أوباما وماكين.. ومسلسل «ذا ويست وينغ»

الدراما التلفزيونية تستبق الواقع

مارتين شين في دور الرئيس الاميركي في لقطة من المسلسل (أ.ب)
TT

عندما كان إيلي آتي، أحد الكتّاب الذين شاركوا في المسلسل الدرامي الأميركي «ذا ويست وينغ»، يستعد لكتابة الحبكة الدرامية لبعض حلقات المسلسل التي تتناول محاولة عضو شاب في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي للفوز بالانتخابات الرئاسية، التقط سماعة الهاتف واتصل بديفيد أكسلرود. وكان آتي، وهو أحد كتاب خطابات نائب الرئيس آل غور، وأكسلرود، وهو مستشار سياسي، قد شاركا في حملات انتخابية من قبل. ويقول آتي: «اتصلت به وقلت: أخبرني عما تعرفه عن باراك أوباما». وبعد أيام، ألقى أوباما، الذي كان في ذلك الوقت سيناتورا بولاية إلينوي، خطابا أمام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عام 2004، ودارت حوارات طويلة بين الرجلين حول رفضه (أوباما) أن يُعرف بعرقه وتطلعاته لجبر الشقاق الحزبي. وكان أكسلرود حينئذ يعمل في حملة أوباما للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو الآن كبير المخططين الاستراتيجيين لأوباما. وبعد مرور أربعة أعوام على ذلك، يراقب كتّاب مسلسل «ذا ويست وينغ» بدهشة الانتخابات الحالية، حيث يبدو واضحا للعيان التماثل بين الموسمين الأخيرين للمسلسل، الذي انتهى بثه على «إن بي سي» في مايو (أيار) 2006، والموسم السياسي الحالي. وظهر مرة أخرى أن الخيال يمكن أن ينبئ عن الواقع. وباسترجاع الأحداث الماضية ومع مشاهدة مسلسل «ذا ويست وينغ»، الموجود كاملا بمواسمه السبعة على اسطوانات «دي في دي»، يلحظ المشاهدون الإشارات الضمنية إلى أوباما في كل المواقف التي يظهر فيها ماثيو سانتوس، المرشح الديمقراطي اللاتيني، وهو الشخصية التي جسدها الممثل جيمي سميتس. ويظهر سانتوس كوافد جديد على الكونغرس الذي يريد أن يبني تحالفات ويشعر بالحنق بسبب استقطاب واشنطن. ويدخل سانتوس ـ وهو شخصية تلفزيونية جذابة في الأربعينات من عمره ولديه طفلان ـ السباق الرئاسي ويتمكن في النهاية من هزيمة مرشحين بارزين بعد حملة طويلة من الانتخابات التمهيدية. وضع سانتوس دبوسا عليه علم «الولايات المتحدة»، وأعلن عن ترشحه بأن قال لمؤيديه: «أنا هنا كي أقول لكم إن الحلم أصبح حقيقة، ففي عالم المحاولات ودنيا التحديات، يكون الحلم حقيقة». ويكاد لا يسمع المشاهد إلا قولة الجمهور: «نعم نستطيع القيام بذلك».

وثمة تماثل كبير بين السيناتور جون ماكين والمرشح الجمهوري في مسلسل «ذا ويست وينغ» أرنولد فينيك، وهو رجل قوي ذو شعر أبيض يروج لتخفيض الضرائب ومشهور بـ«كلامه المباشر» إلى الصحافة. ويمثل فينيك، الذي يجسده الممثل ألان ألدا، تهديدا للديمقراطيين بسبب قدرته على التقرب إلى الناخبين المعتدلين. ويسعد كثيرا برفضه القيام بما يريده الناخبين، قائلا لأحد مساعديه: «يعرف المواطنون في أي مكان أقف، قد يكونون لا يحبون ذلك، ولكنهم يعرفون أنني سأظل متمسكا به».

ويمتد التماثل إلى الشخصيات التي اختيرت للترشح لمنصب نائب الرئيس، حيث اختار المرشح الرئاسي الديمقراطي مخضرما من واشنطن ليمثل إضافة إلى خبرته في شؤون السياسة الخارجية، فيما اختار المرشح الرئاسي الجمهوري حاكما محافظا لضمان تأييد «القاعدة». وبالتأكيد، فإن البعض من هذا التماثل قد جاء صدفة، فليس من المحتمل، على سبيل المثال، أن كتّاب المسلسل كانوا يعرفون بإعجاب أوباما ببوب ديلان عندما جعلوا من سانتون معجبا بديلان. ولكن، هذا التماثل غير المقصود هو الذي جعل الموسمين السادس والسابع جديرين بالمشاهدة في الوقت الحالي. وفي الاثنين، مسلسل «ذا ويست وينغ» والحياة الواقعية، على سبيل المثال، يلعب فريق «فيليز» في بطولة «وورلد سيريز» أثناء الحملة الانتخابية. ويقول لورانس أودونيل، وهو منتج وكاتب استضافته قناة «إم إس إن بي سي» كمحلل سياسي، إنه في ظل ما كشفت عنه الانتخابات التمهيدية خلال العام الجاري رأى «أوجه شبه على الفور». وكان السيد أودونيل قد استخدم ماكين كأحد النماذج التي صاغ على أساسها شخصية فينيك في الحلقات التي كتبها مع أنه قال إن «تشابه ماكين بشخصية فينيك كان أقوى في عام 2000 منه في عام 2008».

وفي ما يعد بمثابة محاكاة للنقد الذي واجهه ماكين خلال الانتخابات التمهيدية، قال مساعد في البيت الأبيض في المسلسل إن فينيك «ليس محافظا بالدرجة الكافية» بالنسبة لقاعدة الحزب الجمهوري. ويبدو موقف المرشحين في بعض الأحيان متطابقا تماما، فعندما بدأت الصحافة تتحدث عن أي كنيسة يذهب إليها فينيك، قال لطاقمه «لم أذهب إلى أية كنيسة منذ فترة». وعندما سألت صحيفة «نيويورك تايمز» ماكين في يوليو (تموز) عن عدد المرات التي يذهب فيها إلى الكنيسة، قال ماكين: «ليس كثيرا كما ينبغي أن أكون».

ويقترب ماكين من نفس عمر الممثل ألدا، وعندما انضمت خبيرة استراتيجية متزمتة، جسدتها جينين غاروفالو، إلى حملة سانتوس، أشارت إلى عمر فينيك، وقالت: «إنه في مجلس الشيوخ منذ نحو 90 عاما، لقد ولد في غرفة إحدى اللجان».

وبنفس الطريقة، انتقد نواب أوباما ماكين لضعف خبرته في مجال الكومبيوتر، وعلقت الشخصية التي أدتها غاروفالو إلى مدير حملة سانتوس، جوش لايمان، قائلة: «لماذا تتحدث دائما عن الوظائف التقنية المتطورة؟ لأن فينيك يستعمل كاتبا له».

وعلى العكس، يتحدث فريق حملة سانتوس عن الحصول على شريط فيديو للمرشح مع «أطفاله الصغار وهو يحضنون أباهم الصحيح البنية والمفعم بالنشاط». ويعرض فريق السيد سميتس احتمالية أن يكون هناك رئيس من الأقلية، ولكن عندما يقترح أحد المساعدين حملة لجمع التبرعات في منطقة لاتينية، يقول سانتوس: «أنا لا أريد أن أكون مرشحا ملونا، ولكني أريد أن أكون مرشحا أميركيا». وكانت هناك تأكيدات مماثلة من حملة أوباما. بيد أنه، كما هو الحال مع أوباما، فإن مسلسل «ذا ويست وينغ» لا يتجاهل القضايا العرقية كلية، ففي الموسم السابع من المسلسل يلقي سانتوس خطابا حول العرق في مرحلة حاسمة من حملته، ويساور القلق فريق حملته من أن يكذب الناخبين بشأن رغبتهم في التصويت لصالح مرشحا للأقلية. وإن كان المسلسل يظهر في بعض الأحيان كـ «فانتازيا سياسية»، في مناظرة حقيقية يجب على السياسيين فيها الإجابة عن أسئلة مطروحة ورفض مرشح لإعلان هجومي، فإنه يعكس نسخة طبق الأصل من موسم الحملة الرئاسية في الحياة الواقعية. يفوز سانتوس بترشيح «حزبه» بعد صراع طويل، في تشابه غير كامل مع معركة أوباما خلال الانتخابات التمهيدية مع السيناتورة هيلاري كلينتون. وكما تمحورت حملة أوباما حول الوضع الاقتصادي في فصل الخريف، يقول لايمان لفريق حملة سانتوس إنه «قد يكون الخطاب الاقتصادي الجديد هو بطاقتنا»، وينتهي الحال بأن يكون على حق. نعم لا تحدث أزمة اقتصادية، ولكن هناك أمورا طارئة في المسلسل، مثل قصور يلحق بأحد مفاعلات الطاقة النووية ونزاع في كازاخستان، مما يعيد إلى الذهن السمات المحددة للانتخابات ذات الصلة بالأزمة الاقتصادية الفعلية. ويقول أودونيل: «بصورة مثيرة، نجد نفس الشيء، وهو ما لا يمكن التنبؤ به».

وكما فعل الرئيس بوش خلال محادثات خطة الإنقاذ، استدعى جيد بارتلت، الرئيس الديمقراطي في «ذا ويست وينغ»، والذي جسده الممثل مارتين شين، كلا المرشحين إلى البيت الأبيض لاستشارتهما. وفي مواجهة احتمالية نشر 150 ألف جندي أميركي في كازاخستان قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات، يتذمر فينيك قائلا: «يمكن أن أقول وداعا لتخفيضاتي الضريبية». ويقول لسانتوس: «بالتأكيد خطتك التعليمية لم تعد مطروحة».

ويظهر سانتوس منتصرا بعد أسابيع، ولكن بعد ليلة انتخابات مرهقة. وعلى شبكة الإنترنت، يتساءل بعض مشاهدي «ذا ويست وينغ» عما إذا كان المسلسل بمثابة نبوءة للنتيجة التي سوف نشهدها في الحياة الواقعية. وفي بريطانيا، حيث ما زال المسلسل له شعبية بجميع مواسمه، جاء أخيرا العنوان الرئيسي في مدونة على موقع صحيفة «تليغراف» ليعلن: باراك أوباما سيفوز، كل ذلك في مسلسل «ذا ويست وينغ».

* خدمة «نيويورك تايمز»