ذاكرة الفنان شداد عبد القهار «الراكدة» في معرض شخصي

يعرض تجاربه الجديدة ويقول: أنا أعمل في مختبر

الفنان العراقي شداد عبد القهار أمام لوحاته يلوح للصحافيين أثناء افتتاح معرضه (ا ف ب)
TT

على صالة اكد، وسط بغداد، للفنون التشكيلية يعرض الفنان التشكيلي العراقي حاليا اعماله التي تتجاوز الثلاثين عملا تعكس تجربته الاخيرة في مجال الموازنة بين اللون وظلاله ومساحة اللوحة ذاتها وضمن معرضه الذي اطلق عليه تسمية «ذاكرة راكدة».

العنوان قد يصلح لمجموعة قصصية او ديوان شهري، لكن هذه الاعمال وكما يعبر عنها عبد القهار «هي انعكاس لحياتنا التي تكاد تخلو من احداث حتى لكأن الذاكرة قد تحنطت او ركدت تماما».

شداد عبد القهار ينتمي إلى جيل الثمانينات من التشكيليين، هذا الجيل الذي يعد الاكثر تعرضا للظلم من حيث الاطلاع على التجارب الفنية العالمية او السفر او حتى التعبير بحرية عن افكاره، خاصة عندما بدأ بعرض انجازاته الابداعية. فقد فاجأ جيل الثمانينات من التشكيليين جمهور المتلقين وسط سنوات الحرب العراقية الايرانية، وكان غالبية ابناء هذا الجيل، وعبد القهار بضمنهم، جنودا في الجيش العراقي، رغما عنهم، وكان يتحتم عليهم ان ينجزوا اعمالهم الابداعية وسط مخاوف ان تؤول افكارهم سياسيا فيتعرضون للعقاب، كما كان يتحتم على بعضهم انجاز اعمال فنية تتعارض مع قناعاته مثل رسم بورتريهات للرئيس العراقي السابق صدام حسين او تجسيد انتصارات الجيش العراقي في ساحات المعارك.

لكن عبد القهار، ومنذ ظهوره، بشر بموهبة متميزة، جرب اولا البورتريت حتى غدا افضل رسام عراقي ينجز هذا النوع من الفنون، وكدنا ان نصدق بان لا انجازات لهذا الرسام سوى البورتريت، الا انه عبر عن عمق انجازه من خلال معارض شخصية او مشاركاته في معارض جماعية ليرينا الموهبة التي تختفي وراء البورتريت.

يقول عبد القهار لـ«الشرق الأوسط»، عن تجربته الأخيرة «انا لا أؤمن بان تكون للرسام اسلوبيته الخاصة ففي هذا تحنيطا لموهبته ولتجاربه، انا اشتغل مع اللوحة في مرسمي تماما مثلما يعمل الكيميائي في مختبره، انا ببساطة اجرب، ودائم التجريب لاصل الى نتائج ابداعية تعبر عن قيمة العصر وعما نشعر به، فاللوحة بالتالي هي انعكاس حضاري لما يجري في الراهن وقراءة مستقبلية».

وفي ظل مثل الظروف الصعبة التي يعيشها العراقيون، تستمر الحياة الثقافية في انتاج انجازات ابداعية مثل الرسم والنحت، وتقام المعارض التشكيلية في الصالات الخاصة بعيدا عن احتضان الحكومة ووزارة الثقافة بالذات لهذه المعارض. يقول عبد القهار «لقد عشنا ظروفا اكثر صعوبة مما نحن عليه الان، في الثمانينات ومع بداية ظهورنا لم يكن السفر مسموحا لنا ولم نطلع على تجارب الاخرين في الفن العالمي لكننا اسسنا تجاربنا وتجاوزنا العقبات حتى نستمر».

في بغداد اليوم العديد من صالات العرض التشكيلي الشخصية، في السابق كانت الصالات التابعة للدولة وحدها القادرة على استضافة معارض الفنانين، وفي ظل انحسار دور هذه القاعات نشط الفنانون انفسهم في تأسيس صالاتهم حتى يستمروا في عرض نتاجاتهم ونتاجات زملائهم، كما ان السمعة الجيدة التي يحظى بها الفن التشكيلي العراقي وانتشاره عالميا جعل المحترفين من جامعي الاعمال الفنية ينتبهون الى انجازات اسماء بعينها، ونشطت تجارة الاعمال التشكيلية العراقية خاصة في اسواق بغداد وعمان ودمشق والقاهرة ودبي. لكن الفنان التشكيلي العراقي لم يطرح نتاجه كسلعة يمكن المتاجرة بها بالرغم من الظروف التي عاشها والتي يعيشها حاليا، المهم بالنسبة للتشكيلي العراقي هو ايصال تجربته الى جمهوره».

«ذاكرة راكدة» هو المعرض الشخصي السادس لعبد القهار والاول على صعيد التجريد بعد ان اهتم طوال سنوات عديدة بالمرأة والتفاصيل الحياتية في اعماله سواء في الرسم او النحت.

يقول الفنان عبد القهار «سانقل لوحات هذا المعرض الى لاروشيل الفرنسية في فبراير (شباط) المقبل بعد ان عرضتها في قاعة منظمة للامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» في باريس العام الماضي».

ويستمر المعرض الذي بدأ السبت الماضي بضعة أسابيع. وتتميز اللوحات بالوان باهرة قوية تعكس تجربة جديدة للفنان الذي يستعين بألوان افتقدتها لوحاته السابقة كالأصفر الذهبي والبرتقالي والبنفسجي وما تحمله من أشكال وتراكيب غائرة في تفاصيلها.

ولا تخلو اللوحات الثلاثون من رموز انثوية واضحة وان اختلفت طريقة اظهارها بعد ان كانت اعماله السابقة طافحة بالمرأة. وعبد القهار المولود في بغداد عام 1960 شارك في معارض عالمية في ايطاليا وهولندا والسويد وباريس. وقد شارك شداد في معارض محلية ومسابقات داخلية الى جانب فنانين عراقيين مرموقين حصد في إحداها جائزة الرسم للعام 1992 وجائزة النحت في العام الذي تلاه.