3 معارض تجمع بيكاسو مع أساتذته الذين أعاد إبداع لوحاتهم

ريشة الرسام الأشهر العابثة تلون خريف باريس في حدث نادر

لوحة من أعمال الفنان الأسباني الراحل بابلو بيكاسو ضمن مجموعة معروضة في متحف غراند باليه بباريس («الشرق الأوسط»)
TT

إنه الحدث الثقافي الأبرز الذي تختتم به العاصمة الفرنسية عام 2008، وهو أيضاً احتفاء غير مسبوق بالفنان الإسباني الذي عشق باريس وأقام وأحب نساءها وأنجز عدداً من أهم لوحاته فيها. ثلاثة معارض كبرى لبابلو بيكاسو (1881 ـ 1973) في أهم ثلاث صالات للعرض الفني تبدأ اعتباراً من الغد وتستمر حتى أوائل فبراير (شباط) المقبل، كأن ريشة عبقرية تلون كآبة هذا الشتاء.

منذ أيام، تزدحم كل الطرقات المؤدية الى «القصر الكبير» المطل على «الشانزليزيه»، وتتقاطع فيها شاحنات النقل ودوريات الحراسة المشددة. ففي هذا المبنى التاريخي وتحت قبته الزجاجية تحل 120 لوحة من أثمن ما تحتفظ به المتاحف العالمية والمجموعات الخاصة، نصفها لكبار الفنانين (من وزن رمبرانت وغوغان وغويا وإل غريكو وبوسان وكوربيه وأنغر وتولوز لوتريك ورونوار وفان غوغ)، ونصفها الآخر لبيكاسو، أي يقابل كل لوحة من هذه المجموعة اللوحة التي استلهمها الفنان منها فأعاد رسمها وإنما بأسلوبه التكعيبي وألوانه ورؤيته الخاصة.

لوحات لم يحصل أن اجتمعت سوية تحت سقف واحد، وهو حلم طالما راود مخيلات محافظي المتاحف الكبرى وحان وقت نزوله الى الواقع، وفكرة عميقة تؤكد أن الموهبة لا تأتي من فراغ بل تستند الى كل الماضي الفني الذي ينتسب المبدع إلى سلالته. لكن القائمين على المعرض، وعلى رأسهم أن بالداساري، مديرة متحف بيكاسو في باريس، لا يسعون لجعله ميداناً للمقارنة بين الفنانين ولا لتأمل أية اللوحات هي الأقوى. إنهم يريدون كشف المدى الشاسع لموهبة بيكاسو التي استطاعت أن تهضم كل التراث السابق في الفن وأن تعيد تشكيله وفق هواها فتزيده فتنة. لقد رسم الإيطالي تيزيانو فيسيلي، الملقب بتيتيان الفرنسي، ربة الجمال فينوس، عام 1538، وهي تستلقي تاركة لجسدها المرمري أن يضيء اللوحة. كما رسم غويا، عام 1800، إمرأة عارية مستلقية. لكن بيكاسو أعاد رسم هذه الوضعية الأثيرة للرسامين بشكل لا يشبه كل ما سبق. وامرأته المستلقية التي رسمها عام 1964 وهي تداعب قطة، تنتمي الى مفهوم آخر للمرأة ولمقاييس الجمال الأُنثوي.

المعرض الثاني يستضيفه جناح دينون في متحف «اللوفر» وهو بعنوان «بيكاسو ودولاكروا»، وعاش دولاكروا في القرن السادس عشر، قبل ولادة بيكاسو بثلاثة قرون، لكن هذا الأخير أعاد، بمنظوره الخاص، رسم لوحات «نساء الجزائر» اللواتي شغف بهن رسامو عصور الاستشراق. ورغم مرور السنوات والتغير الكبير في العقليات، ما زال من المحرج لصحيفة عربية أن تنشر الكثير من تلك الرسوم التي دارت في بيوت الليل والمتعة واتخذت من بائعات الهوى موديلات لها.

أما المعرض الثالث فيقام في متحف «أُورساي» للفنون الحديثة، وهو محطة قديمة للقطار جرى تحويلها الى واحدة من أكثر صالات العرض أناقة في باريس.

ويستعرض المعرض لوحات «الغداء على العشب» للرسام الفرنسي إدوار مانيه. ورغم أن مانيه فارق الدنيا ولبيكاسو من العمر عامان، فإن هذا الأخير «تصرّف» في الموضوع وفق ذائقته وأنجز لوحات تعكس روح عصره وتجلياته، لا أرواح من ماتوا. وكان موضوع تناول الطعام في أحضان الطبيعة قد ألهم أكثر من فنان على امتداد الحقب، منهم الفرنسي الكبير الآخر كلود مونيه.

لابد في النهاية من القول إن الشرطة الفرنسية وشركات التأمين مستنفرة لحماية هذه الأعمال الفنية التي تشكل ثروة مادية ومعنوية. وتشير التقديرات إلى أن أثمان مجموع لوحات معرض «القصر الكبير» وحده تصل الى ملياري يورو. فما الدافع لكل هذه المخاطرة في الزمن الذي يستطيع فيه أي متصفح للإنترنت، في أية بقعة من العالم، أن يتفرج على أية لوحة ويزور كبريات المتاحف بلمسات على الحاسوب؟

إن الفرق بين الفرجة الافتراضية وبين الوقوف بجسدك في مواجهة جسد اللوحة الأصلية هو أبعد، بكثير، من الفرق بين رؤية فيلم في التلفزيون وبين مشاهدته في صالة السينما.