الفرو يبدو وكأنه حرير زين حواشي بعض القطع. لكن ما سيبيع ويحقق الربح في ظل الأوضاع الحالية، على وجه الخصوص، فهي حقائب اليد المربعة والبراقة على شكل محفظات، ستحل محل الحقائب الكبيرة.

بعده كان عرض جونيا واتانابي، الذي كان اكثر وضوحا من البريطاني جون غاليانو حين غرف من نبع افريقيا، بأدغالها وصحاريها. فقد نقل بشكل حرفي نقوشاتها وألوانها، وإن كانت اكسسوارات الرأس هي الأكثر إثارة، حيث تباينت بين القبعات الضخمة والعمامات، التي زينتها فواكه مجففة او أوراق الشجر أو الحطب، بحيث تبدو وكأنها سلال محمولة على الرأس. أقل ما يمكن ان يقال عنها انها ستجد مكانا مناسبا جدا لها في مهرجان سباق الخيول البريطاني، أسكوت. واللافت أنه، في الوقت الذي ترجم فيه المصمم جون غاليانو الإيحاءات الأفريقية بطريقة غير مباشرة وناعمة جدا، اختار واتانابي الطريق السهل، وقدم لنا امرأة لا تفرق كثيرا عن اي امرأة عادية تعيش في غانا أو نيجيريا، بتقديمه الكثير من القطع المصنوعة من القطن العضوي في اقمشة بنقوشات تمثل كائنات برية بألوان ساخنة باستثناء استعماله قماش الدينم في بعض التنورات. وللمناسبات المهمة التي تحتاج فيها المرأة ان تبدو في أجمل حلة، بعيدا عن المسؤوليات اليومية، قدم مجموعة فساتين انيقة ومنسدلة بحرية على الجسم مع اكسسوارات مبتكرة، قد يكون في تفصيلها وتقنياتها إبداع سابق لأوانه، لكنها تبدو عادية في اناقتها.

من جهتهما قدم الثنائي ماريث وفرانسوا جيربو، عرضا اكدا فيه ان ملابس النهار والايام العادية يمكن ان تكون أنيقة وجذابة، وإن كانت موجهة للشابات الصغيرات فقط، سواء تعلق الأمر بالبنطلونات المستوحاة من السروال التركي والذي اعطياه روحا عصرية أكثر تحديدا على الجسم ومزينا باحزمة ناعمة وسلاسل، أو تعلق بقطع الصديري التي جاءت بعدة أقمشة واشكال مبتكرة، أو بالقمصان والجاكيتات الـ«سبور»، بل وحتى الفساتين التي تلامس الركبة بالكاد كانت تجمع بين الأناقة الكلاسيكية والاسلوب «السبور» الذي يجعلها بعدة اوجه.

بالنسبة للمصمم الهندي الأصل مانيش أرورا، الذي يعرض في باريس للمرة الثانية، بعد ان كانت لندن قد تعودت عليه وعلى دفء ألوانه، فقد قدم تشكيلة تعكس ميله للمزج بين الهندي والاوروبي، وبين التقنيات المتطورة والأساليب القديمة. وبطبيعة الحال، لأن المصمم هنا هو مانيش أرورا، فإن المعروض لا بد أن يكون مهرجانا صاخبا من الألوان، ولأن مكان العرض هو «سيرك ديفار» فإن اجواء السيرك لا بد أن تكون حاضرة ولو من خلال صورة شخصية البلياتشو، المهرج، التي تجلت في الماكياج وقبعات الرأس وتسريحاته، والنقوشات الهندسية المربعة في بعض القطع. مانيش قدم تحية للسيرك، ليس من حيث الإخراج فحسب، بل ايضا من خلال الموسيقى والتصميمات نفسها، التي غلبت عليها فساتين «الترابيز» اي المنسدلة التي لا خصر لها. وهي تصميمات كان الراحل إيف سان لوران قد أطلقها عندما كان لا يزال مصمم دار كريستيان ديور الفني، ويعود لها فضل في انطلاقته الصاروخية في الستينات، لكن الفرق بينها وبين ما طرحه مانيش أنها على يد هذا الأخير أخذت أحجاما اكبر، وسخاء لا يضاهى في التفاصيل والألوان. فالجيوب وحدها يمكن ان تكفي لتصميم فستان مستقل بذاته. أغلبها كانت قصيرة باستثناء فساتين سهرة تعد على أصابع اليد الواحدة تميزت بذيل طويل وبزخرفات من الريش، لتبدو المرأة فيها وكأنها طاووس في قمة زهوه وعنفوانه، بالإضافة إلى تنورات قصيرة جدا، وبنطلونات وقطع اخرى استوحى تفاصيلها من مهرجي السيرك. بيد انه رغم عنصر الإبهار الذي اصبغه مانيش على سماء باريس الرمادية أول من امس، إلا ان اكثر ما يحسب له هو التقنيات الجديدة التي استعملها في التطريز والنقوشات التي تم لصقها بواسطة أساليب رقمية، على أنواع جديدة من الخامات مثل ريش النعام والخرز المصنوع من الجلود، هذا عدا احترامه للطرق التقليدية المستعملة منذ قرون في الهند، مسقط رأسه. أما نقطة قوته، فكانت مزجه بين الألوان، التي غلب عليها درجات الأزرق والوردي والذهبي والعاجي التي أضفى عليها الاستعمال السخي لأحجار سواروفسكي بريقا وترفا. الحديث عن الألوان الزاهية يجرنا للحديث عن تشكيلة شقي باريس، جون بول غوتييه، الذي اتحف معجباته بتشكيلة كل ما فيها يضج بحب الحياة والتفاؤل، والأهم من هذا أنها ترقص مع كل حركة. ولأن التشكيلة موجهة للربيع والصيف المقبلين، فقد كانت أجواء البحر تداعب خياله عندما انكب على تصميمها، بدليل الكثير من ملابس البحر، التي يمكن ان تتحول بسهولة إلى فساتين، او تنورات تعقد عند الخصر باشكال مختلفة تبدو فيها لابستها وكأنها ترقص. فالحركة بالنسبة لغوتييه كانت هي الرقص وهي الحياة، حسب قوله: «بالنسبة لي فإن الملابس عندما تعرض على شماعات فإنها تفتقد الحياة. فقط عندما يلبسها شخص ما تشعر بنبضها، ومن هنا كانت الفكرة ان اصمم أزياء لها استعمالات كثيرة، مثلا يمكنك ان تتوجه بها إلى بركة السباحة أو البحر، أو ان تحولها إلى فستان». ومما لاشك فيه ايضا ان غوتييه الذي صمم ملابس مسرحية «سنو وايت» الاستعراضية مؤخرا، انبهر بالرقص والراقصين، لاسيما كيف تتحرك الأزياء مع كل حركة يقومون بها.