دبي: مزاد كريستيز للأعمال الفنية يعاني من الأزمة المالية

400 ألف دولار فقط سعرا لأعلى لوحة

زائران تنعكس صورتاهما على مرآة عملاقة أثناء تطلعهما إلى لوحات أبدعها فنانون عرب وإيرانيون وغربيون جرى عرضها في دبي قبل انطلاق مزاد كريستيز الخاص بالأعمال الفنية في أبريل الماضي والذي حقق مبيعات تجاوزت الثلاثين مليون دولار. (أ.ف.ب)
TT

«لم أكن لأحصل على هذه اللوحة بهذا السعر لولا الازمة المالية العالمية».. هذا ما قالته سيدة سورية من جامعي اللوحات والاعمال الفنية وهي تتسلم احدى اللوحات التي دفعت ثمنا لها 23 الف دولار امريكي في مزاد كريستيز الخامس للاعمال الفنية العالمية الحديثة، الذي أقيم مساء اول من امس في دبي .

العشرات من اصحاب دور العرض وجامعي المقنيات واللوحات تنافسوا لشراء 157 لوحة ومنحوتة ابداعية من اعمال مجموعة من الفنانين والنحاتين من الامارات وايران والسعودية والعراق وسورية ومصر ولبنان والجزائر وتركيا.

ولكن الازمة المالية العالمية فيما يبدو تركت بصماتها بشكل واضح على هذا المزاد وكانت بما خلفته من اثار على اسعار اللوحات الموضوع الابرز للنقاش في صالة المزاد، فقد توقعت دار كريستيز ان تتراوح عوائد المزاد بين 12 الى 18 مليون دولار امريكي، في الوقت الذي قال فيه مايكل جيها مدير عام دار كريستيز لـ «الشرق الاوسط» «لقد حقق مزادا كريستيز السابقان في شهر ابريل من هذا العام نجاحا باهرا حيث تجاوزت عوائد المزادين 40 مليون دولار فيما بيعت ست قطع فقط باكثر من مليون دولار امريكي». والكلام هنا عن المزادين السابقين المكرسين للاعمال الفنية العالمية الحديثة والمعاصرة ومزاد المجوهرات والساعات، لكن اللوحة التي حلت اولا في هذا المزاد حصلت على 400 الف دولار فقط وهي «همس الحب (loving whisper) للفنان الايراني محمد احساي. فيما توقع البعض ان تصل الاسعار الى اكثر من ذلك بكثير.

 ويعزو الفنان التشكيلي السعودي ناصر التركي ذلك الى ان «الازمة الاقتصادية هي السبب في تراجع الاسعار الذي كان واضحا، فاعمال الفنانين الايرانيين كانت تبدا في المزادات السابقة بـ عشرة الاف دولار وتصل حتى 150 الف دولار الأمر الذي لم نلاحظه في هذا المزاد»، مضيفا ان ذلك كان واضحا في اعمال الفنانين العرب ايضا، «فالفنان الاماراتي عبد القادر الريس بيعت احدى لوحاته في هذا المزاد بحوالي 120 الف دولار، في حين ان احدى لوحاته حققت ما يزيد على الضعف في مزاد العام الماضي». ويرى الفنان القطري يوسف احمد ان الازمة المالية العالمية لم تفرق بين سياسة وفن واقتصاد «بالنتيجة كل شيء مرتبط بالمال» معتبرا «ان ظلما وقع على بعض الاسماء المعروفة بحيث بيعت لوحاتها باسعار دون المتوقع وهذا نتيجة طبيعية لما خلفته الازمة المالية العالمية من اثار على كل القطاعات». ويضيف الاحمد: «بالرغم من ان موعد المزاد ثابت في كل عام، إلا أن سوء الحظ جعله يتزامن مع احتدام الازمة العالمية».

لكن الفنان التشكيلي العراقي سردار البياتي رأى عكس ذلك، معتبرا «ان الاسعار لاتزال مرتفعة وإن كانت اقل من العام الماضي والسبب في ذلك ان الكثيرين ممن اهتموا بالفن أخيرا ويملكون المال يرتكنون الى الاسعار التي تتوقعها دار كريستيز وبالتالي تصل الاسعار الى هذا المستوى».

وفيما اتفق البعض على ان الاسعار شهدت انخفاضا هذا العام، إلا ان البعض الاخر اختلف على جودة الاعمال المعروضة. تقول سيدة عراقية اشترت احدى اللوحات الموجودة في المزاد ورفضت ذكر اسمها، كشأن معظم من يشترون هذه اللوحات، «اعتقد ان هذا المزاد تميز بنوعية اللوحات الرائعة التي عرضت ضمنه وكان اكثر تنظيما، بمعنى ان العدد اقل والابداع اكثر».

لكن كل ما خلقته الازمة المالية العالمية من اخذ ورد في زوايا وجنبات صالة المزاد لم تكن لتلفت الانتباه عن مجموعة قيمة من اعمال فنية خالدة احتضنتها جدران المعرض المرافق للمزاد فقد شاركت في المزاد لوحة (triptych) وهي لوحة ثلاثية ضخمة للفنان التشكيلي الجزائري رشيد قريشي والتي حققت مبلغ 400 الف دولار امريكي.

كما اشتمل المزاد عملين من اهم اعمال الفنان السوري فاتح المدرس وهما لوحة «غير معنونة» من مجموعة ادونيس التي نفذها المدرس بعيد نكسة 1967 وهي لوحة تؤرخ، كما يقول النقاد، لمرحلة مفصلية في مسيرة فاتح المدرس الابداعية حيث تمثل بداية تأثر لوحاته بالقضايا السياسية. اما اللوحة الثانية فهي لوحة عشتار إلهة الحب والحرب عند الآشوريين نفذها عام 1983.

وكان لافتا في المزاد حضور الاعمال الايرانية عدديا وسعريا، وقال وليام لوري خبير ومستشار الاعمال الفنية المعاصرة في كريستيز وهو مدير المزاد ايضا «يزداد سوق الاعمال الفنية والابداعية العربية والايرانية رسوخا عاما بعد عام وهذا ما نلمسه من تنافس وتسابق المقتنين الدوليين على اقتناء الاعمال المشاركة في مزاداتنا السابقة».

وفي هذا السياق تقول الفنانة الايرانية ديتا موه وهي صاحبة دار للعرض في دبي «اعتقد ان الفن الايراني يحظى بهذا الاهتمام في مزادات كريستي لما يتمتع به من اختلاف، فالمدرسة الايرانية في الفن التشكيلي والابداعي هي مدرسة متفردة وتملك شخصيتها الخاصة التي تميزها عن انواع اخرى من المدارس الفنية العالمية المعروفة».

وكانت منحوتة «الجدار» للفنان الايراني العالمي برويز تنافولي بيعت في مزاد كريستيز السابق للاعمال الفنية العالمية الحديثة والمعاصرة في ابريل الماضي قد بيعت مقابل مليونين وثماني مائة واربعين الف دولار مسجلة رقما قياسيا عالميا لكافة الاعمال الابداعية الايرانية المعروضة في مزادات علنية حيث بيعت باكثر من ضعف قيمة العمل الايراني الذي يحمل الرقم القياسي العالمي في مزادات علنية.

كما ضم المزاد ايضا منحوتة اخرى من اشهر اعمال تنافولي هي المنحوتة البرونزية «شاعر عاشق» الذي يصل طولها الى نحو ثلاثة امتار.

ومن الاعمال البارزة التي شاركت ايضا منحوتة (happy) للفنانين البريطانيين تم نوبل وسو ويبستر حيث بلغت قيمتها التقديرية 350 الف دولار امريكي.

اما ابرز الاعمال المصرية التي شاركت في مزاد كريستيز فكانت منحوتة ام كلثوم للنحات المصري آدم حنين الذي يعد احد اشهر النحاتين المصريين والعرب حيث تعرض اعماله في متحف متروبوليتن نيويورك وقد بيعت هذه المنحوتة لصاحب دار للعرض بقيمة 120 الف دولار.

وقد تميز مزاد هذا العام بما خصصته دار كريستيز للفن التركي بافتتاح قسم خاص للاعمال الفنية التركية الحديثة والمعاصرة اشتمل على 15 عملا، منها «في الطريق الى كربلاء» للفنان التركي ايرول اكافاس حيث بلغت قيمتها التقديرية 180 الف دولار بالاضافة الى لوحة «معزوفة ليلية صغيرة للفنان التركي برهان دوجانتشي.

أيا كان سعر اللوحات التي بيعت خلال هذا المعرض، فإنها لم تخرج عن السياق العام للرغبة العالية في اقتناء هذه الكنوز الفنية، والتي بدا أن المنطقة أصبحت مقرا رئيسيا لها، ومن يدري فربما كانت الأزمة المالية العالمية سببا في قدرة البعض الحصول على مبتغاهم بهذه الأسعار، وهم الذين لم يحلموا بذلك لولا الأزمة التي أثبتت صحة المثل القائل «مصائب قوم عن قوم فوائد».