«الحق في اللعب».. إعادة البسمة إلى أصحابها

جمعية عالمية تتوجّه إلى أطفال المجتمعات الفقيرة والمحرومة

تعتمد الجمعية على العاب شعبية يمارسها الأطفال منذ مئات السنين («الشرق الأوسط»)
TT

تطبيقا لمبدأ حق الأولاد المشروع بعيش حياة ملؤها اللعب والفرح بعيداً عما يغزو أيامهم من مشاكل وحروب تسرق منهم ضحكتهم، تعمل جمعية «الحق في اللعب» على تكريس هذا المبدأ وإعادته إلى أصحابه متجاوزة كل العوائق التي قد تحرم الأطفال من أدنى حقوقهم. غير أن اللعب حسب برامج الجمعية، التي تتخذ من لبنان مقراً إقليمياً لها في الشرق الأوسط منذ شهر مارس (آذار) 2006، ليس نشاطاً عبثياً من دون هدف، بل أن المتطوّعين الموزعين على 23 بلداً، من بينها أربع دول عربية هي لبنان وفلسطين والأردن والإمارات العربية المتحدة، يعملون وفق قواعد وأسس محددة ومدروسة. إذ ترسل التوجيهات والقرارات من المركز الرئيس للجمعية الواقع في كندا الى كل المكاتب الوطنية والإقليمية في العالم ليعمل بها في المجتمعات المستهدفة، بعد أن يضعها الفريق الميداني في الجمعية المؤلف من نخبة من المعلمين والمدربين يتمتعون بخبرة عالية في هذا المجال. وبذا تلعب الجمعية التي أسسها الرياضي النرويجي يوهان أولاف كوس عام 2003 واستحوذت على دعم مجموعة من الرياضيين الدوليين، دور صلة الوصل بين الأولاد الفقراء ومن هم تحت رعايتهم ويتولون تعليمهم، وذلك من خلال تنظيم دورات لهم وإرشادهم الى أسلم السبل الواجب اتباعها في التعامل مع الأطفال، بتمويل من وزارة الخارجية النرويجية.

المنسّق الإقليمي للتدريب في الشرق الأوسط فادي يماني والمنسقة الإعلامية ماريا أسمر يؤكدان أن الرياضة وسيلة فعالة لايصال رسائل مهمة للأولاد ومهارات حياتية كالثقة بالنفس والعمل ضمن فريق والاندماج في المجتمع والتمتّع بالروح الرياضية. وبناء عليه، يهدف تركيز نشاط الجمعية على اللعب لكي يكتسب الأطفال من خلاله، اضافة الى الفوائد الجسدية، المرونة في التكيّف مع من حولهم والتواصل السليم مع المعلّم أو المدرّب الذي يتسلّم من الجمعية «حقيبة اللعب» التي تضم أدوات اللعب وكتباً تفسّر قواعد تطبيقها بعد خضوعه لدورات تدريبية، شرط أن يبقى بعد ذلك على تواصل دائم مع الجمعية للاطلاع على حسن سير العمل وحلحلة المشاكل التي تواجهه. ويضيف يماني: «نعتمد في كثير من البرامج على ألعاب بدائية كان يلعبها الأطفال منذ عشرات السنين مثل القفز على الحبل أو الغميضة...، لكن الجديد الذي أضفناه الى هذه الألعاب هو تنفيذها بطريقة علمية للوصول الى نتائج ملموسة في شخصية الطفل. وهذا ما اعتمدناه أيضا في تطويرنا برامج الرياضة في دبيّ، حيث أجرينا تعديلات وأدخلنا رياضات اضافية الى المدارس بما يتناسب مع المشاكل التي يعانيها أطفال هذا البلد، ولا سيما السمنة والسكريّ، وذلك بناء على طلب من الأميرة هيا بنت الحسين عقيلة حاكم دبي ودعمها المادي والمعنوي، وتركت هذه التجربة نتائجها الايجابية والمرغوبة في المجتمع وبين الأطفال». وتضيف أسمر «كذلك نركّز في الدرجة الأولى على رمزية الكرة التي تمثّل شعار الجمعية وكتب عليها «اعتن بنفسك... اعتن بغيرك»، على اعتبار أنها اللعبة التي يحبها الأطفال وتبقى في متناول الجميع وهي متعدّدة الاستعمالات من دون تمييز بين فقير وغني».

ويعدّد يماني ألوان الكرة الخمسة التي تعتمد عليها لتفعيل أهدافها على حوالي 150 لعبة ونشاطاً موجهة الى الأولاد من مختلف الأعمار بحسب الفئات والاحتياجات، اضافة الى ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي موزّعة وفقا للأهداف التالية: «الأحمر يتوجه الى عقل الطفل وتنمية إدراكه، والأسود للجسد والمرونة واللياقة البدنية، والأزرق للسلام والتفاعل الاجتماعي، والأخضر يمثل الصحة والبيئة، والأصفر يرمز لصفاء الروح والراحة النفسية». وفي لبنان كانت مهمة «الحق في اللعب» مزدوجة، وموجهة الى مجتمعين مختلفين ومتشابهين في الوقت عينه، هما المجتمع الفلسطيني والمجتمع اللبناني في أكثر المناطق اللبنانية بؤساً وفقراً، ولا سيما في المخيمات التي تؤوي عائلات فقيرة ومحرومة. لكن التعامل لا يختلف بين بيئة وأخرى أو بين منطقة وأخرى، ويتواصل أعضاء الجمعية مع الأطفال عبر الجمعيات الأهلية التي هي على علم بما يدور في خفايا هذه المجتمعات وتعمل على تحسين أوضاع أبنائها. من الشمال الى الجنوب مروراً ببيروت حيث تتوزّع مكاتب الجمعية، يتنقّل المتطوعون، حاملين في جعبتهم مهمة نشر ثقافة اللعب المنبثقة من شرعة حقوق الإنسان ومبادئ الألعاب العالمية للسلام، من خلال النشاطات الرياضية والترفيهية التي أقيمت في هذه المناطق، وجمعت أطفالاً من مختلف الأعمار وصل عددهم الى حوالي 40 ألف طفل درّبهم ما يقارب 200 مدرّب تلقوا بدورهم دورات على أيدي متطوعين في جمعية «الحق في اللعب»، التي أدخلت أيضاً ضمن برامجها نشاطات بيئية. والنتيجة، بالتأكيد، وصلت الى الغرض المطلوب. وأبرز مفاعيل هذا الانصهار المبني على مبدأ اللعب بين أطفال الوطن العربي الواحد كان توقيع الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين في المخيمات اللبنانية على وثيقة الأونيسكو (اليونيسكو) التي تتضمّن كل البنود المتعلّقة بثقافة الحوار واللاعنف، متخطين بذلك زعماءهم الذين تتحكم بعلاقاتهم المصالح وخلفيات الخصام والتناحر من دون أن ينجحوا الى الآن في ترسيخ مبدأ الأخوة والسلام في ما بينهم.