بائعات الشاي في شوارع الخرطوم.. ضرورة اقتصادية وسياحة

يلجأ اليهن المارة للراحة والثرثرة والتعارف

بائعة شاي تفترش الطريق في انتظار الزبائن («الشرق الاوسط»)
TT

لعل أول شيء يلفت الزائر الى العاصمة السودانية الخرطوم هو وجود نساء وفتيات على جانبي الطرقات، يجلسن لبيع الشاي والمشروبات الساخنة، أشبه بـ«كوفيه شوب» صغير كما وصفه أحد الأجانب، ولكنهن هنا يعرفن باسم «ستات الشاي»! وظاهرة ست الشاي بدأت منذ عقدين من الزمان، وكن نساء معدودات دفعتهن الحاجة لهذا العمل، إلا أنه وبنهاية التسعينات زادت أعدادهن لتصل الى أكثر من 200 ألف، حسب آخر إحصائية، حيث تسببت الظروف الاقتصادية والحرب الأهلية فى جعل الكثير من النساء يبحثن عن موارد رزق إضافية لإعالة أسرهن بعد أن فقدن المعيل، ووجدن أن بيع الشاي والقهوة هو عمل مناسب لتوفر المواد ورخص سعرها، كما لا يتطلب العمل حركة أو جهدا كبيرين.

أمام بائعة الشاي توجد مقاعد منخفضة صغيرة تعرف بالبنابر مفردها «بنبر» وبعضهن وضعن كراسي بلاستيكية كبيرة الحجم، إضافة الى دولاب وموقد صغير ومعدات لتحضير المشروبات بمختلف أنواعها والأكواب ووعاء كبير به ماء لغسلها، كما تضع بائعة الشاي أمامها برطمانات مليئة بمواد الشاي، البن، الزنجبيل، الكركديه، الحلبة، اللبن المجفف، ويضعن أوراق النعناع الخضراء الطازجة وكأنها باقة أو مزهرية موضوعة أمام طاولتها الصغيرة، وبعضهن يجدن صناعة القهوة بصورة متميزة بأن يضيفوا لها مكسبات طعم «دوا» خاصة كالزنجبيل والقرفة مما يساعدهن على كسب زبائن دائمين هذا غير الزبائن الثابتين من أصحاب المحلات أو الموظفين بالشركات المجاورة لمجلس كل واحدة منهن، وعادة ما تحصل نصيبها من كل واحد منهم عند بداية الشهر. أما المارة فيمثلون النسبة الأكبر من الزبائن حيث يجلسون ليرتاحوا قليلا من تعب الطريق ويأخذون فى الثرثرة والتعارف ونقاشات تمتد الى الكرة والسياسة والطقس، وحينها تطول الجلسة لساعات وتنتظرهن بائعة الشاي بصبر جميل وسعة صدر، مع ملاحظة أن جلّ الزبائن من الرجال حيث تستحي النساء والفتيات من الجلوس على جانب الطريق لشرب الشاي أو القهوة.

يقول خالد مصطفى ويعمل مندوب مبيعات لإحدى الشركات، إنه يكاد يكون زبونا دائما لبائعات الشاي، حيث فى نهار اليوم يحتاج الشخص لبعض الراحة، فيجلس لتناول القهوة تحت أي شجرة على الطريق، بعيدا عن جو المكاتب الروتيني الخانق.

تقوم بائعات الشاي أحيانا بصناعة الزلابيا، خصوصا في فترات الصباح الباكر، حيث يكثر العمال والموظفون الذاهبون الى أعمالهم فيجلسون بضع دقائق يتناولون الشاي مع بعض اللقيمات ويذهبون الى وجهاتهم. وتقول إحداهن إن أرباحها يوميا تصل الى 30 دولارا، حيث أن كوب القهوة بخمسين سنتا والشاي 35 سنتا وتتفاوت الأرباح حسب الشارع الذى تعمل به ومدى إزدحامه وحركته بطبيعة الحال، وتختفي ستات الشاي من الطرقات يوم الجمعة، وأيضا في نهار شهر رمضان، حيث يبدأن العمل بعد المغرب.

على كل واحدة قبل أن تتخذ بيع الشاي عملا لها أن تأخذ تصريحا رسميا من إدارة المحليات وقد كانت هناك محاولات سابقة من السلطات لمنع هذه الظاهرة، باعتبارها تشويها لوجه العاصمة الخرطوم، التي بدت تلبس وجه عاصمة عصرية متحضرة، إلا أن الكتّاب والصحافيين ومنظمات دعم المرأة هاجمت تلك القرارات الحكومية، قائلين إن ما دفع أولئك النسوة للعمل هو العوز قبل أي شيء وإطعام أفواه أسرهم أهم من شكل العاصمة الحضاري الذى يهم الحكومة بالمقام الأول، كما أنهن يدفعن ما عليهن من ضريبة وهو مورد لا بأس به لخزينة الدولة، فتم سحب تلك القرارات، وقامت السلطات بصنع معدات على شكل دولايب حديدية صغيرة مراعاة للمظهر العام، إلا أن شكلها لم يكن جميلا وفضلت السيدات والجمهور المعدات التقليدية الصغيرة.

الأجانب يرون أن هذا شيئا طريفا مميزا للعاصمة السودانية، وكثيرا ما تجد السياح الغربيين يجلسون على تلك المقاعد الصغيرة المنخفضة المسماة «البنابر» يحتسون القهوة ويتأملون حركة السير أمامهم. إذا ما قدمت الى الخرطوم بالتأكيد سيدفعك الفضول ورائحة القهوة الحادة والمنعشة لأن تجلس على جانب الطريق وتطلب كوبا، ولكن حذار، بعد أن تطلب كوبك لا تنسى أن تذكر بائعة الشاي بكمية السكر التي تود وضعها في الشاي، فالملعقة عندها هي عبارة عن «كمشة» صغيرة بما تساوي ثلاث ملاعق صغيرة وستضع لك بائعة الشاي اثنتين منها حسب الذوق السوداني أي حوالى ست ملاعق صغيرة أي ما يملأ نصف الكوب سكرا، فالسودانيون يعشقون المشروبات المحلاة بالسكر بدرجة كبيرة، ساخنة كانت أم باردة.