الجامعات اللبنانية تستقطب الطلاب الأجانب

من إيران وإثيوبيا وأوروبا.. بعضهم هرب من الرقابة الأمنية وآخرون يبحثون عن مختبر للعلوم السياسية

الوضع اللبناني المحتدم ساهم بتسويق اسم هذا البلد الصغير، وجذب اليه اهتماما من نوع لم يألفه لا سيما من طلاب العلوم السياسية والإنسانية والعلاقات الدولية («الشرق الاوسط»)
TT

من المعروف أن ارتفاع مستوى الجامعات في دول مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وأستراليا وغيرها يجذب الطلاب اليها، فيتجه شباب العالم عموما والدول العربية خصوصا الى هذه البلدان لاستكمال دراستهم الجامعية. الا أن الوضع في جامعات لبنان تميز مع انطلاقة العام الدراسي الحالي باستقطاب طلاب من مختلف الدول الأوروبية والآسيوية والأميركية، جاءوا لمشاركة زملائهم اللبنانيين دراستهم.

والمعروف أن حضور الطلاب الأجانب الى لبنان لم يعد مشهدا مألوفا، لا سيما اذا كان غير عربي. والطلاب اللبنانيون لم يعتادوا عليه. لكن الوضع اللبناني المحتدم ساهم بتسويق اسم هذا البلد الصغير، وجذب اليه اهتماما من نوع لم يألفه، لا سيما من طلاب العلوم السياسية والإنسانية والعلاقات الدولية. الا ان العامل السلبي الذي أعطى حوافز ايجابية لم يكن السبب الوحيد. مناخات الحرية في لبنان شكلت عاملا إضافيا، كما يقول الطالب الايراني محمد. الذي أضاف: «أنا لم أعتد قط على طريقة العيش خارج ايران، ولم أكن أعرف أيا من عادات المجتمعات الأخرى وتقاليدها. إنها سنتي الأولى بعيدا عن وطني. وسبب قراري متابعة دراستي في لبنان يعود الى ما سمعته وقرأته عن عادات شعبه الطيبة. وأنا كطالب يحمل جنسية إيرانية من الصعب أن تقبلني الجامعات في الدول الأوروبية. لذا كان اختيار جامعة لبنانية قرارا منطقيا بالنسبة إليّ».

محمد أصيب بالذهول لحظة وصوله الى مطار بيروت. يقول: «لم يكن عاديا ان أتعود مشهد المرأة اللبنانية التي تملك حرية في اختيار الملابس التي تناسبها. ففي إيران لا يحق للمرأة التمتع بهذه النعمة. كما لا يحق للرجل ارتداء ربطة عنق، لأنه سيصنف معاديا للنظام. كما أن المواطن هناك يعيش بقلق دائم ويشعر دائما بأنه مراقب. اينما أذهب أجد عناصر الشرطة حولي لمراقبتي وليس لحمايتي. وهذا ما لم أجده في لبنان. فالشعب اللبناني حر حتى في اختيار مواقفه السياسية بغض النظر عن انتماءاته. في بلدي الموسيقى الغربية ممنوعة. أما هنا فأسمعها في كل مكان. إن لبنان بلد جميل وشعبه يحب الحياة ويتمتع بحريته فيستغلها الى أقصى الحدود». ويختم محمد بالقول: «أنا باق هنا لثلاث سنوات. وأتيت لأدرس اللغة الفرنسية، والدتي كانت ضد فكرة مجيئي الى هنا بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة. وهي تتصل بي دائما فأطمئنها على أوضاعي وأؤكد لها ان البلد آمن. انا أتمتع بوقتي وبدراستي بعيدا عن الأمن الذي يلاحقني من مكان الى آخر في إيران». محمد اكتشف الحرية، أما أكثر طلاب العلوم السياسية القادمين من البلدان الأوروبية فقد اختاروا أن يكملوا سنتهم الأخيرة في لبنان، وذلك نظرا الى الأهمية الجغرافية للمنطقة. فالشرق الأوسط بات يشكل المحور الأهم على صعيد السياسة الدولية. هو مليء بالأحداث المهمة، يقول الطالب الفرنسي مارك: «سمعت الكثير عن لبنان في فرنسا ودرست التاريخ المشترك للدولتين وعرفت من اللبنانيين هناك أن الشعب اللبناني وسياسييه عبر التاريخ يطلقون على فرنسا اسم الأم الحنون. ولأني ادرس العلوم السياسية ولم أزر يوما هذه الجهة من العالم، قررت أن أكمل سنتي الأخيرة في لبنان وأفهم ما يجري هنا». ويضيف: «أحببت البلد واخترته من بين غيره من بلدان المنطقة للأسباب التي ذكرتها في بداية حديثي من جهة، ولتركيبة هذا البلد الفريدة حيث نجد ثماني عشرة طائفة مختلفة من جهة أخرى. انه وطن حوار الأديان كما قال يوما البابا يوحنا بولس الثاني». أما بيار، الطالب الفرنسي في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف، فيقول: «سمعت الكثير عن لبنان من اللبنانيين الموجودين في فرنسا، كما أن أحد أساتذة الجامعة هناك قال لنا يوما انه اذا أراد أحدكم أن يسافر، فأنا أنصحه بزيارة لبنان. ذلك ان ما سوف تشاهدونه في هذا البلد لن تصادفوه في أي مكان آخر. هناك يمكنكم الانتقال من الجبل الى البحر خلال نصف ساعة. ويمكنكم أن تزوروا البلد كله خلال يومين على أبعد تقدير». ويوضح: «منذ ذلك الوقت بدأت أبحاثي حول لبنان وقررت أن أكمل سنتي الأخيرة هنا». بعض الأجانب قرروا متابعة تحصيلهم في لبنان بناء على نصيحة من أهلهم الذين سبق لهم أن زاروه، كما هي حال الطالبة في العلوم الاجتماعية لور التي خيرت بين ثلاثة بلدان، من ضمنها لبنان، فأخذت بنصيحة أهلها.

قد تسمع أحد هؤلاء الطلاب يقول: «أعشق لبنان»، كما هي حال الطالبة النرويجية أورور التي تضيف: «وقعت في حب هذا البلد الرائع. منذ أن وصلت ولدت بيني وبينه علاقة رائعة. أنا هنا من أجل استكمال دراستي الجامعية في حقل السينما. ولكثرة تعلقي بهذا البلد أدرس خيار الاستقرار فيه إذا ما وجدت عملا. إلا أني إذا لم استطع ذلك فسوف أزوره مرارا وتكرارا». يبقى ان بعض الطلاب اضطروا لمتابعة دراستهم ولم تتوفر لهم الفرصة الا هنا. يقول الطالب الإثيوبي أديس: «أتيت الى لبنان لأن والدتي تعمل مع قوات الأمم المتحدة الموجودة في جنوب لبنان. وهي موجودة في الناقورة. وبعد أن رفضت السلطات الفرنسية تجديد جواز سفري لحقت بها. ولم يبق أمامي الا متابعة دراستي هنا». يروي أديس انه وبعد يوم من وصوله الى بيروت وخلال وجوده في الشارع سمع دوي انفجار، فقفز الى احد مستوعبات النفايات ليحتمي. وعندما حاول معرفة مكان الانفجار وتداعياته، اكتشف ان العابرين على الطريق يضحكون. عندها استفسر عن سبب الصوت فكان الجواب أنه صادر عن بعض المفرقعات لأن أحد أولاد الحي نجح في المدرسة. لكن الصورة ليست وردية بالكامل. ذلك أن هناك من وجد البلد أقل من طموحه. الطالبة الايرلندية جوانا لم تحب لبنان. وجدته دولة غير منظمة وفيها الكثير من المشاكل «الطائفية ورم خبيث في المجتمع اللبناني. يمكن أن يقضي عليه بسرعة». وتضيف: «اللبنانيون لا يحبون وطنهم. ماذا تنتظر من الأجانب... بغض النظر عن جمال لبنان؟».