قصّة شباب يطمح إلى إرساء «حركة السلام الدائم»

من فض النزاعات بين زملائهم الطلاب إلى التدريب في لبنان والخارج

حركة «السلام الدائم».. شباب لبنان ضد الحرب («الشرق الاوسط»)
TT

من العمل المحدود في إحدى الجامعات اللبنانية، الى المشاركة في مؤتمر «قمة المراجعة حول اعلان جنيف عن العنف المسلّح والتنمية»، شقّت «حركة السلام الدائم» طريقها في وطن مزّقته الحروب والنزاعات، طوال 15 عاما، وانهكه سلم لم يجد جذورا له في نفوس اللبنانيين، رغم مرور 18 عاما على انتهاء النزاع المسلّح.

في عام 1987، بدأت مجموعة طلاب لبنانيين العمل على القيام بنشاطات متواضعة للتعبير عن رفضهم الحرب. وبعد نشاط تلو الآخر، ازداد عزمهم وكبرت طموحاتهم، فوضعوا في 21 سبتمبر (ايلول) 1989، الميثاق التأسيسي لتجمّعهم الذي صار اسمه «حركة السلام الدائم» وهي منظّمة غير حكومية، اكتسبت العلم والخبر في عام 1991 اي عند تطبيق وقف اطلاق النار في البلاد. «كان حسّنا انسانيا. أردنا القول لا للحرب»، يقول مؤسس الحركة ورئيسها فادي ابي علّام، الذي أمضى يوما مع عدد من الصحافيين والمهتمين في متابعة المواضيع المتّصلة بفضّ النزاعات، روى فيه قصّة الحركة ونشاطاتها. ويقول «نحن (الساعين الى السلام) لسنا اقلية، نحن الاكثرية رغم كل ما يسود البلاد من انقسامات». وبابتسامة هادئة يواصل حديثه: «الحلم والشباب سيّان. لا شباب من دون احلام (...). كنّا طلابا لم نرَ أنفسنا ننضمّ الى احزاب في تلك الفترة، لأن كل الاحزاب تحوّلت ميليشيات فيما نحن كان همّنا السلام. أقمنا حواجز محبّة ووزّعنا الورود. وكثّفنا نشاطاتنا ضمن الجامعة وعملنا على فضّ النزاعات بين طلاب الجامعة رغم اننا لم نكن اختصاصيين في اساليب فضّ النزاعات. كان نشاطنا عفويا بامتياز».

ومن الجامعة انطلق هؤلاء الشباب نحو رحاب الوطن أو ما بقي من اشلائه. ارادوا احداث خرق. أرادوا القيام بنشاطات تتعدّى منطقة المتحف التي كانت نقطة التماس في بيروت بين المناطق المفروزة طائفيا. فكان التحدّي ان يزور احد الناشطين في الحركة غسان السوقي وهو درزي، مركز حزب مسيحي يميني ليحدّث شاغليه عن السلام وحلّ النزاعات، فيما كان ابي علام ممنوعا من التوجه الى الجبل لأنه مسيحي. ويروي الاخير كيف ان استخدام كلمة «السلام» كان محطّ شكوك، لا بل كان امرا ممنوعا، لأنه كان مرادفا للسلام مع اسرائيل وهدر الحقوق. ويذكر أنه في المؤتمر الصحافي الاول الذي عقده ورفاقه لاطلاق حركتهم، سئل عن الفرق بين حركتهم و«حركة السلام الآن» الاسرائيلية. ويشرح بإسهاب انه في البداية ركّز الشباب عملهم على «الفصل بين استراتيجية السلام الاسرائيلية التي تبدأ بالتطبيع ثم الترتيبات الأمنية ثم الانسحابات من الاراضي. فيما ان استراتيجية السلام العربية تبدأ بالانسحاب وتنتهي بالتطبيع مرورا بالترتيبات الامنية. أما نحن فكان همّنا ارساء ثقافة السلام في عقول اللبنانيين ليحسنوا التعامل في ما بينهم، لأننا نؤمن بأن السلام هو حركة دائمة يمكن كلّ فرد ان يضيف جديدا اليها. فكان مؤتمرنا الاوّل تحت عنوان «كلّنا نبني السلام». فلا يمكن ان ننسى ان بين العامين 1975 و1991 كانت 27 حربا مختلفة وبين خطوط التماس سقط آلاف الضحايا». وفيما يذكر ان في عام 2002 اقرّ الأمين العام للامم المتحدة «كوفي انان ان الأمن والسلم الدوليين ليسا مسؤولية الامم المتحدة او المجتمع الدولي وحده، لأن ذلك يحتاج الى شراكة عالمية. فكانت المبادرة التي ساهمت في تعزيز دورنا على الصعيد الدولي».

واضاف: «يجب الا نقف على حياد حين نرى ان يوميا يسقط ما يقارب 1000 شخص حول العالم بسبب النزاعات». وبعد المشاركة في ورش تدريبية مختلفة، خصوصا بالتعاون مع مكتب الامم المتحدة في لبنان، تطوّر دور الحركة حتى تعدّى العمل النطاق الداخلي، فاختيرت للتدريب في الاردن ومصر والجزائر وقبرص واليمن والسودان. أما اليوم فيتركّز النشاط من جديد على الداخل اللبناني الذي شهد أحداثا مؤسفة في مايو (ايار) الفائت «لأن المصالحة وحدها لا تكفي، متابعة العيش معا هو الأهم. لذلك تعمل الحركة على القيام بنشاطات تدريبية لإرساء ثقافة السلام في قرى الشوف وعاليه في موازاة العمل مع المدارس والجامعات، التي تحوّلت ارضية خصبة للنزاعات، فضلا عن التدريب في المخيمات الفلسطينية»، ويختم ابي علّام مؤكدا اهمية تنظيف الارضية اللبنانية، لئلا تتحوّل أرضا يابسة تشتعل فيها نيران الحرب سريعا.