معرض كبير يسرد حكاية نابليون بونابرت في مصر

في معهد العالم العربي بباريس

ملصق معرض «بونابرت ومصر» («الشرق الأوسط»)
TT

«بونابرت ومصر: نار وأنوار» عنوان المعرض الضخم الذي سيدشن بعد غد الإثنين في معهد العالم العربي في باريس بحضور وزير الثقافة المصري فاروق حسني ونظيرته الفرنسية كريستين ألبانيل. ويدوم المعرض حتى 29 مارس (آذار) من العام المقبل.

ويغطي المعرض مائة عام من التاريخ المشترك بين مصر وفرنسا إذ يبدأ مع ولادة نابليون بونابرت عام 1769 وهو أيضا عام ولادة محمد علي الذي حكم مصر حتى العام 1848، وينتهي مع عام 1869، وهو عام تدشين قناة السويس التي تشكل عملا فرعونيا خطط له ونفذه المهندس الفرنسي فرديناند دوليسبس الذي عمل لاحقا على حفر قناة بناما للوصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ.

ولم تكن إقامة المعارض المخصصة لمصر فكرة جديدة لا في فرنسا ولا في غيرها من الدول الأوروبية. غير أن الاهتمام كان ينصب على مصر الفرعونية بأهراماتها وأثارها وثرواتها وأمجادها الغابرة. لكنها المرة الأولى التي يقام فيها معرض كالمعرض الحالي إذ أنه يهتم بما كانت عليه الحياة في مصر يوم وصول قوات الجنرال بونابرت اليها عام 1798 كما أنها المرة الأولى التي تجمع فيها كل هذه القطع المعروضة الفذة التي يصل عددها الى 400 قطعة جاءت الى باريس من أكثر من مصدر. وجاءت القطع من مصر «القاهرة: المكتبة الوطنية، المتحف القبطي، متحف محمد علي، متحف الفن الإسلامي» ومن مكتبة الإسكندرية وبريطانيا «المتحف البريطاني والمكتبة البريطانية» ومن سويسرا والولايات المتحدة الأميركية. غير أن القسم الأكبر جاء من المتاحف والمعاهد الفرنسية «27 مصدرا في باريس و15 مصدرا من المناطق الفرنسية». ويقول منظمو المعرض إن عرض هذه القطع كلها في مكان واحد يساعد على فهم مصر والحملة الفرنسية التي لم تكن فقط عسكرية كما يساعد على فهم «التلاقح» الثقافي في الإتجاهين والأثر الذي تركته الحملة على تاريخ مصر المعاصر.

يقول رئيس معهد العالم العربي دومينيك بوديس إن اختيار بونابرت ومصر ليس مرتبطا فقط بشخصية الجنرال الفرنسي الفذة الذي كان في التاسعة والعشرين من عمره عندما وطأت قدماه أرض مصر بل لأن «حملة مصر» تشكل مناسبة استثنائية لتلاقي الشرق والغرب، وهي تندرج في «رسالة المعهد» الذي يعمل على «الإضاءة» على التلاقي بين العالم العربي وفرنسا وأوروبا بشكل عام.

ومعرض «بونابرت ومصر» ثمرة تعاون رسمي فرنسي ـ مصري إذ أن قبول مصر إعارة العديد من القطع الرئيسية التي يخرج بعضها للمرة الأولى من المتاحف المصرية جاء بضوء أخضر من الرئيس مبارك. ومن جانب آخر، جاء المعرض ثمرة تعاون بين منطقة شمال فرنسا ـ با دوكاليه ومعهد العالم العربي. وسينتقل المعرض بعد باريس الى مدينة أراس في الشمال الفرنسي. ويعود اهتمام هذه المنطقة بالمعرض للدور الذي لعبه مارييت وهو ابن المنطقة في التعريف بتاريخ مصر ومساعدتها على المحافظة على مقتنياتها الأثرية والمتحفية. ومارييت كان أول مدير للأثار المصرية. وسبق لمعرض «ذهب الفراعنة» الذي أقامه معهد العالم العربي قبل سنوات أن انتقل الى مدينة فالنس الواقعة هي الأخرى شمال فرنسا. ويؤكد بوديس أن المعهد «حريص على إقامة شراكات مع المناطق الفرنسية» بحيث «يذهب» اليها المعهد من خلال المعارض الرئيسية والمعارض المتجولة. وما يقوله عن المناطق الفرنسية يصح ايضا على المدن الأوروبية. وأثبتت التجارب التي حصلت في هذا السياق على «الفائدة» الكبرى التي يمكن جنيها من هذه المبادرات التي تضع الثقافة والحضارة العربيتين في متناول الجميع.

يقول المفوض العلمي للمعرض جان مارسيل هومبير إن المنظمين حرصوا على إبراز «الفضاء التبادلي» بين الحملة ومصر مشددا على «تنوع أثارها» بفضل اصطحاب بونابرت للعشرات من العلماء الفرنسيين المتخصصين في علوم الرياضيات والفيزياء واللغويين والمستشرقين والعلوم الطبيعية. وبحسب هومبير فإن الأثر الذي تركه هؤلاء اهم من الأثر العسكري حيث أن الوجود الفرنسي في مصر لم يتجاوز السنوات الثلاث وانتهى بإعادة ترحيل من سلم من القوات الفرنسية على سفن بريطانية. وكان الجنرال بونابرت قد وصل الى مصر على رأس قوة من 35 ألف رجل وعلى متن 300 مركب من كافة الأنواع. ويقدر مجموع الذين انتقلوا الى مصر مع بونابرت بخمسين الف رجل فقد الكثير منهم بسبب قساوة الطبيعة والأمراض والأعمال العسكرية.

وتعد مجموعة «وصف مصر» أول محاولة علمية لنقل صورة دقيقة عن مصر بكل جوانبها الأثرية والطبيعية والعمرانية والثقافية واليومية. وهو نتاج العمل الدؤوب الذي قام به العلماء الذين اصحبهم بونابرت الذي سارع بعد احتلال القاهرة الى إيجاد المجلس العلمي المصري. ويستطيع الزائر مشاهدة العديد من لوحات «وصف مصر» التي صدرت طبعتها الأولى في باريس وامتدت الى 15 عاما. كما يعد فك رموز اللغة الفرعونية بفضل العالم الفرنسي شامبوليون أحد اهم الإنجازات العلمية بفضل حجر رشيد الذي نقشت عليه وثيقة باللغتين الفرعونية واليونانية وهو ما سهل لشامبوليون عمله. ويعتبر هومبير أن «وصف مصر» يشكل «منعطفا» بين ما سبقه ولحقه إذ أنه أول «إنجاز للفكر العلمي في القرن التاسع عشر» كما أنه بداية ولادة «علم المصريات» وبداية التعرف العلمي على الفن العربي ـ الإسلامي. ويختم هومبير بالقول إن «نابليون ومصر ليس 38 شهرا للحملة العسكرية بل كل ما سبقها وخصوصا ما تبعها طيلة سبعين عاما». ولذا فإن المعرض يهدف الى «توفير المفاتيح» التي تسمح بفهم هذه المرحلة التاريخية التي تستمر أثارها في التفاعل حتى يومنا هذا. ويضم المعرض اللوحات الرئيسية التي علقت في الأذهان عن بونابرت في مصر والتي رسمها فنانون كبار مثل لوجون وجيروم ولوحات أخرى عن الحملة العسكرية والمعارك الكبرى «معركة الأهرام، معركتي أبوقير البحرية والبرية، نابليون يطل على القاهرة ونابليون أمام أبو الهول...» وقطعا أثرية مختلفة تظهر العديد من مظاهر الحياة المصرية. وحرص المنظمون على غيلاء الجانب التربوي مكانا مميزا بحيث يتيح للشباب والطلاب والتلامذة بفضل الصور والأفلام التفاعل مع المعرض لمزيد من المتعة والفهم.