اللبناني جورج بيطار احترف صناعة العود بخشب الجوز والورد

حرفة تكاد تنقرض تسلمها من جده

جورج بيطار
TT

حافظ اللبناني جورج بيطار على حرفة تكاد تنقرض، كان قد تسلمها أمانة من جدة. حرفة جورج هي الصناعة اليدوية للعود بكل أجزائه وتفاصيله وقياساته وعذوبة ألحانه. وهو واحد من اثنين حفظا هذه الحرفة، وينتميان الى بلدة رأس بعلبك في البقاع اللبناني. وربما هما الوحيدان في لبنان اللذان ما زالا يحملان هم هذه الآلة المهددة بفقدان أصالتها على رغم ارتباطها بعباقرة موسيقيين ورواد غناء أمثال محمد عبد الوهاب ومنير بشير وأم كلثوم وفريد الاطرش وسواهم من سلسلة تطول وتطول. صناعة العود أرغمت بيطار على مغادرة بلدته نحو محترفه في ضاحية الزلقا (شمال شرقي بيروت) لإنجاز الطلبات المقدمة اليه من لبنان وخارج لبنان، ولتعويض ما باعه من التشكيلة التي لم تكن تفارق المحترف.

يقول بيطار لـ«الشرق الاوسط»: «لقد عمل جدّي نقولا في هذه الحرفة 60 سنة ولازمته حتى تجاوز العقد التاسع من عمره. ومن حسن طالعي انه اختارني وريثاً وأودعني أسرارها، فآليت على نفسي أن أكون وفياً للجد وحريصاً على الامانة، وها أنذا أمارس الحرفة منذ خروجي من سلك الجيش». وتحتاج صناعة العود الواحد أسبوعاً كاملاً، بلا انقطاع، لأن الانقطاع عن عملية التصنيع في هذه الصناعة قد يتسبب ببعض الخلل في هذه الآلة الحسّاسة. ويعتبر بيطار «أن العازف له الفضل في بناء اللحن وإخراجه معزوفة متكاملة أو مترافقة مع غناء، لكن صانع العود لا يستهان بدوره في تقديم عود كامل الصفات ودقيق التفاصيل، قوساً ووجهاً وزنداً ومفاتيح وأوتاراً». ولكي يعرّفنا بيطار الى «عدة الشغل» يشير الى أن الخشب هو المادة الأولية الاولى، وهو يستخدم في أعواده خشب الجوز والآبنوس والورد والشوح و«البالساندر». ويضيف: «لا شك في أن خشب الآبنوس والورد هما الأغلى، وفي كل الأحوال تتوافر في لبنان كل انواع الخشب التي تحتاجها الحرفة، علماً بأن نوع الخشب يلعب دوراً أساسياً في العود الناجح. ودائماً نستخدم لوجه العود خشب الشوح الذي يرنّ وينفذ عبره الصوت. أما المفاتيح الإثنا عشر فنصنعها من خشب الزان». ويضيف: «وأما الأوتار فهي أميركية أو ألمانية الصنع، والمصدر الثاني أفضل. وهي نوعان: نوع من البلاستيك والكريستال، والثاني معدن مع فضة. وفي القديم كانت الأوتار تعد من أمعاء الحيوانات، وبعضها لا يزال يستخدم حتى اليوم ويستعمل خصوصاً في آلة القانون».

بيطار يؤكد أنه لا يدخل الآلة الكهربائية على صناعة العود، بل يعتمد الصناعة اليدوية دون غيرها، بدءاً من الغراء الذي يذوب على النار لإلصاق خشيبات البطن بعضها بالبعض الآخر، وهو يلعب دوراً أيضاً في رقة الصوت ودقته. أما الدهان أو «الليسترو» فيدهن بواسطة الفرك بالقطن يدوياً. وكلما كبر بطن العود طال الزند ذو المقاسات الثلاثة. ومن المفترض ألا يزيد وزن الآلة الواحدة عن كيلوغرام واحد، لأن العود ـ كما يقول جورج ـ «كلما رقّ كانت الرنة أفضل وأعذب». ويلفت بيطار الى ان أعواده هي في حوزة كبار الفنانين أمثال وديع الصافي وجورج وسوف وأساتذة المعهد الوطني اللبناني للموسيقى (كونسرفاتوار)، فضلاً عن محال الآلات الموسيقية، وهو يؤكد أن العود الكهربائي لا يمكن أن ينافس العود اليدوي من حيث النوعية، وكذلك هي الحال بالنسبة الى الأعواد المستوردة من الخارج، ولا سيما من مصر وسورية، ولكن الواحد منها يباع في لبنان بـ40 دولاراً، ولذا، فإن هذه المهنة لم تعد تطعم خبزاً في الوقت الراهن، وأخشى أن تؤول الى زوال».

وعن تاريخ العود، يقول بيطار: «تعدّدت الابحاث والدراسات، فمن قائل بالأصل الفارسي للآلة، الى قائل بالأصل العراقي الأكدي، وهو الأرجح، وإن كانت بعض الروايات تشير الى ان مخترع العود هو «لامك» من أبناء الجيل السادس بعد آدم، كما جاء ان يوبال ـ وهو من سلالة آدم وعاش قبل الطوفان بنحو 4 آلاف سنة ـ كان أول من وضع آلة العود وعزف عليها بمهارة. وعند العرب عرف العود في العصر الجاهلي تحت اسم «البربط» الرباعي الاوتار، وكان النضر بن الحارث بن كَلَدة أول ضارب على العود في الجاهلية. وفي العصر العباسي، اشتهر اسحاق الموصلي وابراهيم المهدي وزرياب. ومع انتقال العرب الى الأندلس انتقل العود معهم، فصار له دور أساسي في مرافقة الموشحات الاندلسية بعدما أضيف اليه الوتر الخامس. ومن الأندلس انتقل الى اوروبا حيث زيدت أوتاره الى احد عشر (يعرف باسم «اللوت») وبقي حتى القرن الثامن عشر ليحتل البيانو محله.