المصورون الجوالون في دمشق يصارعون التقنية للبقاء

أمام زحف الكاميرات الرقمية وكاميرات الجوال

مصور قبل أن نصوره في ساحة دمشقية («الشرق الأوسط»)
TT

«لا تصورني أرجوك، فنحن نبحث عمّن نصوره، ولا نرغب أن يصورنا أحد، ولا أريد أن أتحدث لأحد عن ظروف عملي الحالي حتى لا يتشفى أحد بما آل إليه عملنا السيئ مع دخول كاميرات الديجيتال والموبايلات ذات الكاميرا!» بهذه العبارة أغلق (عبد الكريم) أحد الذين تعرفهم ساحة يوسف العظمة (ساحة المحافظة) وسط العاصمة السورية دمشق منذ ربع قرن متجولاً فيها كمصور جوال، إمكانية الحوار معه. وعلى بعد حوالي متر من عبد الكريم يتحسر(بديع) الذي لم يفارق منطقة تحت جسر فكتوريا بدمشق منذ ثلاثين عاماً إلاّ لمرات قليلة، على الأيام الخوالي التي كانت كاميرته لا تهدأ في التقاط الصور لزوار دمشق والعابرين والراغبين في التقاط صورة تذكارية أسفل الجسر الشهير العريق، أو قرب مبنى محطة الحجاز أو حديقة مدينة معرض دمشق الدولي القديمة القريبتين من الجسر. وكحال بديع، فإن العديد من مصوري دمشق الجوالين، يتحسرون على تلك الأيام، ويقول المصور الجوال عدنان المحمد ـ هكذا عرفنا على اسمه ـ وكنا قد التقيناه في إحدى ساحات دمشق «أنا اعمل في هذه المهنة (الهواية) منذ عام 1975، وكنت أصور في اليوم الواحد حوالي 60 صورة للأشخاص والمجموعات السياحية، التي تتجول في دمشق، وقد تأقلمنا على مدى سنوات عملنا مع كل تطور يحصل في عالم التصوير، من خلال استخدام الزوم العالي الدقة، ومن ثم استخدمنا كاميرات التصوير الفوري، رغم ارتفاع أسعار أفلامها، ولكن كنا نبيع الصور الملتقطة بها بأسعار أعلى من مثيلتها العادية، ومع دخول مخابر التحميض الديجيتال الفورية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، تأقلمنا معها أيضاً وصرنا نصوّر جزءا من الفيلم ونظهره فوراً في المخابر القريبة من أماكن وجودنا ونقدم الصور للزبون فوراً وفي زمن قياسي لا يتعدى خمس دقائق.

ولكن الطامة الكبرى علينا، كانت في أواخر تسعينات القرن الماضي، حيث بدأ عملنا يتدهور مع انتشار الكاميرات والأفلام الرخيصة الثمن، والتي تستخدم لمرة واحدة فقط. مع ذلك ظل الأمر مقبولاً إلى حد ما، حيث ظل العديد من زوار دمشق، خاصة السياح العرب والقادمين من المحافظات السورية، يقبلون على الاستفادة من خدماتنا في تصويرهم، ويقولون لنا إنهم يرغبون في صور حرفية جميلة لتبقى ذكرى لديهم. إلا أنه مع انتشار كاميرات الديجيتال الرقمية، انخفض عملنا كثيراً وكانت الطامة الكبرى، والتي شكلت الصاعقة علينا، قد حصلت قبل خمس سنوات، مع انتشار أجهزة الهاتف الجوال المزودة بكاميرات، حيث شكلت الضربة القاضية لمهنتنا، وحالياً لم يبق في هذه المهنة سوى عدد قليل جداً من المصورين، ومعظمهم لديهم أعمال أخرى حتى يتمكنوا من تأمين متطلبات العيش لهم ولأسرهم، ولم نتخل عن هذه المهنة حتى اليوم، بسبب تعلقنا بها، واعتبارها هواية أكثر منها عملا دائما». وحول مواسم التصوير يقول عدنان: ننشط أحياناً في المناسبات الاجتماعية والمهرجانات والمعارض، فمثلاً في معرض الزهور الدولي بحديقة تشرين، الذي يقام سنوياً، يرغب البعض من الرواد والزوار، أن نلتقط صوراً لهم بكاميراتنا فنفعل، حيث يكونون إما هواة لأخذ مثل هذه الصور، أو لأنهم لا يمتلكون جوالا بكاميرا، وفي هذه المناسبات يعود البعض من زملائنا للعمل، ولكن لأيام محدودة تنتهي مع نهاية المعرض والمواسم.

وكنا نعمل بشكل مقبول في مناسبة معرض دمشق الدولي، ولكن بعد نقل المعرض إلى مدينة المعارض الجديدة خارج دمشق، لم يعد أحد منا يعمل في المعرض. وهناك البعض يعمل في الليل في بعض الملاهي، حيث يرغب بعض الساهرين التقاط صور لهم في السهرة مع الفنانات والمطربات، ولكن عدد هؤلاء محدود جداً، فهناك من لا يحبذ التصوير في هذه الأماكن، رغم أن قيمة الصور فيها تكون أعلى من الأماكن العادية في النهار. سامر صافيا، شاب لا يتجاوز عمره 20 عاماً، شاهدناه في حديقة تشرين العامة بدمشق وبيده الكاميرا ومستلزماتها، ينتظر أحدهم يطلب تصويره من زوار الحديقة مع أسرته أو مع خطيبته قال: أعمل في هذه المهنة منذ عام تقريباً، وكان والدي يعمل فيها، وقد دربني على التصوير قبل وفاته منذ سنتين، وقد ورثت منه الكاميرا ومستلزمات العمل، وقررت أن أعمل مثله، خاصة أنني ما زلت طالباً في معهد متوسط، ولم أتخرج بعد، وبالتالي أحاول أن أؤمن مصروفي الشخصي من عملي هذا، ولكن العمل قليل جداً. حسان مصور شاب آخر يوجد بشكل دائم في حديقة تشرين، اعتذر عن الكلام معنا مبرراً: ألم تشاهدوا قبل سنة كيف وقع زميل لنا هنا في حديقة تشرين في مصيدة الكاميرا الخفية، لقد استفزته جماعة برنامج الكاميرا الخفية، فرغم همومنا وقلة عملنا صورهم بكاميرته، ورفضوا إعطاءه الأجرة، ليكتشف فيما بعد أنه وقع في فخ الكاميرا الخفية، وقد تقبل المزحة والمقلب، فما أدراني أنا أن تكونوا أنتم أيضاً من برنامج الكاميرا الخفية؟! قالها حسان وهو يبتسم مبتعداً عن كاميرتنا، ورافضاً الحوار معنا!