مهرجان الكبة والصاج والتنور.. في جنوب لبنان

على إيقاع الدربكة والمطر

أفراد من اليونيفيل يشترون منتجات الجنوب («الشرق الاوسط»)
TT

استطاع اللبناني كمال مزوق، وخلال فترة قصيرة، تحويل «سوق الطيب» من مبادرة فردية الى مؤسسة همها الغوص في التراث اللبناني، طعاما وثقافة وزراعة وحرفا وتسويقا. وقد ادرج هذا التراث في اطار مشروع «بناء السلام» الذي يتولاه برنامج الامم المتحدة الانمائي.

«سوق الطيب» دأب على اعداد انشطة سنوية حافلة تجمع بين اللقمة الطيبة والسهرة العامرة و«المؤونة» التي يحرص اللبنانيون على تجميعها مع نهاية كل صيف ومطلع كل خريف في المناطق والقرى، وذلك ليستفيدوا منها في الشتاء. ولم يكتف السوق بإشباع المعدة وانما أضاف اشباعا معنويا وثقافيا من خلال حفلات توقيع دواوين الشعر وكتب النثر. وتميز هذا العام بمهرجان «اكل وعيد ـ 2008»، بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي. وكانت آخر حلقة من هذا المهرجان تحت عنوان: «خيرات الجنوب» الذي استضافته مدينة «صور» الساحلية في جنوب لبنان.

وترافق الافتتاح مع خيرات السماء، اذ هطل المطر متقطعا فأعاق بعض النشاطات من دون ان يلغيها. وتقول جوزيت نجيم المسؤولة في مؤسسة «سوق الطيب» لـ«الشرق الاوسط»: «لقد اخترنا مدينة صور لانها تتميز باسواقها القديمة الضيقة التراثية بقناطرها ومتاجرها الصغيرة، اضافة الى المرفأ الصغير لصيادي الاسماك. وفي هذا الجو التراثي اتحنا المجال امام الجنوبيين لعرض منتجاتهم المحلية، سواء على مستوى الافراد او على مستوى التعاونيات. فتدفقت خضار الحواكير، وفاكهة البساتين والمؤونة التي تحضرها النساء من توابل ومربيات، ومكبوسات ومكدوس، ورب البندورة، وصعتر وفاكهة مجففة وبرغل وكشك، إضافة الى خبز الصاج والتنور وغير ذلك من الاطايب والاغذية التي يسيل لها اللعاب».

تضيف نجيم: «كان من حسن حظ الجنوبيين والجنوبيات ان المهرجان صادف في آخر اسبوع من شهر رمضان الكريم، فاعددنا سحورا فيه كل ما تشتهي العين والنفس من كبة مدقوقة على البلاطة، والفتوش والتبولة، والبليلة، والسنبوسك، والفطائر، والحلويات على انواعها».

وفيما عطل المطر الرحلات البحرية الليلية التي جرى الاعداد لها مع صيادي الجنوب، ساد المهرجان دبكة جنوبية مترافقة مع العزف على الدربكة والطبل، مما حال دون ان يفعل الهواء البارد فعله فيمنع الحضور من الحركة.

ولم يقتصر الامر على الاكل والرقص والسمر، والاحاديث عن ايلول «الذي طرفه بالشتاء مبلول»، كما يقول المثل اللبناني، فقد كان للثقافة حصة في المهرجان، حيث تم على ايقاع الموج المتلاطم على الشاطئ، توقيع كتاب «سلاحف البحر» ليمنى مدلج، والاستماع الى محاضرة عن انقاذ سلاحف البحر مع منى الخليل وحبيبة فايد «وهي الكائنات التي تكاد تتعرض للانقراض بفعل نقلها من قبل مرتادي الشواطئ الى منازلهم لكي يلهو بها الاولاد، او لجلب الحظ، بحسب بعض الاعتقادات»، على حد قول منى الخليل، التي تطالب بايجاد محميات لهذه السلاحف، خصوصا في ظل غياب الوعي عن اهمية هذه الكائنات.

وسبق لـ«سوق الطيب» ان قام، بدعم من شركاء محليين وتعاونيات زراعية ومنظمات المجتمع المدني، بمهرجانات متعددة منذ مطلع العام الحالي، بدأها بمهرجان «لوز الزوق» باعتبار ان بلدة الزوق الساحلية الواقعة شمال بيروت تشتهر بزراعة اللوز وكل المنتجات المتفرعة منه كالمرصبان (عجين اللوز والسكر) ومربى التمر باللوز وغيرهما. وتبع هذا المهرجان مهرجان «غداء الكروم» في بلدة تعنايل البقاعية حيث كروم العنب بكل أشكالها وألوانها وأحجامها على مد العين والنظر، وحيث تنشط الصناعات الزراعية المتفرعة. وكان لمهرجان «التبولة تجمعنا» في ميدان سباق الخيل في بيروت وقع طيب على رواده الذين تذوقوا كل انواع التبولة بكل خلطاتها ومكوناتها. بعد ذلك جاء دور مهرجان «سمك البترون» في شمال لبنان، و«فاكهة لبنان» في بلدة الرملية في قضاء عاليه، و«ما أطيب لبنان» في «دوما» الواقعة في جرد البترون، ومهرجان «جليلنا» في «معاصر الشوف» القريبة من أرز الباروك.

يذكر أن مهرجان «أكل وعيد ـ 2008» بدأ في 13 ابريل (نيسان) الماضي في عقب احداث مايو (ايار) الدامية في بيروت، لكن «سوق الطيب» تأسس في العام 2004 كمنظمة محلية غير حكومية تسلط الضوء على الغذاء كانعكاس للهوية الوطنية والثقافة والتراث، وأنشطة ثقافية تعنى بالاطفال والراشدين، ومعارض لفن الفخار، ومعارض للكتاب، وغير ذلك من الانشطة التي تعزز التراث اللبناني، وتؤسس لتآلف اجتماعي، وتشجع الحوار بين المنتج والمستهلك، بين ابن القرية وابن المدينة.

لانا غندور مديرة مشروع «بناء السلام» الذي ينفذه برنامج الامم المتحدة الانمائي، بالتعاون مع «سوق الطيب» والمجتمع المدني، تقول لـ «الشرق الاوسط»: «بعد الانتهاء من المهرجان الخامس عشر هذه السنة، نحن الآن في صدد اعداد كتاب عن الوجبات الغذائية التي تميز بها المهرجان. وهذه أفضل وسيلة لاظهار فن الطبخ في لبنان، وإظهار الفوارق في الوجبة الواحدة بين منطقة وأخرى، والتركيز على النقاط المشتركة بينها. ولا تمر ثقافة السلام بالمطبخ التقليدي فحسب، بل تشمل ملفات أخرى، وشرائح مختلفة، ولا سيما الشباب، والمنظمات غير الحكومية، والبلديات، ووسائل الاعلام».

وكشفت غندور عن الاعداد لحلقة دراسية مع المجتمع المدني ستضم 25 منظمة غير حكومية، و50 شخصية من كل الطوائف. والغاية من هذه الحلقة التدريب على مواجهة الازمات وتشجيع الحوار بين الطوائف. كما تعد لحلقة دراسية اخرى موجهة الى وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، والصحافة، وتحديداً الى الصحافيين الذين يغطون الاحداث والناشرين، بهدف تشجيعهم على ان يكونوا «ضميريين» عندما يعالجون الازمات ويتناولون ثقافة السلام. كذلك يجري التحضير لحلقة ثالثة موجهة الى البلديات، ولا سيما البلديات المختلطة سكانياً بهدف تشجيع التفاهم وادارة المشكلات ذات الطابع الطائفي أو المذهبي».