«حافة الصحراء».. أصوات وألوان من السعودية في لندن

العاصمة البريطانية تستضيف أعمال 17 فنانا سعوديا في معرض يعتبر الأول من نوعه

TT

على مساحة طابقين في بروناي غاليري بكلية الدراسات الشرقية والافريقية بوسط لندن يقام معرض «حافة الصحراء» Edge of Arabia والذي يقدم أعمال 17 فنانا وفنانة سعودية في حدث يعتبر الاول من نوعه في العاصمة البريطانية. المعرض الذي افتتحة الوزير المفوض عبد الله الشغرود نائبا عن السفير السعودي في لندن الامير محمد بن نواف، قوبل باهتمام إعلامي واضح من وسائل الاعلام الاجنبية و العربية على حد سواء.

المعرض الذي يقدم تجارب واصواتا من السعودية يتنوع في معروضاته من اللوحات المرسومة الى المنحوتات الى الصور الفوتوغرافية ولا ننسى منظومة الأختين شادية ورجاء عالم التي دمجت الكلمة المكتوبة والرسومات في تمازج بديع.

يقول ستيفن ستابلتون المنسق الرئيس للمعرض ان الفكرة واتته عندما وجه مجموعة من الفنانين السعوديين الشباب دعوة له بزيارتهم في قرية المفتاح للفنون في أبها. ويضيف «في قرية المفتاح بدأت قصة معرض «حافة الصحراء». ويضيف ستابلتون في تقديمه للمعرض ان التحضيرات للمعرض على مدى خمس سنوات بالتعاون مع فريق من الفنانين منهم د.أحمد ماطر و الفنانة لولوة الحمود وبمشاركة فينيشيا بورتر من المتحف البريطاني. لجمع المواد المشاركة قام ستابلتون والفريق المشارك معه بالسفر في أنحاء السعودية وحسب تعبيره «جبنا أنحاء المملكة من الشوارع الخلفية لمدينة جدة الى جبال عسير بحثا عن أصوات فنية شابة تشارك في المعرض».

على يمين الداخل للمعرض توجد مجموعة من الصور الفوتوغرافية بالابيض والاسود للمصورة ريم الفيصل التي التقطت عدستها ملامح وشخصيات من جماعة «أمة الإسلام» الاميركية. وتقول ريم لـ«الشرق الاوسط» عند سؤالها عن مغزى تلك الصور بالنسبة لها: «هذه مجموعة من الصور التقطتها لأمة الاسلام وما لفتني لهذه المجموعة هو رغبتي في معرفة الى حد شكلت هذه الحركة الاسلامية جزءا من الثقافة الاميركية التي امتزجت فيها الخلفيات التاريخية لتجارة العبيد وموسيقى الجاز مع الحركة الاسلامية. لقد قضيت مع أعضاء الجماعة ثلاثة ايام خلال احد احتفالاتهم، كنت اريد ان أعرف كيف يعيش أعضاء هذه الجماعة وكيف يفكرون». وتشير الى صورة تمثل شابا يرتدي بزة سوداء ويرتدي كاب على رأسه وتقول ان الشاب الذي يمثل أحد أفراد «فروت اوف اسلام» وهو الجناح العسكري للحركة ويمثل النظام الصارم الذي يفرض على أعضاء الجماعة.

وبسؤالها عن مغزى اختيار صور أمة الاسلام للعرض تقول ريم ان "المصورين في أنحاء العالم لا يحددون أنفسهم بمكان معين فلماذا نحد أنفسنا بالصور المحلية فقط». وتشارك ريم في المعرض بصورة أخرى من مجموعتها حول الحج تمثل رجلا جالسا على سطح المسجد الحرام وتغيب ملامح الرجل بينما تركز العدسة على الكعبة المشرفة والحجيج حولها في إشارة ربما إلى ذوبان الفرد وكينونته في فضاء البيت الحرام. تشير ريم الى صعوبة التقاط الصورة التي اضطرت إلى الوقوف على ارتفاع عال للتمكن من التقاطها.

على بعد خطوات يقف الفنان مهدي الجريبي أمام مجموعة من أعماله حيث يقدمه ستابلتون بقوله «مهدي فنان مدهش حقا وتستطيعون رؤية مجموعتين من أعماله وضعت على جدارين متقابلين في مدخل المعرض». وبالنسبة لمهدي القادم من مكة فان ابداعه يدور حول الانسان وأثره. و يوضح قوله بالاشارة الى ثلاث لوحات خلفه قائلا «اعتمدت في عمل هذه اللوحات على قصاصات الشعر التي يتركها الحجاج في الحرم المكي بعد ان يحلوا إحرامهم، اللوحات عبارة عن نص بصري يوازيه نص شعري في محاولة لخلق فضاء ثالث غير الفن والشعر». ويشير مهدي الى خصلة شعر نسائية في تكوين اللوحة قائلا «هذه خصل من شعر زوجتي التي لديها تخوف من رمي خصل الشعر بعد قصها». ويجيب مهدي حول سؤال حول مغزى الجمع بين شعر الحجاج وشعر زوجته قائلا «لا أقصد شعيرة الحج او العمرة بأخذ شعر الحجاج وإنما الاثر الذي يتركه الحاج وراءه». ويشير مهدي الى الحائط المقابل والذي يحمل مجموعة من اسطح الطاولات الخشبية التي يستخدمها الطلاب في المدارس وتحمل اسماء وارقاما ورسومات ساذجة، يقول مهدي «الرقم الموجود على احدى الطاولات هو لانسان، انه رقم واسم وشخص بعينه وهذا أثره». وذكر مهدي انه عرض قبل لندن في باريس حيث قضى اربعة شهور في المدينة العالمية للفنون وله تجاربه في مجال المسرح ايضا. أما الفنان المتميز أحمد ماطر فيشارك في المعرض بعملين بعنوان «إضاءة» و آخر بعنوان «اشعة». ماطر يشير الى العمل الاول الذي وضع في واجهة المعرض قائلا انه استوحاه من الصفحات الاولى من الكتب القديمة و التي تزين باستخدام الموتيفات الذهبية و تشكيلات الخط العربي. يملأ ماطر الفراغات حول شخوصه بكتابات و رسومات تعبر عن هوية الشخص.

ومن أعمال المصورة السعودية منال الضويان يقدم المعرض صورا من مجموعتها «ارضيات مشتركة» وأخرى من مجموعة «الاختيار» و اخرى من مجموعة «أنا». وتقول منال ان فكرة مجموعة «أنا» ولدت لديها من مناقشات عامة حول عمل المرأة في السعودية وتأكيد البعض على أن هذا العمل يجب ان يتفق مع طبيعة المرأة وتتساءل «ما هي طبيعة المرأة وما هو العمل الذي تحدده طبيعة المرأة؟ في محاولة لاستكشاف معنى السؤال بدأت بالتقاط صور لمجموعة من السعوديات العاملات في مجالات مختلفة من مهندسة البترول الى المدرسة الى مصممة الديكو والطبيبة والكاتبة. وتشير منال الى الصورة الاخيرة «هذه الصورة هي ختام السلسلة، فبطلتها «سعودية فقط» تقول منال الصورة تحمل عنوان «أنا مواطنة سعودية» وهي تؤكد حقها في «المشاركة في كل نواحي الحياة السعودية كمواطنة».

يتردد في المعرض صوت أذان الحرم المكي فكأنما يلف المكان كله بجو من الروحانية العجيبة التي تجذب الزوار الى معرفة مصدر ذلك الصوت الساحر. بتتبع مصدر الصوت نصل لغرفة صغيرة يعرض داخلها لوحات من مكة والمدينة بعضها حديث وبعضها قديم، وتتمازج الصور يلفها صوت الأذان بإطار واحد. تقول لولوة الحمود من منسقي المعرض ومصممة الشعار ان فكرة عمل حجرة غرفة مكة والمدينة نبعت من ان المعرض في جزء منه تعليمي وموجه الى الطلبة البريطانيين وتضيف لولوة قائلة «لا يمكن لأحد أن يفهم الفن السعودي دون فهم الدين، فهو جزء مهم من الخلفية لشخصية الفنان السعودي وعلى سبيل المثال فالفنان يوسف جاها والمشارك في المعرض دائما يقدم نفسه على انه (فنان من مكة)».

لولوة تشارك في المعرض بصفتها من المنظمين فقد نجحت بعد انضمامها الى فريق العمل باقناع عدد من الفنانات السعوديات بالانضمام الى المعرض وهو ما أثرى الوجود النسائي المتميز في المعرض. ومن جهة أخرى تشارك لولوة بخمس من لوحاتها التي تحمل عناوينها خمسة من أسماء الله الحسنى «هناك الله، الباطن والظاهر والآخر ومالك الملك. لوحاتي تعبر عن إيماني العميق بالله». وكمستشارة للمعرض تقول فينيشيا بورتر انها عملت مع فنانين سعوديين في عام 2006 لمعرض «الكلمة في الفن» الذي أقامه المتحف البريطاني وعرض فيه عملين للفنانين السعوديين أحمد ماطر وفيصل سمرة. تضيف بورتر «أعترف ان معظم العبء وقع على فريق المنظمين ولكنهم قامو بعمل رائع في جمع تلك الاعمال المميزة للعرض هنا والتي يقوم بعضها على فكرة التراث السعودي ويجنح البعض الآخر الى النواحي التجريدية». وفي وسط القاعة السفلية توجد منحوتات للفنانة نهى الشريف التي تلفت أنظار الزوار بتكويناتها البديعة والموحية وتصويرها لمجموعة من النساء واقفات في وضع الصلاة وكأنهن أصابع في كف يد واحدة، ويذكر كتيب المعرض أن الشريف تأثرت في عملها بمنحوتات الفنان العالمي هنري مور.

* معرض «حافة الصحراء» Edge of Arabia يستمر في قاعة بروناي بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية حتى 13 ديسمبر القادم.