تماثيل الميادين العامة في مصر .. تاريخ من الحكايات والقصص النادرة

تمثال إبراهيم باشا.. أثار أزمة بين مصر وتركيا

التمثال بميدان الأوبرا عام 1911 («الشرق الأوسط»)
TT

حكايات وقصص مثيرة وراء تماثيل الميادين العامة في مصر وخلف قصورها، لكن الغريب أن يثير تمثال لرجل يمتطي جواده مشيراً بإصبعه ناحية اليمين في عظمة وكبرياء أزمة سياسية كبرى بين مصر وتركيا، التمثال الكائن بميدان الأوبرا بالقاهرة هو تمثال إبراهيم باشا (1789 - 10 نوفمبر 1848) الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر، وعرف أنه أحسن قادة الجيوش في القرن التاسع عشر وقد حارب وانتصر في الجزيرة العربية والسودان واليونان وتركيا وسورية وفلسطين، وقتل مسموماً في القاهرة خوفاً من توليه السلطنة. فلا أحد يتوقع وهو يمر بجانب التمثال حالياً ما أثاره من جدل ونقاش بين مصر وتركيا آنذاك.. تقول سوزان عابد المشرف الفني لمشروع ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية، إن أشهر الميادين والتماثيل المصرية هي جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر العمراني والمعماري وهو ما حرصت ذاكرة مصر على تقديمه وعرضه. وتروي أن فكرة إقامة التماثيل للعظماء وتخليد ذكرهم في مصر ترجع إلى عهد الخديوي اسماعيل وبالتحديد إلى عام 1865، حيث أسند الخديوي إلى الفنان الفرنسي كوردييه مهمة نحت تمثال لأبيه إبراهيم وذلك في عام 1868، ثم كلف أيضاً لجنة فنية فرنسية للإشراف على عمل التمثال من الناحية الفنية برئاسة الكونت نيودركيك Cont Niewderkeke فرأت اللجنة إضافة فرنسي آخر هو جاكمار. وإذا كان التمثال قد صنع بالفعل في فرنسا إلا أن الوثائق تشير إلى أن القائمين على عمل التمثال قد أتوا بالفعل إلى مصر لمقابلة الخديوي ومعاينة الأماكن التي ستوضع بها التماثيل التي كلفوا بعملها ومنها هذا التمثال، فقد جاء في وثيقة مؤرخة بـ 23 شعبان 1282هـ ذكر للأعمال المقترح إعمالها في مصر والإسكندرية والسويس مقدم من نوبار باشا وجاء فيها ذكر «تمثال والد الجناب العالي وجده المقترح إقامتهما في الإسماعيلية والأزبكية وكان رأي الجناب العالي في ذلك الانتظار حتى يحضر صاحب المصنع الذي أخذ على عاتقه عملها وعرض النماذج».

وفي 5 صفر 1286هـ صدر أمر من الخديوي اسماعيل بتحويل مبلغ ستة آلاف جنيه إلى أحد البيوت المالية في باريس باسم الكونت نيودركيك وحتى يتمكن من صرف المبلغ إلى الفنان الذي سيقوم بصنع التمثال وهو المسيو كوردييه.

وقد تم الانتهاء من صنع التمثال في عام 1872 وقام المعماري الفرنسي بودري بوضع تصميم لقاعدة التمثال مستوحاة من العمارة الإسلامية تتألف جوانبها من دخلات ذات صدور مقرنصة في جوانبها أعمدة مدمجة وتضم في داخلها عقودا متكسرة مشعة وتنتهي القاعدة بصف من المقرنصات وتعلوها مصطبة أخرى صغيرة يقف عليها التمثال ولكن هذا التصميم لم ينفذ لأنه لم يلق استحسان الخديوي إسماعيل. وقد نصب التمثال في عام 1872 بميدان العتبة الخضراء في أول الأمر، وفي عام 1882 قام الثوار العرابيون بإنزاله من فوق قاعدته باعتبار صاحبه أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وبعد أن هدأت الأمور أعيد إقامة التمثال إلى مكانه الحالي في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة.

أما عن الأزمة التي أثارها التمثال فتقول سوزان عابد إن مباحثات بين البلدين حدثت بسبب تمثال إبراهيم باشا، وتعود أحداث الواقعة إلى عام 1872 عندما تم الانتهاء من صنع التمثال واختير ميدان العتبة الخضراء موقعاً له. فقد حدث أن صنع كوردييه لوحتين لوضعهما على قاعدة التمثال الرخامية، إحداهما تمثل انتصار الجيش المصري على الأتراك في معركة نزيب والثانية انتصاره على الأتراك في معركة قونية، وكانت اللوحتان على وشك أن توضعا على جانب قاعدة التمثال ولكن السلطات التركية تدخلت ورفضت اللوحتين لأنهما تمثلان هزيمتها أمام جيوش مصر، وأخذ كوردييه اللوحتين وسافر إلى فرنسا وعرضهما في معرض باريس عام 1900، وبعد انتهاء مدة العرض أخذهما إلى بيته وحفظهما في ستوديو صغير ولا يعلم أحد مصيرهما بعد ذلك.

وحينما عزمت الحكومة المصرية الاحتفال بمرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا عام 1948 أرادت أن تضع اللوحتين في مكانهما فاتصلت مصر بفرنسا وبحث عن اللوحتين عند حفيد كوردييه وفي متاحف باريس الكبرى فلم يعثر لهما على أثر، ولكن وجدت صورتان فوتوغرافيتان لهما أخذهما المثالان المصريان أحمد عثمان ومنصور فرج وصنعا لوحتين تشبهان لوحتي كوردييه وهما الموضوعتان اليوم على جانبي التمثال.