كنوز «الجميزة» المكتشفة.. هيكل وثني وحمامات ساخنة ورخام دمرها زلزال 555 م

أول اكتشاف أثري خارج وسط بيروت

كنوز الجميزة المكتشفة .. هيكل وحمامات (تصوير: جوزيف أبو رعد)
TT

لم تستطع الحياة الصاخبة المتمثلة بالمقاهي والمطاعم والملاهي وزمامير السيارات المتزاحمة في محلة «الجميزة» في الجزء الشرقي والقديم من بيروت، ان تطمس تراث هذه المنطقة الحافل بالبصمات والآثار على أنواعها، كما أن الزحف العقاري لم يستطع أن يخفي باطن المنطقة الغني بالكنوز على أنواعها.

ولعل أبرز وأحدث تلك الكنوز المكتشفة هي الحمامات الرومانية ومحترفات العاملين في مجال البرونز التابعة للهيكل الثقافي الذي اكتشف سابقاً في شارع مارون النقاش في المنطقة نفسها، وأعيد ترتيب بلاطه الرخامي وأعمدته الرخامية والغرانيتية، ومذابحه الاربعة.

لقد أظهر الاكتشاف الجديد جزءاً كبيراً من الحجرة المخصصة للحمامات الساخنة، وموزاييك بعرض 12 متراً و28 متراً يغطي أرض القاعة التي يحافظ فيها على درجة حرارة معتدلة بهدف تحضير الجسم لحمام البخار (سوداتوريوم). وداخل غرفة الحمامات (كالداريوم)، اكتشف علماء الآثار حوضاً رخامياً (لابروم) كان يستخدم للتدهن بالزيت. «أما الاقسام الباقية من الحمامات فهي ترقد تحت المطعم المركزي التابع لكنيسة مار مارون وبعض الابنية الاخرى الواقعة شرق الموقع» على حد قول مدير ومنسق الحفريات في المديرية العامة للآثار أسعد سيف. ويضيف: «ان هذه الحمامات تشكل جزءاً أساسياً من الهيكل الثقافي الذي كان يمتاز بمساحة كبيرة يمكن ان تصل الى 10 آلاف متر مربع. وينكب الاختصاصيون حالياً على دراسة طبيعة هذا الهيكل الجميل والبالغ الاهمية».

ويشير سيف الى ان هذا المجمع «بني في نهاية القرن الاول وبداية القرن الثاني بعد الميلاد، وتم استخدامه بين 200 و300 سنة. وفي الاعوام 390 ـ 400 تم القضاء على الشعائر الوثنية، فأقفل الهيكل وأهمل. ولكن العديد من القطع الأثرية كالنقود والسيراميك والزجاج وغيرها تؤكد ان الحمامات استمرت في العمل حتى نهاية العصر البيزنطي». ويعتقد مدير التنقيب ان هذه الحمامات تم تدميرها في منتصف القرن السادس خلال الزلزال الشهير الذي ضرب بيروت. «لكن هذا افتراض ينبغي التثبت منه في وقت لاحق من خلال الدراسات والتحليلات الجارية على قدم وساق».

وتقتضي الاشارة الى ان حمامات الجميزة لن يجري تفكيكها، باعتبار ان مالكي العقار، يرغبون في ضم هذه الآثار الى مشروعهم، وسينشئون حديقة لهذه الغاية. ومن ناحية أخرى، ركزت على العقار 620، الذي تعود ملكيته لصادق صواف، افران السيراميك ومحترفات العاملين في البرونز، وأجزاء من غاليري مقببة يصل امتدادها الى العقار 616. والمجال المستخدم لتصريف المياه هو في حالة تدهور متقدمة.

ويشير سيف الى ان هذا الموقع، الذي كان مسكوناً باستمرار، «تعرض للنهب في القدم، وتحول الى «مقلع» في العصر المتوسط، حيث فككت حجارته، وأعيد استعمالها لتشييد الابنية المجاورة، ولم يسلم سوى 10% منه، لكن أساساته وبلاطه الرخامي في حالة تعيسة جداً».

ومن المهم الاشارة الى ان عمليات الحفريات الجارية في ناحية شارع مارون النقاش، وفي قطعة الارض الخاصة بجوزف معوض أظهرت «الاسرة» القائمة فوق بعضها البعض الآخر والعائدة الى العصر الوسيط والروماني والهلليني. كما أظهرت الحفريات السيراميك العائد الى عصر الحديد. ولعل الاهم في الاعمال هو ازاحة النقاب الردمي عن الهيكل الروماني، وهو الاول المكتشف خارج وسط المدينة. ويتكون من أربعة مذابح، اثنان منها دونت عليهما كتابات. الاولى موجهة للثلاثي ـ جوبيتر ـ فينوس ـ ميركور. والثاني للالهة البحرية «لوكوتيا»، ابنة قدموس.