البرد والمطر.. يغيران عادات المغاربة

حميمية عائلية أكبر خلال الشتاء.. والأكلات الثقيلة تسترجع مجدها

ساحة جامع الفنا في مراكش، وقد بدت خالية من الناس بسبب سوء الأحوال الجوية («الشرق الأوسط»)
TT

تفرغ شوارع العاصمة المغربية الرباط أو الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب، من المارة هذه الأيام في ساعات مبكرة من المساء. وتغلق المحلات التجارية أبوابها أحيانا قبل الثامنة مساء، فتكاد المقاعد الموجودة على الأرصفة تختفي أو يختفي عنها الزبائن، بينما تعرض المحلات التجارية في واجهاتها أحدث الملابس الشتوية. هذه المظاهر تصاحب التغيّرات التي تطرأ على عادات المغاربة كل شتاء، وهي وفي مطلع الشتاء الحالي جاءت التغيّرات بصورة مفاجئة، بعدما داهمت أمطار غزيرة مصحوبة بالبرد والرياح أغلب المدن المغربية خلال الأسابيع الأخيرة.

أمطار هذه السنة أدهشت في الواقع كثيرين، ليس فقط لغزارتها وتسبّبها بحوادث قاتلة وخسائر فادحة، بل لأنها أيضاً جاءت من دون سابق إنذار، وهو ما جعل كثيرا من الناس يسرعون إلى خزائن منازلهم بحثاً عن ملابسهم الثقيلة، لكي تقيهم البرد الثقيل القارس، وتحميهم ما أمكن من بلل المطر الغزير. لقد كان لافتاً أن أسواق الألبسة المستعملة في عدد من المدن المغربية، ولا سيما المدن الكبرى، ازدحمت عن آخرها بالمتسوّقين خلال الأيام الأولى للأمطار، وهو ما يعني أن الناس لم يكونوا على أتم استعداد لاستقبال المطر.

وفي هذا السياق، يجدر القول إن انتشار تجارة الثياب المستعملة خلال السنوات الأخيرة بات ظاهرة مثيرة. وغالباً ما تكون هذه الثياب في حالة جيدة، وأحياناً من ماركات عالمية شهيرة، وهي توجّه أساساً كمساعدات من البلدان الغنية نحو بلدان العالم الثالث، غير أن شبكات محترفة حوّلتها في السنوات الأخيرة إلى بضاعة للاغتناء عبر عرضها في أسواق شعبية بأسعار رخيصة في متناول الجميع.

المحلات الممتازة للألبسة الجاهزة الجديدة، عرفت بدورها حركة غير عادية، واستقبلت زبائنها المتميزين الذين يبحثون كل شتاء عن ملابس جديدة راقية ومنسجمة مع تيارات الموضة العالمية. ومع لحظات البرد الأولى في المغرب، بدت أسواق «توين سانتر» أو «مانغو» في الدار البيضاء أو المتاجر الراقية في «أكدال» بالرباط، مختلفة تماماً من حيث شريحة زبائنها عن أسواق «سوق الكلب» في سلا، المجاورة للرباط، أو السويقة في الرباط أو «كاسبراطا» في طنجة، التي تعتبر ملاذاً حقيقياً للفقراء، وحتى لأفراد الطبقات الوسطى التي تبحث عن ألبسة جيدة بأرخص الأسعار.

عادات المغاربة في الأكل تتغيّر أيضاً خلال الشتاء. فغالباً ما يصبح الناس أكثر ميلاً لتناول وجبات الطعام في منازلهم عوض التوجه للمطاعم، مثلما يحدث صيفاً أو خلال الأيام التي تكون فيها الحرارة معتدلة.

ويفضل الناس إعداد وجبات خاصة بالشتاء، وهي تتركز أساسا على الوجبات التي تعدّ ثقيلة، مثل الوجبات المعدة من القطاني (أي الحبوب والبقول، كالعدس والقمح.. إلخ). وتنفتح شهية الكثير من المغاربة لأكلة «البيصارة»، التي كانت في الماضي حكراً على مناطق شمال البلاد، لكنها أصبحت اليوم من الوجبات الأكثر شعبية في عموم البلاد، إذ غدت تحضّر في مناطق سوس جنوباً أو في وجدة شرقاً بنفس المهارة التي تعد بها في الشمال. وعادة ما تكون الوجبات المعدة من القطاني لا تحتمل صيفاً، فتتحول مع قدوم البرد إلى وجبات محبوبة وتسترجع مجدها التليد، خصوصاً أنها تحضّر في المنازل، ولا يمكن العثور عليها مطهوة بنفس الجودة في المطاعم.

أيضاً عادات التجوال لدى الناس تتغير أيضا شتاءً، إذ يفضل الكثيرون، مجبرين في غالب الأحيان، التوجه إلى منازلهم باكراً عوض الجلوس على أرصفة المقاهي أو المشي من دون هدف. ومن حسن حظ ربات البيوت اللواتي يملنَ إلى الحياة الحميمية والعائلية، أن شمل العائلة يجتمع شتاءً لفترات أطول مما هو عليه الحال صيفاً. وتقول سمية، وهي ربة بيت لم تشتغل يوماً خارج المنزل رغم حصولها على مؤهل جامعي، إذ أن زوجها وأبناءها «أصبحوا أكثر حضوراً داخل المنزل شتاءً.. وما زاد من فترة حضورهم هو كثرة الأمطار الأخيرة المصحوبة بالبرد، وأيضا بث مباريات كثيرة لكرة القدم من البطولات والمنافسات الأوروبية والمحلية، وهو ما جعل الدفء العائلي يعود بفضل البرد والمطر والكرة».