نداءات الباعة الدمشقيين تتحول إلى نغمات على جوالات جيل الشباب

انتشرت بكثرة بين المراهقين والشبان

بائع تمر هندي دمشقي تردّد عباراته الظريفة «موبايلات» المراهقين والشباب («الشرق الاوسط»)
TT

إذا كنت في مكان عام في العاصمة السورية دمشق، كفندق أو مقهى ومطعم، بل حتى مدرسة أو جامعة، وسمعت بائع جرار الغاز أو بائع البندورة والخيار ينادي على بضاعته بالطريقة الفولكلورية المعروفة وباللهجة الدمشقية أو الحلبية أو الساحلية، وإذا نظرت حولك لتشاهد هؤلاء الباعة فإنك على الأرجح لن تراهم لأنهم غير موجودين مطلقاً. كذلك إذا سمعت أهازيج وأغاني شعبية تصدر بشكل غريب ومختلف في المكان الذي أنت فيه فلا تندهش لأنك ستكتشف بعد ثوان قليلة أن هاتفاً جوالاً (موبايل) لأحد المراهقين هو مصدر هذه الأصوات أو النغمات، ولا سيما عندما تشاهد صاحبه يتكلم منه؟!..

عادة تحويل أصوات بائعي جرار الغاز وتجار الخضار وغيرهم إلى نغمات على جوّالات الشباب السوري انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة، وتسجل من قبل أشخاص هواة ساخرين وبشكل ضاحك ويجري تداولها من خلال ميزة «البلوتوث» في هذه الأجهزة.

«الشرق الأوسط» رصدت بعض هذه النغمات والأصوات على جوّالات المراهقين والشباب في دمشق بأصوات غريبة ومقلدة تماماً لأغانٍ وأهازيج شعبية معروفة منها ـ مثلاً ـ أهزوجة لسائقي سيارات «السرفيس» (النقل الداخلي) بدمشق على خط حي ركن الدين حيث يعمل عليه خطا «سرفيس» هما: ركن الدين والدوار الشمالي. وللعلم تسعيرة الخط الأول خمس ليرات فقط كون آخر محطة له هي تجمع تحت الجسر في منطقة البرامكة، أما الثاني فيدور بشكل محلّق ويصل حتى مشفى المواساة، ويأخذ سائقه ضعف أجرة الخط الأول، وبالتالي فهو يتباهى بذلك من خلال تحويل أهزوجة شعبية معروفة إلى كلمات ضاحكة يردّدها سائق خط الدوار الشمالي وتقول كلماتها، مع اللحن باللهجة الدمشقية والصوت الرّجولي العريض:

«لالي لالي لالي لالي ... أنا ميكرو دوار شمالي ... ركن الدين بخمس ليرات ... أنا بعشرة آه يا نيالي».

كذلك، ثمة أهازيج شعبية فولكلورية يرددها الأطفال في الأعياد حوّلها بعض الهواة الساخرين إلى مقاطع صوت: «ياحاج محمد.. يويو .. اعطيني حصانك يويو .. لشد واركب .. يويو ... وإلحق اسكندر.. يويو.. واسكندر ما مات.. يويو.. خلّف بنات يويو.. بناته سود يويو.. مثل القرود يويو..» ثم هناك العبارات التي يردِّدها بائعو ومشترو الأدوات المستعملة وبائعو جرار الغاز وهم في شاحناتهم الصغيرة يدورون في شوارع دمشق وحاراتها ليلفتوا الانتباه لهم بصوتهم المميز ـ والنشاز أحياناً ـ وبالقرع على جرار الغاز، أو بائعي المازوت على الطنابر المعروفة وهي تجول في حارات دمشق ومنها:

«يللي عندو براد عتيق .. غسالة مسجلة عتيقة.. تلفزيون عتيق.. للبيع دفاتر أثاث أواعي تياب للبيع؟!!» باللهجة الشامية وبطريقة ضاحكة. ثم هناك العبارات المميزة لبائعي الخضار الدمشقيين في أسواق الخضرة وعلى العربات الجوالة ولبائعي التمر الهندي والعرقسوس وغيرهم، ومنها:

«بندورة ويللا يا بندورة.. دور الدورة وخذ بندورة.. أنا بياع البندورة بعشر وراق يا بندورة»، و«هيا موز يا كوسا والكوسا موز عند عبدو.. ويالله ويالله يا عبدو سبحان الذي خلقك يا كوسا»، و«من على طريق المطار يا خيار.. يالله ويالله يا خيار.. هذا بلدي الخيار.. بعشر وراق الخيار.. عبّي بإيدك الخيار.. وأصابيع الببو يا خيار!»، و«يالله ويالله يا أسود سواد لونه من الليل يا أسود (عن الباذنجان)»، و«يالله ويالله يا بصل .. واللي بياكل منه ع الحج بيصل». أليسار فندي، الباحثة الاجتماعية السورية، تفسر لـ«الشرق الأوسط» ظاهرة انتشار هذه الأهازيج والعبارات الشعبية كنغمات على الهواتف الجوالة قائلة: «تتردد على مسامعنا في بعض الأماكن الخاصة والعامة كثير من مقدّمات الأغاني والموسيقى تتقطع أحياناً وتتواصل لفترة أطول من اللازم أحياناً أخرى، ولكن أن نسمع نداءات غريبة لباعة متجولين ولأصوات غريبة من الهاتف الجوّال فهذا شيء غريب فعلاً. لقد سئم بعض الشباب من النغمات الروتينية فوضعوا هذه الأصوات الغريبة خاصة ليلفتوا انتباه من حولهم وليشاهدوا الانطباع على وجوه المارة في الشارع عندما يسمعون الهواتف الجوالة تطلق مثل هذه الأصوات. إن هؤلاء المراهقين والشباب يبحثون عن التميز وحب الظهور من خلال هذه الأشياء الغريبة كما يفعلون مثلاً بارتدائهم لباساً غريباً أو إطالة شعرهم وربطه كالنساء أو جعله كالقنفذ أو بأشكال غريبة أخرى، والبعض منهم يتداول هذه العبارات الغريبة على الهواتف الجوالة من باب التسلية فقط، ولذا تراه يحذفها بعد فترة من الوقت بعد أن يملّ منها أو يأتي بعبارات جديدة».