مساعدة الآخرين متعة .. وضرب من الجنون أحيانا

في عالم العاملين بالدعم الفني لدى شركات الإنترنت

مهارة وابتسامة في خدمة مستخدمي الأنترنت («الشرق الاوسط»)
TT

هي واحدة من فريق قد لا يشعر به الكثيرون في عالم الكومبيوتر والانترنت والاتصالات، تختفي ملامحها وراء صوتها.. لا يحاول الكثيرون حتى تخيل هذه الملامح، إذ كل ما يحتاجونه هو حل أزمة طارئة تعتري سيرهم «الرقمي» الحثيث في عالم بات يعتمد بشكل كبير على هذه الوسائل. فعندما تقابلك مشكلة في هاتفك أو حاسوبك الخاص سوف تمتد يدك دون أن تشعر إلى هاتف بجوارك، وستضرب أرقاما خاصة ليجيب عليك شاب، أو ربما فتاة كل رأس مالها الرقة والصبر.. ستخاطبك مثل أي جني خرج لتوه من مصباح علاء الدين لتقول لك شبيك لبيك.. أنا في خدمتك يا سيدي، ثم تعمل على حل مشكلة لم تتمكن حتى من تشخيصها، لكنك تطالبها بحل.. وعندها في الغالب يكون الحل.

«نحن نجلس هنا كي يسألونا ونحن نشرح لهم.. ورغم صعوبة العمل والضغط اليومي المتواصل خاصة في ساعات الصباح، إلا أن مساعدة الآخرين مسألة مبهجة إلى حد بعيد».

هكذا بادرت «سميرة» بالقول بعد انتهاء وردية عملها، وخروجها من مكتبها في قسم الدعم الفني وخدمة العملاء في إحدى شركات الانترنت بوسط القاهرة، أضافت وهي تبتسم «يكفي كلمة شكرا ونبرة الامتنان فيها.. يسعدني النجاح في حل مشاكل الآخرين حتى لو كانت مشاكل انترنتية لا حياتية.. لكن في النهاية الانترنت أصبح أخيرا جزءا من الحياة ومشاكلها».

سميرة التي تجاوزت الخامسة والعشرين إحدى بنات جيل التطور الرقمي الذي يملأ الدنيا اليوم صخبا وضجيجا، في محاولة كي يجعل منها مكانا أفضل للعيش. فمنذ الساعات الأولى للصباح تجلس سميرة على كرسي صغير وأمامها جهاز كومبيوتر، وحولها عدة أجهزة تليفون، بينما يحيط بالقرب منها سماعة و«مايك» صغير.. وما هي إلا برهة حتى تبدأ في تلقي سيل المكالمات.

ـ ألو..

ـ معك يا فندم..

ـ عندي مشكلة في الجهاز..

ـ أهلا وسهلا بك..أتعرف عليك؟

وتبدأ سميرة عملها عندئذ.. تتأكد أنه مشترك في خدمة شركتها قبل أي شيء، ثم تعرض عليه في إيجاز ووضوح خطوات الحل التي يحتاجها جهازه ومتعلقات الانترنت به، حتى تصل معه للحل عبر إرشادات يقوم بإتباعها المتصل.

مهنة جديدة لم تكن قبل عدة سنوات موجودة، غير أن ثورة الاتصالات أوجدت عالما جديدا من البشر والأماكن والأشياء والوظائف بالطبع، تسربت في هدوء مثلها مثل عشرات الوظائف التي طرحها نموذج العولمة في حياة الشرق في السنوات الأخيرة.

تقول سميرة: «الانترنت هبة التكنولوجيا للعالم..لقد أصبح صديق من لا صديق له، ورفيق من لا رفيق لها، حركة العالم اليوم ترتبط به.. أنظر عندما ينقطع التيار الكهربائي عن مستخدمي الانترنت.. تتوقف حياتهم ويسألون أنفسهم هذا السؤال الصعب.. ماذا يمكننا أن نصنع الآن؟».

تخرجت سميرة من كلية التجارة قسم اللغة الانجليزية قبل ثلاث سنوات، والتحقت بالشركة التي تعمل بها، وبعد فترة تدريب استغرقت شهرا أصبحت تعمل في قسم الدعم الفني أو ما يطلق عليه الـ«CALL CENTER» لمدة ثماني ساعات يوميا، تقول سميرة «كنت أتمنى أن أعمل بإحدى البنوك الأجنبية في القاهرة، فهي وظيفة مرموقة تدر دخلا ممتازا، لكنني راضية جدا بوظيفتي الحالية وأشعر أنني في المكان المناسب بشكل كبير، خاصة بعد الأزمة المالية الطاحنة التي ستؤثر على البنوك وعلى الاتصالات أيضا. لكن في النهاية لن يتوقف الناس عن استخدام الانترنت خاصة في مجتمعاتنا النامية تكنولوجيا».

أما عن صفات من يعمل في هذه المهنة فتقول سميرة أنه بالأساس يجب أن يكون واثقا من ذاته، ومستمعا جيدا، ومهذبا، وصبورا إلى أقصى حد ممكن، فضلا عن تمتعه بروح العمل الجماعي.

تحكي سميرة أنها استمرت ذات مرة في مكالمة مع أحد العملاء لمدة ساعة وخمس وأربعين دقيقة، قائلة «كانت المشكلة تتعلق بتركيب الأجهزة وبدء تشغيلها، وكان المطلوب مني شرح التفاصيل خطوة خطوة، وكانت خبرة العميل قليلة في التعامل مع هذه النوعية من الأجهزة، لكن كان الهدوء سيد الموقف، واستمررت في الشرح والتوضيح حتى انتهت المكالمة على خير.. كنت أرغب في الصراخ بعدها لكن تمالكت أعصابي، لأن هذه الصرخة كانت ربما تكلفني وظيفتي.. فالعمل في «الكول سنتر» قد يدفع المرء للجنون أحيانا..الناس تختلف قدراتها..منهم من يفهم بسرعة المطلوب عمله..ومنهم من يجد صعوبة في ذلك..أحدهم تحدثت معه لمدة نصف ساعة وهو يظهر تجاوبا مع إرشاداتي، غير انه في النهاية اعترف أنه لم يكن يستجيب لها منذ البداية وكان يكتفي فقط بقول أوكي..أوكي! «.

تشدد سميرة على كونها بشر من لحم ودم، ويتعرض لضغوط وصعوبات في العمل مثل أي مهنة أخرى تتعامل مع الآخرين مضيفة:» في أوقات كثيرة يكون ضغط العمل شديدا، أحيانا استقبل 300 مكالمة في اليوم..ونحن في النهاية بشر.. نغضب أحيانا.. ونشعر بالضيق من عدم القدرة على توصيل ما نريده للمشترك الذي يرغب في حل لمشكلته.. أحيانا يتغلب علينا الملل، لكن إنهاء المكالمة بعد حل المشكلة تعد لحظة مريحة بلا شك».

تعترف سميرة بأنها تقضي وقتها أثناء تلقي المكالمات في تخيل من يتكلمون معها من العملاء هل هو نحيف؟ هل هي سمينة؟ .. «نعم، طوال وقت المكالمة أمارس هذا النوع من التخيل وهو أمر عادي أجد فيه جانبا مضحكا لوظيفتي..لكن هذا لا يمنعني بالطبع من أداء واجبي على أفضل وجه، ولا تنس أن التفاعل مع العملاء يعتمد على الصوت فقط لا الرؤية».

تنفي سميرة فكرة الدخول في حوارات شخصية مع العملاء، إذ تمنع قواعد الشركة التحاور مع العملاء في أي شيء أخر غير محاولة إصلاح الأعطال مضيفة أن «المكالمات تكون مسجلة لضبط منظومة العمل لا أكثر، إذ لا يمكن استخدامها في أي شيء آخر».

ترى سميرة أن الفترة المسائية في العمل تكون فرصة جيدة للتعرف على فريق العمل، والاستفادة من خبرات القدامى بسبب قلة الاتصالات التي تحمل شكاوي جديدة بالأعطال التي تستقبلها.

وأخيرا تقول سميرة إن التطور الطبيعي لوظيفتها هو التحول بعد عامين على الأكثر إلى قائد لطاقم العمل أو مشرفة على الكول سنتر.. «طاقتي في العمل في «الكول سنتر» لا يمكن أن تستمر لأكثر من خمس سنوات، كما تقول إحصائيات صادرة عن منظمة العمل الدولية، بأن العمل في هذه الوظيفة لا يجب أن يتجاوز الخمس سنوات.. «ممكن أتجنن فعلا لو زادت المدة عن كده!».