جولة ذكريات لـ «الشرق الأوسط» مع أقدم حلاقي دمشق

زبائن «أبو سمير» من كبار رجال السياسة إلى أشهر أهل الفن

السحار يصفف شعر نور الشريف في صالونه بدمشق («الشرق الاوسط»)
TT

في منتصف سوق الصالحية الدمشقي الشهير، يقع صالون حلاقة أبو سمير ـ محمد السحار ـ الأمر إلى هنا طبيعي، وعلى الرغم من أن الصالون يشغل طابقاً علوياً في المبنى وليس محلاً أرضياً، ولكن الاستثناء هنا أنه إذا ما سألت الجوار عن صالون السحار فسيجاوبونك فوراً هل تقصد: «حلاق المشاهير والفنانين والسياسيين وصديقهم؟!» وإذا ما ارتقيت درج البناء ووصلت إلى الطابق الأول لن تجد صعوبة مطلقاً في معرفة أي مكتب يشغل السحار، وإذا ما دخلت الصالون ستشعر مباشرة أنك مع حلاق استثنائي من خلال عشرات الصور، التي تزين جدران الصالون ومعظمها بالأبيض والأسود للسحار مع عبد الحليم حافظ وفريد شوقي ومحمد عبد الوهاب ونور الشريف، والعديد من المشاهير، وستعرف بالفطرة أنك مع أقدم حلاقي دمشق الذي يعمل في هذه المهنة منذ 55 عاماً (بدأ عام 1954) وما زال يعمل بها، ولكن بشكل محدود حيث ورثها لأولاده سمير وطارق وهمام، الذين يعملون معه في صالون الصالحية. ويؤكد أبوسمير متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» أن أول من شجعه على احتراف الحلاقة، كان العقيد عدنان المالكي في أواسط خمسينيات القرن الماضي، وشجعه على العمل في صالون الحلاقة التابع لنادي ضباط دمشق، حيث يقع صالون أبوسمير مقابل النادي، وكان يقول المالكي عن أبوسمير «أنت أحسن من الصوت والضوء والبرنامج الموسيقي» وظل أبوسمير يصفف شعر المالكي حتى استشهاده في الخمسينيات، ويتابع أبوسمير متذكراً علاقاته مع المشاهير قائلاً إن كتاباً يعده حالياً وبتكليف من قناة الجزيرة الوثائقية عن حياته وعلاقته مع المشاهير سيصدر قريباً، يقول أبو سمير: من الزعماء السياسيين الذين كانوا من زبائني وصرنا أصدقاء الأستاذ نبيه بري، عندما كان مقيماً في دمشق حلقت له شعره لمدة ثلاث سنوات، كان كل 15 يوما يحلق مرة، وكنت أحلق شعر أولاده أيضاً، حيث أذهب لمنزله ومعرفتي بأسرته جيدة. حلقت أيضاً منذ أكثر من خمسين سنة، وكان عمري آنذاك حوالي 20 سنة للملك الراحل فيصل، عندما كان وزيراً للخارجية السعودية، في نادي ضباط دمشق، حيث كان في زيارة لدمشق، ومدعوا للنادي من قبل الرئيس السوري آنذاك أديب الشيشكلي على الغداء، وأنا كنت مستثمراً لصالون الحلاقة داخل النادي، فشاهدني الملك فيصل، وطلب مني حلاقة ذقنه، وسعد كثيراً مني ومن حلاقتي، وكرمني حيث أعطاني عشر بطاقات دعوة للذهاب إلى الحج، وزعتها على أقاربي وأسرتي. وحول علاقاته بالفنانين والمطربين وذكرياته معهم والمواقف الطريفة التي حصلت معه، وعن بعض أسرار الفنانين وخفاياهم التي عاشها معهم قال السحار: علاقتي بالمطرب الراحل عبد الحليم حافظ، انطلقت من دمشق ففي مبنى الإذاعة القديم بشارع النصر، كنت والمطرب عبد الحليم في مكتب مدير البرامج عبد الوهاب حافظ، وهو من سمى المطرب الراحل عبد الحليم حافظ باسمه، الذي عرف فيه فيما بعد، فعبد الحليم كان لقبه شيبانة وكان في زيارة لدمشق، فقال له عبد الوهاب حافظ، يجب أن تغير لقبك وتأخذ اسماً فنياً وسأعطيك لقبي هل توافق، وقبل عبد الحليم، ومنذ ذلك الوقت صار اسمه عبد الحليم حافظ، وليس عبد الحليم شيبانة. وكان يعرف عن عبد الحليم أنه بخيل، ولكن من خلال علاقتي معه، تأكدت أنه لم يكن كذلك، ففي إحدى المرات كان في باريس للعلاج في أحد المشافي، فزرته أنا والموسيقار الراحل بليغ حمدي، وعندما خرجنا من غرفته استبقاني عبد الحليم، وأعطاني مظروفاً فيه مال فرفضت، وقلت له أنت في حاجة للمال أكثر مني لنفقات العلاج، وأنا لست بحاجة للمال فأصر عبد الحليم وقال «يا أخي خذهم واشتري أي حاجة بهم، من هنا من باريس»، وهذا يؤكد أنه لم يكن بخيلاً، ولكن تهمة البخل نشرها بعض المقربين منه وألصقوها به، وهو لم يكن يرغب في الكلام كثيراً حتى عندما كنت أحلق له شعره، لم يكن يتكلم طوال وقت الحلاقة الذي يمتد لساعة أحياناً. من أصدقائي وزبائني حسين فهمي، ومحمد عبد الوهاب وأسعد فضة ودريد لحام والمرحوم نهاد قلعي، ونور الشريف، وكانت تربطني به صداقة خاصة، وكذلك بالفنانة بوسي. ويتذكر السحار كيف كان أحد أسباب زواجهما، حيث كان نور وبوسي يحبان بعضهما وكانت تحاك من خلف الكواليس مؤامرة من قبل أسرة بوسي لتزويجها من أحد أقاربها، فاتصلت بي بوسي لكي أبلغ نور بأن أهلها سيزوجونها من غيره، وكان نور الشريف في بيروت بقصد العمل، فذهبت إليه وأخبرته بما يدبر لتزويج بوسي، فعاد نور فورا إلى مصر وتزوجها وجاء بها إلى بيروت. أما بالنسبة لعلاقتي بالفنان الراحل فريد شوقي ـ يتابع أبوسمير ـ فقد كان يصور أفلاماً هنا في دمشق، وقد كان منذ بداية شبابه أصلع، ويضع باروكات منذ كان عمره 18 سنة، وكان يضعها بأناقة بحيث تبدو وكأنها شعر طبيعي.. في إحدى المرات أخذت فريد شوقي لحمام السوق، فقال لي أنتم تخترعون رجالاً هنا بالحمام، وعندما قام مكيس الحمام بتفريك وتكييس جسم فريد، لم يستطع أن يتحرك بين يديه وقلت له ضاحكا، كيف لم تتمكن من الحركة مع مكيس الحمام، وأنت وحش الشاشة؟! فأجابني لا تصدق ذلك فأنا أخاف من قطة، وهذا تمثيل بتمثيل. وعندما تزوج فريد شوقي هدى سلطان، أقام شهر العسل في بلودان بريف دمشق، وكنت معه، وحتى عندما تزوج امرأته الثانية سهير الترك حضرت عرسه، وهي ليست من الوسط الفني، ولكنه ظل يحترم هدى سلطان كثيرا، وقال لي مرة «هدى سلطان أشرف مخلوقة شاهدتها في حياتي». ويتذكر أبوسمير كيف ساعد المطرب الراحل فهد بلان في الوصول إلى الشهرة قائلاً: تعرفت عليه وكان في الإذاعة السورية يعمل في الكورس، فأخذته مرة معي إلى لبنان وزرنا صاحب مجلة السينما والعجائب حبيب مجاعص، حيث عرفته على فهد، فقام بتصويره وتقديمه كمطرب شهير، وأن هناك فتيات انتحرن بسببه، أي أن له معجبات كثرا، وذلك بقصد تحقيق شهرة إعلامية له، وبعد ذلك أمّن مجاعص له عملاً في محل يدعى الزيتونة يغني فيه، وانطلق منه وأخذ شهرته من لبنان، وعاد إلى سورية، حيث تبناه عمر حلبي لكتابة الأغاني ونجح في الغناء، وعندما تزوج مريم فخر الدين، كنت أنا في زيارته في بيروت، وسألت مريم هل أحببت فهد بلان من أجل صوته، أم من أجل شخصيته فأجابتني: شوبدي أعمل بصوته لدي أصوات كثيرة أسمعها، أنا أحببت رجولة فهد بلان. ومرة حدثني رئيس تحرير مجلة «الشبكة» جورج ابراهيم الخوري، فقال لي في كسروان يسمعون في المرتبة الأولى فيروز ووديع الصافي، ولكن بعد شهرة فهد بلان أضافوه لهما، وصاروا يسمعون الثلاثة، والسيارة العمومي التي لا يوجد فيها شريط كاسيت لأغاني فهد بلان يضعه السائق في مسجلة سيارته، لم يكن احد يستقلها وكان صوت فهد فريدا من نوعه، ونجح في مصر ولبنان وسورية، وكان كريما وشعبيا. وأسأل أبوسمير: هل ترغب في تصفيف شعر شخصية ما، حيث ان أمنيتك بتصفيف شعر كاسترو لم تتحقق فأجاب: أتمنى تصفيف شعر الزعيم الليبي معمر القذافي، فشعره يحتاج لتصفيف أفضل، وإذا تحقق ذلك فسأعمل على تصفيف شعره بشكل أفضل وأجمل!