سليمان المعصراني: رفض توظيفي بسبب إعاقتي حرضني على الترحال

الرحالة السوري قال لـ «الشرق الأوسط»: زرت 28 دولة وقطعت أكثر من 27 ألف كلم سيرا على الأقدام

المعصراني مع حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي («الشرق الاوسط»)
TT

يستعد الرحالة السوري: سليمان المعصراني للانطلاق في رحلة جديدة مشياً على الأقدام أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي حيث ستكون وجهته عدد من دول أميركا اللاتينية ودول أوروبية والتي ستكون تحت شعار: «لا للشلل لا لسرطان الأطفال».

وحكاية المعصراني مع الترحال والإعاقة طويلة. ففي طفولته أصيب بشلل الأطفال وعندما كبر وأصبح شاباً ترك الشلل عاهة دائمة في وجه سليمان وخاصة في فمه وعينه بعد أن خفف الأطباء من تأثير الشلل على باقي أجزاء جسمه من خلال خضوعه لسبع عمليات جراحية عصبية ودماغية. ولم ينكسر سليمان أمام عاهته التي تحولت إلى دائمة ولو بشكل خفيف فقرر دراسة الهندسة في الجامعة وتحقق حلمه بحيث حصل على شهادة الماجستير في الهندسة الطبوغرافية وحصل على اختصاص شد الكابلات من الجسور من الجامعات المصرية، وعمل لفترة بعد التخرج في شركة سورية عامة ومن ثم غادر إلى السعودية فعمل هناك لفترة من الوقت في اختصاصه وليوفر المال للعمليات الجراحية التي خضع لها في السعودية والامارات العربية المتحدة للتخفيف من آثار شلل الأطفال على جسده.

بعد ذلك، قرر العودة إلى سورية والبحث عن فرصة عمل، فقرأ في الصحف أن شركة خاصة في ريف دمشق ترغب بتعيين مهندسي طبوغرافيا فتقدم إليها وقبل في البداية من خلال شهاداته والوثائق التي قدمها وفي يوم المقابلة مع مدير عام الشركة ـ وكان هذا قبل حوالي خمس سنوات ـ في هذا اليوم المفصلي من حياة سليمان استقبله مدير الشركة وعندما شاهد الإعاقة في وجهه (والتي تسمى علميا باللقوة المحيطية) ولاحظ البدانة التي كان سليمان يعاني منها بسبب تناوله الكثير من الكورتيزون للمعالجة، رفض تعيينه في شركته وبطريقة استفزازية وبعيدة عن الإنسانية قال له نحن لا ينقصنا توظيف مشلولين في الشركة؟! خرج سليمان من الشركة والدنيا سوداء في عيونه ومشى باتجاه دمشق، حيث ظل يمشي ويمشي وبدون انتباه وصل دمشق سيراً على أقدامه رغم أن المسافة تتجاوز 50 كلم ما بين مقر الشركة ومنزله بدمشق.

انتبه سليمان بعد أن صحا من كابوس عنجهية المدير إلى أنه قادر على المشي كثيراً، فكان قراره الحاسم: التحول إلى رحالة وحمل رسالة إنسانية لصالح المعاقين والفقراء والأطفال المحتاجين وبدون أي مقابل مادي. وبالفعل هذا ما حصل معه فقام بعدة رحلات سيراً على الأقدام قطع خلالها آلاف الكيلومترات وزار عشرات البلدان ونال منذ البداية الدعم المعنوي والإنساني من منظمة الصحة العالمية وخاصة من ممثلها بدمشق الدكتور فؤاد مجلد وهو سعودي الجنسية والذي قدم له حتى الدعم المالي أحياناً ومن ماله الشخصي بعد أن سمع قصته وكان يرسل أحياناً المال لأسرة سليمان في غيابه بقصد الرحلات الإنسانية ـ قال سليمان وهو متأثر بهذا الدعم الإنساني الذي تلقاه من منظمة الصحة العالمية ومكتبها الإقليمي ـ وكانت المنظمة في دمشق قد أطلقت في حينها وبمناسبة يوم الصحة العالمي شعار «في الحركة بركة» حيث عرض عليهم فكرة الرحلة سيراً على الأقدام. وشجع الدكتور مجلد سليمان على القيام برحلة إلى السعودية لأداء فريضة الحج أو العمرة سيراً على الأقدام ـ قال سليمان معصراني متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» ـ ومن خلاله حصلت على التأشيرة وقررت السير بالرحلة وكان هدفي الحج فقط وتحت شعار: «لا للشلل لا للإعاقة»، وبالفعل عندما وصلت الى السعودية لاحظت اهتماماً إعلاميا واجتماعياً كبيراً برحلتي وأن رسالتها بدأت تتوضح فقررت وبالتنسيق مع الدكتور مجلد إكمال الرحلة إلى باقي دول الخليج وزيارة مراكز تأهيل المعاقين فيها وتقديم رسالتي وهي أنني أنا كنت معاقاً والآن جئت لمراكز المعاقين سيراً على الأقدام ومن خلال قوة الإرادة والإصرار والإيمان والحمد لله وفقت في رحلتي الأولى وحصلت على دعم كبير من الامارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وتلقيت دعوات كثيرة من هذه الدول وكانت الرحلة الأولى قد بدأت في 10 أغسطس (آب) 2004 واستمرت حتى الآن من خلال رحلات عديدة سيراً على الأقدام زرت خلالها 28 دولة عربية وآسيوية وزرت 128 مركزا تأهيليا للأطفال المعاقين وقطعت خلالها 27850 كلم سيراً على الأقدام حسب ما سجل بجواز سفري وفي ثلاث رحلات بعد أن كان الهدف فقط دولة واحدة وهي السعودية، ولنفس شعار الرحلة الأولى ولكن بعد أن غيرت في العنوان قليلاً حيث صار الشعار: «لا للشلل لا للسرطان» حيث أنني أصبت أيضاً بسرطان الرقبة وعانيت كثيراً وشفيت منه والحمد لله بالإرادة والعلاج وإيماني بالله وأنني أحمل رسالة إنسانية لمساعدة المرضى والعجزة والمسنين والمعاقين والأطفال في رحلاتي.

وحول مشاعره وهو يقوم بالرحلات ويترك أسرته في دمشق المكونة من زوجة تحمل شهادة المحاماة وموظفة في المؤسسة العامة للبريد بدمشق و3 أطفال ذكور وبنتان يتابع سليمان، 46 عاماً، كانت مشاعر مؤثرة وخاصة أن المولود الثالث وهو طفلة ولدت وأنا في الرحلة ولم أتمكن من مشاهدتها إلا بعد ستة أشهر حتى عدت من رحلتي الأولى وكانت أسرتي غير موافقة على مغامرتي خاصة مع الإصابات والبدانة التي كنت أعاني منها حيث كان وزني 138 كيلوغراما في بداية انطلاق رحلتي الأولى وحالياً وزني 76 كيلوغراما؟!.. ولكن بعد الاهتمام الإعلامي والإنساني الذي حظيت به دعمتني أسرتي وتفهمت زوجتي مغامرتي حتى لم تمانع فيما بعد بأن أقوم ببيع منزلي في حي المهاجرين بدمشق لأكمل رحلاتي التالية وهذا ما حصل فعلاً وسكنت بالأجرة حيث صرفت ثمن المنزل لتكاليف الرحلات إذ كنت أقيم في الفنادق وأتنقل في المدن على حسابي الشخصي ولم أقبل أي مساعدة أو هبة من أحد حتى لا يفهم قصدي بشكل مغلوط وأنني كبعض الرحالة أبحث عن المال وليس الهدف إنساني ولذلك أفتخر هنا بمقولة الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة الذي استقبلني مشكوراً في قصره وصرح فيما بعد لتلفزيون الشارقة قائلا إن هذا الرحالة السوري إن شاء الله يكون غير مفهومنا ونظرتنا عن الرحالة بشكل عام. وأنا بعد رحلتي الأولى لدول الخليج وآسيا حيث زرت إيران وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وأفغانستان ووصلت حتى العاصمة كابل، زرت فيما بعد في الرحلة الثانية دول المغرب العربي ومنها مصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر أما المغرب فقد وصلت حتى حدوده ولكن منعت من الدخول براً بسبب العلاقات بين الجزائر والمغرب بموضوع الصحراء الغربية لم أوفق في دخول المغرب. وحول المحطات التي يعتز بها سليمان خلال رحلاته قال: هناك العديد منها خاصة أثناء ذهابي للسودان زرت منطقة دارفور والحمد لله استطعت أن أؤثر على المنظمات الدولية كالصحة العالمية واليونيسيف وإقناع القبائل المتقاتلة بإيقاف الاقتتال أثناء رحلتي في دارفور وبالفعل أوقفوه 3 أيام لأكمل رحلتي الإنسانية في دارفور والتي كانت في شهر مارس (آذار) 2006 وذكرته في حينها كل وسائل الإعلام السودانية وحتى العالمية منها مثل CNN. وأعتز بلقائي الرئيس السوداني عمر البشير الذي التقاني في مكتبه وأهداني عكازه الشهير، وكذلك التقاني رئيس الوزراء السوداني في حينها وهو: «جذوري دفع الله» الذي أهداني بيضة النعام وهي هدية قيمة. كذلك حصلت على وسام شرف من الدرجة الأولى من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة وأقدر كثيراً اتصاله الهاتفي معي بعد أن عدت إلى سورية ليطمئن علي هو والسيدة حرمه الشيخة جميلة، ولدي الكثير من الدروع التذكارية والأوسمة التي أعتز بها ومنحت شهادة دكتوراه فخرية من مدينة الشفلح الإنسانية في قطر ودكتوراه فخرية من منظمة الصحة العالمية والتي منحها لي الممثل الإقليمي بالقاهرة الدكتور حسين الجزائري. بعد رحلاتي المتعددة طلبت مني منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية الكشفية في جنيف أن أقوم بأربعة أعمال إنسانية في سورية حتى أحصل على لقب مفوض دولي ووفقت بهذه الأعمال الإنسانية وبرعاية شخصية من رجل الأعمال السوري أحمد غازي مدير شركة غازي عليان وقد حصلت في شهر يونيو (حزيران) الماضي على لقب مفوض دولي للمنظمة الكشفية الدولية في سويسرا وحصلت على وشاح المنظمة.