قلعة حلب التاريخية أضخم قلاع العالم.. تتجمّل

تشاهد من خلالها المدينة العريقة بمنظر بانورامي جميل

قلعة حلب ومحيطها («الشرق الاوسط»)
TT

من يزور مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري والمدينة الاقتصادية الأولى في البلاد، لا بدّ وأن تسحره تلك الكتلة المعمارية التاريخية الضخمة القائمة وسط المدينة، على تلة يزيد ارتفاعها عن 50 متراً، تقدم لمن يصعد إليها أجمل منظر بانورامي لإحدى أقدم مدن العالم وأعرقها. إنها قلعة حلب، أضخم وأكمل قلعة تاريخية في العالم، التي بنيت في عصور متعاقبة بدأت قبل آلاف السنين وما زالت تضم أقساماً ومنشآت مكتملة معمارياً، أهمها «قاعة العرش» المهيبة، والحمام والجامع الصغير، المسمى جامع ابراهيم، والجامع الكبير الذي ترتفع مئذنته المربعة الشكل فوق القلعة 21 متراً. قلعة حلب، التي صارت شعار حلب كما هو حال برج إيفل في باريس، والكرملين في موسكو، تخضع منذ سبع سنوات لأعمال ترميم واسعة تطال القلعة من الداخل، إضافة إلى محيطها. وذلك من قبل خبراء شبكة الآغا خان العالمية للثقافة، وبموجب اتفاقية وقعتها الحكومة السورية مع الشبكة عام 2001. إذ يعمل الخبراء العالميون بالتعاون مع مهندسين وفنيين من «لجنة إحياء المدينة القديمة» في حلب ومديرية الآثار السورية، وبهدوء، على أعمال ترميم وإصلاح وتطوير في القلعة ومحيطها. وساعدت هذه الأعمال خلال السنوات الست الماضية على الوصول إلى إنجازات عديدة يلاحظها المتابع، منها ترميم أسوار القلعة من الداخل من الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية، إضافة إلى الممرات السرية وسطوح الحمامات في القصر الملكي «قاعات العرش» وإزالة الأنقاض والأتربة من الخندق المحيط بالقلعة، الذي يزيد قطره عن 500 متر وعرضه 26 متراً، وهو خندق ضخم حفر لحماية مباني القلعة. جرى تثبيت وترميم بلاطات سطوح القلعة وترميم أسوارها الغربية. وحول تقنيات الترميم اعتمدت عمليات حقن للمونة الكلسية (الخلطة) لتدعيم الأسوار والتثبيت والتحشية والكحلة، مع استخدام أرقى التقنيات الحديثة لضمان المحافظة على الأثر، كما هو من دون تغيير في معالمه أو صفاته. كذلك يعمل خبراء شبكة الآغا خان بالتعاون مع مديرية مدينة حلب القديمة على حماية البيئة التاريخية والعمرانية لمنطقة القلعة، وتوظيف الأبنية التي تطوّر الفعاليات السياحية والثقافية، كصالات معارض ومراكز للزوّار، وتزويد القلعة بالمرافق الخدمية وتحسين الممرات وتزويدها بلوحات تعريف وإرشاد. وكان قد تم الاتفاق بين بلدية حلب وشبكة الآغا خان قبل سنتين على تنفيذ خطة عمل لإعادة تأهيل محيط القلعة عبر خمس مراحل، تمتد من العام القادم 2009 وتشمل خفض حركة مرور السيارات الهائلة أمام القلعة، مما يؤثر سلبياً على نسيجها المعماري التاريخي، وكذلك تخصيص مناطق خاصة بالمشاة، بجانب إعادة توظيف الأبنية الأثرية المهمة وتحسين واجهات الأبنية الأخرى ضمن محيط القلعة وترميم الأجزاء الملاصقة لمدخلها. ويؤكد المسؤولون في محافظة حلب أن مشروع التطوير «يعتبر مشروعاً نوعياً على مستوى منطقة الشرق الأوسط». والخطة الجاري تنفيذها حالياً دخلت مرحلتها الثانية والمقرر اكتمالها في مارس (آذار) المقبل لتنطلق بعدها المرحلة الثالثة التي ستتركز في مدخل القلعة بشكل أساسي ولينتهي المشروع كاملاً أواخر عام 2009، وإذ ذاك سيجد زائر قلعة حلب نفسه أمام مشهد جديد مختلف عما كان عليه الحال قبل بضع سنوات، وستكون القلعة ومحيطها منطقة سياحية رائعة تحاكي أهم مناطق السياحة التاريخية في العالم. وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في القلعة، علمنا من المسؤولين أنه ستنطلق خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أعمال إنارة كاملة للقلعة بشكل تزييني جميل وبكلفة تصل إلى حوالي 20 مليون ليرة سورية (450 ألف دولار أميركي) ستنفذها شركة إنارة وطنية، وقد وصلت بالفعل معدات الإنارة وتجهيزاتها بعد التعاقد عليها مع إحدى الشركات العالمية. بالنسبة لعمارة القلعة، يمكن القول إنها حقاً مدينة داخل مدينة. فبعد المدخل الرئيسي المفضي إلى سلّم حجري ينتصب برج متقدم تعلوه سقاطات لرمي الزيوت والسوائل النارية الحارة، ثم يمضي الزائر إلى بابين داخل البرج، أولهما أيوبي والثاني مملوكي، ويأتي خلف الباب الثاني جسر خشبي متحرك. وثمة جسر حجري طويل يقوم على ثماني قناطر، أما واجهة الباب فمزينة بالخطوط العربية. وعن الباب الثالث المسمى «باب الحيات» فيؤكد خبير في الآثار والتاريخ أن جميع المصادر التاريخية أجمعت على أنه لم يتمكن أحد من اقتحام هذا الباب بالقوة ففيه من فنون الدفاعات العسكرية ما يذهل البشر! وبعده يأتي الباب الرابع الذي يعلوه شعار الدولة الأيوبية ـ أسدان تتوسطهما زنبقة، ثم الباب الخامس والأخير ومنه يتمكن الزائر من بلوغ منشآت القلعة التي تشكل بحق مدينة كبيرة كانت تعيش فيها 360 أسرة من العهدين الأيوبي والمملوكي.

المنشآت تضم خزاناً كبيراً للمياه يعود إلى العهد البيزنطي، والجامعين الصغير والكبير، ولقد بنى الأول نور الدين زنكي، أما الثاني فبناه غازي بن صلاح الدين الأيوبي. وهناك أيضاً الشارع الرئيسي وهو سوق كبير يصل بعده الزائر إلى قمة القلعة، ثم القعر الذي بني أواخر العهد الأيوبي 1230، والمتميز بفنونه المعمارية الفريدة بدءاً من النقوش على بابه وما يعج به من الزخرفة والمقرنصات والأرابيسك والأحجار البيضاء والصفراء والسوداء بشكل متناوب، وداخل القعر هناك الحمام الأيوبي، ثم أجمل وأروع أبنية القلعة ألا وهو «قاعة العرش» المهيبة، حيث يشمخ الفن المعماري بأرقى وأبهى صوره، ثم قاعة الدفاع المخصصة لحماية مدخل القاعة الملكية. للقلعة أبواب مكشوفة وأخرى سرية، ومعظم أقسامها المميزة تنسب إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، الذي تولاها عام 1190 وحفر الخندق الكبير حولها وشيد فيها القصور والجامع وكانت زوجته «ضيفة خاتون» تعيش في أحد هذه القصور. ويؤكد المؤرخون أن القلعة بوضعها الأخير شيّدت على أنقاض قلاع سابقة، إذ تعاقب عليها الحثيون والآراميون والسلوقيون والرومان والبيزنطيون، وكان هولاكو قد هدم قسماً كبيراً من القلعة عام 1260، ثم رممها الملك المملوكي قلاوون، وعام 1400 هدمها تيمورلنك مرة ثانية قبل أن يحررها المماليك ويرمموها من جديد. وعام 1516 استولى عليها العثمانيون وتحولت إلى ثكنة عسكرية ومكان سكن للجنود. وفي العصر الحديث شهدت القلعة أول أعمال ترميم عام 1950 وما زالت مستمرة حتى اليوم.