سوق القباقبية في دمشق.. ذهبت المهنة وبقي الاسم

حل محله مصنعا كراسي القش والأدوات الخشبية المنزلية

سوق القباقبية الدمشقي.. ومنتجاته وقباقيبه الشهيرة («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من أن اسمه القديم لم يتغير فما زال يعرف به ( القباقبية ) ولكن معظم محلاته غيرت مهنتها الأساسية وتغير ( كار ) أصحابها الذين ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وهي تصنيع ( القبقاب ) الدمشقي الشهير. السوق الواقع في مقابل الجامع الأموي الشهير وبشكل مساير لجداره الجنوبي يمتد من الغرب إلى الشرق من سوق القوافين بجوار سوق الصاغة القديم وحتى زقاق النوفرة المؤدي إلى حارة القيمرية. في هذا السوق المتنوع حالياً يجد الزائر الحرف والمهن اليدوية الدمشقية متجسدة في محلاته فمن أول محل فيه حتى آخر محل هناك مهنيون وحرفيون كبار وصغار وشباب يعملون في تصنيع مصوغات فضية جميلة مستوحاة من التراث الدمشقي والإكسسوارات العريقة وهناك حرفيون يعملون ورغم صغر محلات السوق بتصنيع كراسي القش الخشبية وهذه حرفة فلكلورية اشتهرت بها دمشق منذ القديم. وكان معظم أصحاب البيوت الشامية القديمة يشترون الكراسي المصنوعة من القش ليجلسوا عليها بجانب بحرة البيت أو في الليوان وحتى داخل الغرف. يقول أحمد مخللاتي الذي يعمل في هذه المهنة منذ 30 عاماً وورثها عن والده لـ«الشرق الأوسط»: في السنوات السابقة كانت منتجاتنا من كراسي القش والتي نصنعها هنا في سوق القباقبية تباع فوراً والإقبال عليها كبير حتى من أصحاب البيوت الحديثة حيث يجلسون عليها في شرفات منازلهم وحدائق بيوتهم خاصة أنها صحية للجسم. ولكن الحال تغير مع انتشار كراسي البلاستيك في السنوات العشر الأخيرة وبسبب رخص أسعار الأخيرة وتعدد ألوانها تغير الكثير من الدمشقيين ولم يعودوا يشترون كراسي القش وتحولوا للبلاستيك مع أنها ليست صحية وتؤذي جسم الإنسان ولكن هذه قناعات الناس بالإعجاب بكل شيء جديد. يقول مخللاتي بحرقة وتأوه: ومع هذا الحال الذي وصلنا إليه اضطررنا إلى التحول لتصنيع كراسي قش صغيرة جداً ( ألعاب أطفال وللزينة ) إضافة إلى أشكال خشبية تراثية تستهوي السياح بشكل خاص حيث يعتبرونها أعمالاً فنية فلكلورية فيشترونها وكذلك الأطفال وهناك البعض يشتريها للزينة أو العرض في صالونات المنازل وواجهات العرض البلورية. في السوق أيضاً الكثير من المهن التراثية البسيطة والمرغوبة بشكل خاص من السياح وخاصة الأوروبيين منهم والذين يشاهدون بكثرة في سوق القباقبية كونه الممر الرئيسي لهم من سوق الحميدية إلى مقهى النوفرة وإلى حارة القيمرية وباب توما حيث تنتشر هناك المطاعم والفنادق والكافيتريات بدمشق القديمة. ففي القباقبية يشاهد المتجول فيه شباب يعرضون أعمالاً فنية جميلة ومنها زجاجات الرمل والرسم داخلها والكتابة ضمنها بشكل فني جميل وكذلك هناك الكتابة على حبة الأرز حيث ينتشر عدد من الشباب الذين يعرضون خدماتهم على الزوار السياح بكتابة أسمائهم وأسماء من يحبون على حبة الأرز بشكل مجهري وهذه مهنة نادرة انطلقت قبل ستين عاماً من دمشق على يد أحد الأشخاص ويدعى نسيب مكارم الذي مازالت كتابته على حبة القمح وعليها 63 كلمة محفوظة ومعروضة في متحف التقاليد الشعبية بقصر العظم في دمشق. وسوق القباقبية الذي رممت واجهاته قبل حوالي خمس سنوات بشكل جميل حرص المرممون على إعطائها شكلها التراثي الجميل من حيث الأبواب الخشبية الخارجية للدكاكين أو من حيث المظلات الخشبية، هذا السوق وبحسب المؤرخين يعود للعصر المملوكي ووصفوه بأن أصحاب دكاكينه يعملون القباقيب والصناديق والصواني الجميلة المطعمة بالصدف وهذه السوق تمتاز عن غيرها بكون سقفها معقودا ( بالحجارة ). وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي تمت إزالة النسق الشمالي من المحال الملاصقة لجدار الجامع الأموي وقاية له من الحريق من جهة ولكشف هذا الجدار الهام أثرياً من جهة أخرى، ففقد السوق تخصصه وأصبح في الوقت الحاضر مزيجاً من بقايا ( خراطين الخشب ) التي تصنع منها الأدوات المنزلية والمطبخية إلى جانب محلات الصياغ الذين يشغلون نصف السوق. ومن الأدوات المنزلية الخشبية التي يصنعونها بشكلها الفلكلوري الملاعق وقوالب تحضير الحلويات المنزلية ومدّقات اللحمة والكبة ومروج تحضير كعك العيد ورق العجين وبسطة وهي من الأدوات التي تحتاجها ربات البيوت خاصة في الحارات القديمة والشعبية.

أما القبقاب الذي غاب تقريباً عن السوق بشكله التراثي الشهير والذي كان للممثل الكوميدي دريد لحام دور كبير في إشهاره من خلال انتعاله له في مسلسلاته وهو يقدم شخصية غوار الطوشة في صح النوم وحمام الهنا وغيرهما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فإن زبائنه اليوم أصحاب حمامات السوق كونه ضروريا لينتعلونه زبائنهم في الحمام أو لمنتجي المسلسلات التلفزيونية التراثية المنتمية للبيئة الشامية أو من بعض النساء اللواتي يحرصن على انتعاله في منازلهن للمحافظة على تراث الأمهات والجدات. وحول طريقة تصنيع القبقاب وأشكاله تحدث الحرفي ياسين القهوجي الذي يعمل في هذه المهنة منذ أربعين عاماً وورثها عن والده: نقوم أولاً بتقطيع الخشب على شكل أسافين ثم نقوم برسم طيعة القدم حسب المقاس المطلوب وبعدها نقوم بإزالة الزوائد الخارجية ونقصها من الجانبين وهذه العملية نسميها التفكيك وبعده تتم عملية اللف وهي إزالة الزوائد الأمامية والخلفية من جهتي الأصابع وكعب القدم بعدها تأتي عملية التقديد وهي تشكيل كعب القبقاب ومن ثم مرحلة التنعيم أي حف القبقاب ليتم طلاؤه أخيراً وتركيب الجلد على القبقاب.

ويؤكد ياسين ـ أبومروان ـ أن القباب رغم أنه يصدر أصواتاً قوية أثناء المشي ـ وهذا ما يميزه عن الأحذية الأخرى ـ إلاّ أنه صحي للقدمين حيث لا يتأثر بالحرارة والرطوبة ولا يسبب تشققات جلدية في القدمين. وللقباب أنواع عديدة ومنها: المهاجرون وهو أشهرها والشبراوي وهو مرتفع عن الأرض بواسطة قدمين إضافيين ومخصص للنساء حيث يطعم بالصدف ويطرز سيره بخيوط القصب أو الفضة أو الذهب وقد جاءت تسميته نسبة إلى ارتفاعه عن سطح الأرض بحدود الشبر، وهناك قبقاب نصف الكرسي وقبقاب الحمّام ويسمى قبقاب كندرة برجلتين ويستخدم في الحمامات ويتميز بارتفاعه عن سطح الأرض أكثر من النوع الاعتيادي بحيث يحمي منتعله من خطر التزحلق في أرض الحمام التي تكون سابحة في بحر من الماء والصابون.