جيمس بوند الجديد بين مؤيد ومعارض

الممثل دانيال كريغ يتحدث عن آخر أفلامه «قدر من العزاء»

من فيلم «قدر من العزاء»
TT

تطلب الأمر عامين من المفاوضات عالية المستوى لعقد اجتماع مع دانيال كريغ، الذي ربما يكون في الفترة التي نشرت فيها إم أي 6 (خدمة الاستخبارات السرية البريطانية) ـ وهي الوكالة التي عمل لديها أفضل شخصية على الإطلاق في عالم المخابرات جيمس بوند ـ إعلانات على الإنترنت تطلب فيها عملاء، أفضل من يمثل دور الجاسوس المراوغ.

وأتاحت فترة الانتظار الطويلة الكثير من الوقت لتهدئة الشائعات منها على سبيل المثال أنه فظ ويكره الصحافيين وكلماته عدائية، كذلك كانت هناك إشاعة أخرى من سيدتين تعملان في الدعاية لديه بأنه لديه جاذبية جنسية أكبر من أي شخص قابلتاه من قبل.

ربما كان تقمص كريغ لدور بوند في فيلم «كازينو رويال» هو الذي أسهم بشكل واقعي في كل تلك التوقعات.

لكنه خلال الاجتماع كان يرتدي الجينز، وذراعه معلقة إلى رقبته جراء جراحة أجراها أخيرا في الكتف. وكان يرتدي أيضا سترة سميكة من الصوف جعلته يسلك خطا رفيعا بين الأناقة الشديدة والبساطة المفرطة، لقد كان وسيما على أية حال بأسلوبه المثير والبسيط وعيناه الزرقاوين في ذات الوقت، لكن ليس إلى الدرجة التي تجعل المرء عاجزا عن الكلام أو تشغيل جهاز الكومبيوتر المحمول.

كما كان مؤدبا إلى درجة جعلت ذلك نقيصة لديه، فقد نهض واقفا عندما أحضرت له مساعدته المسؤولة عن الدعاية قدحا من الشاي، كما اعتذر مرات عدة على تأخره خمس دقائق، وتصرف كما لو كان يجلس في قاعة مؤتمرات لا تضج بالحياة، وكما لو كان لديه اليوم بأكمله ليتحدث عن بوند ومواضيع أخرى هامة لكنه لم يكن كذلك. (كان لديه ساعة واحدة فقط). فعلى عكس الكثيرين من نجوم السينما الذين يؤمنون بأسطورة تفوقهم، لكن كريغ، الذي يبلغ من العمر 40 عاما، يميل إلى السخرية من شهرته، وأشار إلى أنه قد يضطر إلى تركيب شاشة عرض سينمائي في منزله لأن شهرته الكبيرة جعلته لا يستطيع حضور عروض الأفلام دون أن يتعرف عليه أحد، فقال ساخرا: «يمكنني أن أضعها إلى جوار حمام السباحة داخل المنزل».

عندما تم اختيار كريغ ليشغل مكان بيرس بروسنان، الذي تركه منذ فترة لم تكن ببعيدة، لم يبد أنه اختيار واضح، فهو معروف بشدة تركيزه وأدائه للأدوار المحيرة غير المتوقعة المليئة بالتحديات. فمن بين الأدوار التي أداها دور أحد بارونات الأفلام الإباحية من مانشستر في المسلسل القصير «أصدقاؤنا في الشمال» الذي أنتجته بي بي سي، ودور مدرس جامعي يتعقبه قاتل في فيلم «الحب الدائم» Enduring Love ودور عامل بناء يضاجع والدة صديقته التي تجاوزت الستين في فيلم «الأم» ودور رجل أعمال يعمل بتجارة المخدرات في فيلم «طبقة الكعكة»، ودور قاتل مليء بغضب قاتل ورقة قاتلة في فيلم «سيء السمعة»، وجسد شخصية الشاعر تيد هيوز في فيلم «سيلفيا».

واسترجع إلى ذهنه ما قاله البعض عند قبوله دور بوند: «ألم تخش تكرار أداء تلك الأدوار؟» فذكر أنه قال لهم: «بالطبع سأكون كذلك، ولكن إذا كان يجب القيام بها بهذا الشكل فأعتقد أن الأمر لن يكون سيئا تماما».

وقد أصاب كريغ النقاد السينمائيين التقليديين بحالة من الروع لاختلافه الشكلي والبنياني عن العملاء السابقين، فتعرض لهجوم لاذع من جانب كُتاب صحف التابلويد البريطانية الذين لم يروه في أعماله الأخرى، فقالوا بأنه قصير جدا وأشقر وممثل مسرحي، وأثاروا شائعات بأنه لا يستطيع أن يقود سيارة ذات عصا سرعات، ناهيك عن سيارة أستون مارتن.

لكن أثبت كريغ منذ المشهد الأول في فيلم «كازينو رويال» الذي طرح في الأسواق عام 2006، حيث قتل بوند أحد الأشخاص بوحشية بيديه فقط ثم أطلق الرصاص في هدوء على رئيسه الفاسد ليقتله، أنه تركيبة فريدة من القبول والقوة والكاريزما. وصدرت مقالات كثيرة تثني عليه لا قاعدة محبي بوند التقليديين فقط.

يمتلئ الفيلم الأخير «قدر من العزاء» («كوانتم أوف سولاس) بالإثارة المعهودة عن بوند وبذلك الكم الكبير من البنادق والانفجارات الضخمة والنساء والحركات المذهلة الخطرة التي تحبس الأنفاس والتي أدى كريغ الكثير منها.

وعندما كان كريغ يعد لدوره في فيلم كازينو ـ كما قال ضابط القوات الخاصة بالبحرية الملكية السابق الذي عمل مدربا خاصا له، إنه أراد «أن يبدو كما لو أنه قادر على قتل الأشخاص بمجرد النظر إليهم» ـ ركز بصورة كبيرة على زيادة قوة احتماله وبناء عضلاته.

ونقل عن كريغ قوله في صحيفة التايمز اللندنية: «لست رياضيا بالرغم من احتفاظي بلياقتي وسط نوبات بسيطة من إدمان الكحوليات». ويقول كريغ إنه كان مصمما على التأكد أن قصة الفيلم سيكون لها معنى عاطفيا ومنطقيا. وتبدأ أحداث فيلم «كوانتوم» بعد لحظات مما انتهى عليه فيلم «كازينو»، حيث يحمل بوند سلاحا ناريا كبيرا، على الجزيرة التي كان قد أطلق فيها النار لتوه على أحد الرجال المسؤولين عن مقتل فيسبر ليند؛ الحب الغادر في حياته. ويقول كريغ: «إنهما فيلمان منفصلان، ولكن إذا كنت ستعاقب نفسك بإجبارها على مشاهدة الفيلمين واحد تلو الآخر، فسوف ترى خط رابط بينهما». وأوضح على وجه الخصوص أنه أراد من شخصية بوند التأكيد على الآثار العاطفية لموت فيسبر. وأضاف: «لقد كان من المهم للغاية أن نتعامل مع هذا الأمر، فقد شعرت أنك لا يمكن أن تكون لديك شخصية وقعت في الحب إلى حد الجنون كما فعلا (يقصد بوند وحبيبته) في الفيلم الأخير ولا تنهيها كما يجب، فيجب أن تكون هناك خاتمة لها. ولهذا السبب سُمي الفيلم بـ«كوانتم أوف سولاس» ـ فهذا هو ما يبحث عنه بطل الفيلم بالضبط». وأضاف: «بنهاية (سولاس)، ستكون هناك خاتمة آمل أن تُهيئنا ـ إذا ما سارت الأمور على ما يرام ـ لعمل فيلم ثالث. وبإمكاننا أن نصوره في مكان دافئ وهادئ». (وأوضح أنه كان يمزح بشأن المكان «الهادئ»). وتابع: «إنه خجول للغاية، ومعتدل ومتواضع إلى حد ما، ولا يحب أن يكون محط الاهتمام. كما أنه يشبه إلى حد كبير من يقول: (لنصنع فيلما جيدا، ونقدم قصة جيدة، ونقوم بعملنا على أكمل وجه)».

واتسم تصوير الفيلم بالصعوبة البالغة، فقد اضطر الممثلون في عدد من المشاهد للتحدث بالروسية، كما اضطروا في أوقات عديدة للعيش في الغابات بنحو أو بآخر لمدة ثلاثة شهور ـ والتي امتازت ظروف الحياة فيها في بعض الأحيان بالصعوبة البالغة. وأصيب أغلب طاقم العمل بنزلة شعبية خلال التصوير، ويقول كريغ: «ولكن عندما بدأنا في الشرب بكثرة، بدأنا نتحسن». وتربى كريغ في ليفربول، وقضى أغلب أوقات فراغه في مشاهدة الأفلام ـ وأحيانا ما كان يقوم بذلك بمفرده ـ في سينما صغيرة بنهاية الشارع الموجود به منزله. وقد غادر منزل أسرته عندما كان في سن المراهقة ليجرب حظه كممثل في لندن. وعمل في المسرح القومي للشباب، ثم التحق بمدرسة الدراما، وبدأ المشاركة في الأدوار كبطل رومانسي، وهو الاختيار الذي رفض بعد ذلك القيام به.

ويوضح كريغ إلى أنه في كل دور كان يسأل نفسه: «بطل رومانسي ـ ماذا يكون؟ هل هو سكير؟ ما هو عمله؟ ما هي مشكلته؟ وكانت هذه هي الطريقة التي أتبعها دوما. وهذا ما فعلته في بوند وما أحاول أن أفعله في كل شيء». وأشار إلى أنه عازم على مواصلة العمل في المزيد من أدوار بوند، قائلا: «لقد كنت محظوظا بالوصول إلى مثل هذا الدور المدهش فهو امتياز كبير. فقد أعدني بطريقة جيدة فعلا للحياة، وهذا أمر رائع. إلا أنني أحب التمثيل، كما أنني أفكر جدية في أن هذا جزء مهم يتعلق بأهمية الحياة. كما أنني لست جيدا في الانتظار». وبدا فعليا أن كريغ ـ وهو أب لابنة في سن المراهقة من زواج سابق ـ أنه أكثر اهتماما بالحديث عن موضوعات أخرى ـ مثل كتب فيليب بولمان، والابتهاج من افتراض انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، والأفلام التي يحب مشاهدتها ـ من الحديث عن نفسه. إلا أنه تحدث أيضا عن ساتسوكي ميتشيل ـ صديقته الأميركية القديمة ـ التي يعيش معها في لوس أنجليس ولندن. ويرتدي كريغ قلادة فضية منقوش عليها «لتأخذ قلبك أينما تذهب»، ولدى سؤاله عنها، بدا عليه الخجل فجأة. وأوضح أنهما في الفترة الأخيرة استقلا السيارة وسافرا من الساحل الغربي الأميركي إلى الأطلنطي في الشمال الغربي. وتوارى الاثنان في سينما صغيرة لمشاهدة فيلم «غيليرمو ديل تورو»، والجزء الثاني من فيلم «هيل بوي: ذي غولدن آرمي». ولدى رحلته اقترب منه أحد الأشخاص متسائلا: «هل أخبرك أحد من قبل أنك تشبه دانيال كريغ؟» فأجابه كريغ: «لا»، ثم مضى.

* خدمة «نيويورك تايمز»