جوائز سنوية بأسماء المبدعين ومعرض بمشاركة كبار الفنانين

دار ثقافة الأطفال تكرم الرسام الرائد طالب مكي

جانب من المعرض (أ.ف.ب)
TT

افتتح في بغداد أول من أمس معرض تشكيلي لعدد من فناني رسوم الأطفال في إطار مسابقة تحمل اسم الرسام العراقي وأحد مؤسسي ثقافة الأطفال الرائد طالب مكي.

وقال الفنان عبد الرحيم ياسر، أحد أهم وأبرز رسامي الأطفال والكاريكاتير في العراق ومعاون مدير عام دار ثقافة الأطفال إن «الدار خططت وعملت على تكريم عدد من رواد ثقافة الطفل، فأنشأنا جائزة سنوية في مجال قصة الطفل باسم الكاتب الراحل محمد شمسي، وجائزة أخرى في مجال السيناريو باسم الكاتب عبد الإله الجلبي، وأخرى في مسرح الطفل باسم الكاتب عزي عبد الوهاب، وجائزة سنوية في شعر الأطفال باسم باقر سماكة»، مشيرا الى ان هذه الجوائز تمنح للكتاب والشعراء والفنانين الشباب الذين يوجهون إنجازاتهم الإبداعية للطفل المتلقي.

وأضاف ياسر قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس «إن الفنان طالب مكي واحد من ابرز الرواد في الفن التشكيلي العراقي عامة والرسم للأطفال خاصة، وهو من مؤسسي أول مجلة للأطفال في العراق، «مجلتي»، عام 1969، وشغل لسنوات طويلة منصب رئيس الرسامين في دار ثقافة الأطفال حيث تتلمذ على يديه ابرز رسامي الأطفال في العراق».

وقال ياسر «من هذا المنطلق ومنذ سنوات ونحن نفكر بتكريم هذا الفنان الرائد الذي تتلمذت على يديه عندما عينني كرسام في مجلتي عام 1971، وكنت وقتذاك طالبا في معهد الفنون الجميلة، لهذا قررنا ان ننشئ باسمه جائزة سنوية إضافة الى عرض الرسوم المشاركة في احتفالية خاصة»، مشيرا الى ان «احتفالية الأمس كانت رائعة حيث اقام رسامو الاطفال وغالبيتهم من تلامذة مكي، معرضا تكريميا له اضافة الى الرسوم المشاركة في المسابقة، كما ألقيت بعض الشهادات بحق هذا الفنان الرائد الذي كان حاضرا مبتهجا بالاحتفالية الكبيرة التي حملت اسمه».

وضم المعرض الذي ينظم في قاعة دائرة ثقافة الأطفال التابعة لوزارة الثقافة، خمسين عملا تعود لتجارب فنية من أجيال عدة، ورسوما لمكي الذي كان النحات الراحل جواد سليم يسميه «صرخة الصمت» لأنه أبكم، و«أسد بابل» لقدراته الإبداعية الكبيرة.

وتمثل الأعمال المشاركة في مسابقة المعرض أغلفة لأسبوعيتي «مجلتي» و«المزمار» اللتين تصدران منذ 1969 و1970 على التوالي، وكذلك رسوما لكتب قصصية وشعرية موجهة للأطفال فضلا عن السيناريوهات القصصية.

وقال مدير عام دائرة ثقافة الأطفال، جمال حسن، على هامش المعرض لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الفنان الرائد طالب مكي بقي منسيا لسنوات بفعل الإهمال الذي طال المبدعين، وتأخرنا كثيرا في الاحتفاء بمنجزاته».

وأضاف «اعتقد أن مثل هذه المعارض والمسابقات تشكل محاولة لتأسيس ذاكرة ثقافة الطفل في العراق».

وطالب مكي ولد في الناصرية كبرى مدن محافظة ذي قار جنوب العراق في 1936 ودخل معهد الفنون الجميلة في 1952 بقرار خاص من مجلس الوزراء لأنه لم يكن قد أكمل الخامسة عشرة من عمره.

وقد تخرج في معهد الفنون الجميلة في بغداد في 1957 وشارك للمرة الأولى في معرض محلي بعد عام من تخرجه في القسم الهندسي مطلع الستينات بعد وفاة جواد سليم الذي أعجب بقدرة الفنان الواعد وسمح بمشاركته في العديد من المعارض المحلية.

ومكي من مؤسسي جماعة «المجددين» التي انبثقت في 1965 بصحبة عامر العبيدي ونداء كاظم وسالم الدباغ... وتبرز اعماله التي زينت المئات من كتب الأطفال اهتمامه بالحكايات الشعبية والتاريخية العربية فضلا عن الرمزيات الآشورية والبابلية.

وقال الناقد التشكيلي صلاح عباس ان تجربة طالب مكي «عملاقة وثرية ونجح فيها ضمن مسيرة الفن التشكيلي بشكل عام وفي ما يتعلق بمشواره مع رسوم الأطفال خصوصا».

وأضاف ان «مكي صهر نصف قرن من عمره في بوتقة الفن، والتوقف عند تجربته وواقعها لا حدود له بعد ان أصبح واقعا خاصا لكل فناني رسوم الاطفال في العراق».

من جهته، قال الإعلامي جمال كريم ان مكي «ولد موهوبا وتنامت موهبته وتشكلت على وقع حس بصري استطاع من خلاله الانتصار على حرمانه من حاسة النطق حتى أصبح احد رواد مشروع ادب الاطفال».

واضاف كريم «علينا ان نتأمل باحترام كبير تجربة إنسان فنان إبداعي قال عنه جواد سليم انه سيخلفه قبل ان يسكت قلب هذا الأخير في 1961».

وقد تقاعد مكي عن العمل منذ اكثر من عشر سنوات ليتفرغ لمشغله قبل ان يتعرض لجلطة دماغية قبل عامين. وهو مهتم بالنحت وله منجزات يحرص على تأملها يوميا ويشارك بأكثر من معرض محلي.

ودعت مها،و ابنة مكي «الجهات الحكومية الى ابداء رعاية خاصة للفنانين الذين امضوا سنوات طويلة مع رحلة الإبداع، فليس من المعقول ان يعتمد هؤلاء على رواتب تقاعدية غير منسجمة مع متطلبات الحياة».

وأضافت مها التي تواصل دراستها العليا في أكاديمية الفنون الجميلة فرع الرسم ان والدها الذي اصيب بجلطة دماغية قبل عامين ما يزال منكبا على حياته العملية ورحلته اليومية في مشغله.

وشهدت ثقافة الأطفال في العراق عهدها الذهبي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، لكن الإهمال الذي لحق بأهم مؤسسة ثقافية أدى الى انهيارها.

ومن ابرز كتاب تلك الفترة شفيق مهدي الحداد وعبد الإله رؤوف وفاروق سلوم وفاروق يوسف والراحل جعفر صادق وعبد الرزاق المطلبي وزهير رسام وجواد الحطاب، ومن ألمع الرسامين مكي وشقيقه أديب مكي وحنان شفيق والراحل مؤيد نعمة وعبد الرحيم ياسر ونبيل يعقوب وغيرهم.