بسمة كيلاني.. من تدريس الأدب العربي إلى رعاية الحرف اليدوية التراثية

جالت المدن والأرياف السورية بحثاً عن نساء مبدعات

بسمة كيلاني (الإطار) ومعرضها النسائي الحرفي اليدوي في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

قبل ثلاث سنوات قررت بسمة كيلاني، وهي مدرّسة للغة العربية في مدارس العاصمة السورية دمشق، وبعد عشر سنوات من التدريس، ترك هذا العمل التربوي التعليمي لتطلق العنان لهواية طالما حلمت منذ صغرها بأن تظهرها للعيان. كيلاني كانت تدرك سلفاً أنها هواية وعمل صعب ومضنٍ يحتاج إلى مؤسسات عامة وخاصة وأهلية لتنفيذه. لكنها بفضل إصرارها وعزيمتها تمكنت من تحقيق رغبتها، فجمعت عشرات النساء المبدعات المغمورات اللواتي يعملن في منازلهن، أو تركن العمل لأسباب مختلفة، في معرض واحد كبير بدمشق، يشاهد الجمهور عبره اليوم إبداعات المرأة السورية في مجال الحرف والمهن اليدوية التراثية. الواقع أنه حتى قبل عام 2006 كان كثيرون من المهتمين والمتابعين يعتقدون ومن خلال سوق المهن اليدوية، التابع لوزارة السياحة السورية، في مبنى «التكية السليمانية» التاريخي بدمشق وفي غيره من أسواق الحرف اليدوية، أن هذه المهن التراثية محصورة بالرجال فقط. بيد أن بسمة كيلاني تقول لـ «الشرق الأوسط» متحدثة عن تجربتها الفريدة في إطلاق هوايات النساء الحرفيات السوريات والكشف عن مواهبهن: «لقد أحدثت مفاجأة للجميع عندما نظمت أول معرض في فندق الفورسيزنز بدمشق صيف عام 2006 لحوالي 125 امرأة سورية، عرضن أمام الجمهور الواسع منتجاتهن اليدوية، فكانت المفاجأة أن المرأة السورية تستطيع، مثل الرجل، أن تقدم للعالم قطعاً فنية فيها روح ونفس شخصية المرأة المبدعة ومهاراتها.. من الرسم على الزجاج والزخارف والآرابيسك والشرقيات والخزف والنحاسيات والسيراميك الفني والخشبيات.. إلى الحرير الطبيعي التراثي والعمل على النول اليدوي. يومها أطلقت على المعرض مسمى «صنعته سيدة» وجعلت شعاره مقولة مأثورة هي «من يعمل بيده فهو عامل ومن يعمل بيده وعقله فهو مخترع أما من يعمل بيده وعقله وقلبه فلابد أنه فنان». وحقاً المشاركات مبدعات وفنانات». وتابعت بسمة «.. ومع نجاح المعرض الأول صمّمت على إطلاق المعرض الثاني فالثالث في كل عام وفي المكان نفسه في الفورسيزنز، وقد فوجئت بمدى التشجيع الكبير الذي حصلت عليه، خاصة من المؤسسات الأهلية، ومن وزارة الثقافة التي لديها مديرية لحفظ التراث. وفي المعرضين الثاني والثالث كان الإقبال أكبر، وكانت هناك طلبات من جمعيات أهلية للمشاركة في المعرض من خلال منتجات سيدات ترعاهن هذه الجمعيات. وبالفعل قررت أن أشركهن. ففي معرض الصيف الماضي شاركت حوالي 11 جمعية بمنتجات يدوية تراثية لنساء في الجمعيات. وللنجاح الكبير لفكرتي وبدعم من زوجي.. حيث لا يمكن للمرأة أن تتخلى عن مساعدة الرجل مهما قدمت من إبداعات.. وهذا ما ساعدني في الواقع بتنظيم معرضي إذ عندما كنت أتجه نحو نساء خبرت أنهن لديهن هواية العمل اليدوي التراثي وأحاول إقناعهن بالمشاركة في المعرض كن يعتذرن، ولكن عندما يتدخل الرجل (الزوج أو الأخ والأب) ويقتنع بفكرتي يقنع المرأة بالمشاركة. ولذلك أقول إنه لا غنى عن الرجل مطلقاً حتى في معرضي ـ تقول بسمة ضاحكة ـ، ومن هنا قرّرت وبدعم من زوجي أنه سيكون هناك معرضان في العام.. أي معرض في فصل الشتاء ومعرض في فصل الصيف».

وحول كيفية إقناع النساء بالمشاركة في معرض نادر ونوعي، قالت بسمة: «منذ البداية كنت أعلم أن ما أقوم به عملاً صعباً لكنني مع العزيمة والصبر ووضوح الهدف الذي حددته في ذهني وهو: جمع ثلاثة أمور: المرأة المبدعة والعمل اليدوي والموضوع التراثي.. انطلقت إلى معظم المدن والقرى السورية والتقيت مع نساء لديهن الهواية في العمل اليدوي التراثي. غير أنني فوجئت بأن البعض منهن ليس لديهن إمكانية السفر والإقامة في دمشق للمشاركة بالمعرض، وعندها قدم أصحاب الأعمال الخيرية والإنسانية مشكورين الدعم المادي اللازم لهن للمشاركة، لا سيما، مع الاقتناع بأن هذا العمل سيساعد على الحفاظ على الحرف اليدوية التراثية العريقة وسيفجر طاقات المرأة الإبداعية.

واليوم يسعدني أن المعرض استطاع أن يكتشف، بل ويعيد إنهاض حرف كادت أن تنقرض، منها مثلاً، الحرير الطبيعي، الذي اكتشفنا أن امرأة واحدة فقط تعمل به في الجبال الساحلية السورية، ولقد شاركت به هذا العام ونال إعجاب الكثيرين. كذلك استطعنا من خلال هذا المعرض إطلاق مشاريع مولّدة للدخل مع عدد من النساء اللواتي بعدما لاحظن اهتمام الناس بعملهن الحرفي اليدوي قرّرن افتتاح ورش ومحلات في أسواق دمشق والمدن الأخرى، وباشرن بتوسيع عملهن وتعليم فتيات العمل اليدوي التراثي. وبالفعل أصبح هناك مشاريع عديدة، وإحدى السيدات المشاركات افتتحت مصنعاً يدوياً لإنتاج السيراميك والزجاجيات اليدوية، وأصبحت تصدر للخارج وتورّد لكل الفنادق والمطاعم الجديدة منتجاتها اليدوية من مصنعها الصغير فحققت شهرة كبيرة».