محاكمة المتهمين في مقتل سوزان تميم: تشكيك في الأحراز وتناقض في الأقوال

الجلسة الثالثة اليوم.. بعد محاولة الزج باسم جمال مبارك أمس

رئيس المحكمة القاضي قنصوه (يسار) لدى تسلمه بعض الوثائق خلال جلسة أمس (ا ب ا)
TT

بآذان مصغية من خلف القضبان لما يدلي به الشهود في القضية، وبثياب الحجز البيضاء وبكوفية بيضاء أيضاً، وبثقة متزايدة عن السابق، بدا رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، المتهم بالتحريض والمساعدة على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، أكثر تصميما وثباتا على أقواله التي يتمسك بها منذ بدء التحقيقات معه في النيابة المصرية منذ نحو 90 يوما «إنه بريء من التهم المنسوبة إليه». بل إنه خاطب القاضي في جلسة أمس قائلاً إنه يخشى أن يؤدي الإعلان عن مضمون مكالمات هاتفية بعضها صادر من هاتفه وبعضها وارد إليه من هواتف أخرى، جرت في الشهور السابقة على مقتل سوزان تميم، إلى الكشف عن أسرار تخص شركاته «ما يؤدي للإضرار بها واستفادة منافسين منها». لكن هيئة المحكمة ردّت عليه بـ «إن عليه ألا يتحدث بدون إذن»، غير أنها علقت بعد جلسة قصيرة بغرفة المداولة «أن الرسائل والمكالمات لا تتعلق بشخصك».

خلال ذلك أشار مصطفى بيده إشارات تعبر عن ارتفاع معنوياته وثقته بنفسه لعدد من أقاربه ممن كانوا داخل قاعة المحاكمة، بينما طلب المتهم الأول بقتل تميم، أي ضابط الشرطة المصري السابق محسن السكري، في ثاني جلسات محكمة جنايات القاهرة في القضية أمس، من المحكمة أن تسمح بإثبات مقاسات قمصان (تي شيرتات) كانت ضمن أحراز القضية التي وردت للمحكمة، وكانت من مقاسات وألوان مختلفة.

المحكمة قرّرت تأجيل القضية إلى اليوم (الأحد) لاستكمال سماع شهادات الشهود في القضية، وذلك بعدما فضّت مزيدا من الأحراز من تلك التي كانت النيابة المصرية، قالت إنها عثرت عليها في منزل محسن السكري، من بينها مسدس ماركة «زد» عيار 56 ملم، وحقيبة سمسونايت وأخرى جلدية إضافة لحذاء و13 قميصا (تي شيرت). كما استمعت المحكمة لشهادة المقدم سمير سعد، من «إنتربول القاهرة»، والذي تولى إلقاء القبض على السكري، ومن المقرّر أن تستكمل الاستماع لأقوال باقي الشهود والذين يصل عددهم لنحو 12 شاهداً آخرين لجلسة اليوم (الأحد).

وقال المقدّم سعد في شهادته: إنه بتاريخ 6 أغسطس (آب) من العام الجاري، وتنفيذا لطلب شرطة «إنتربول أبو ظبي» تم ضبط المتهم الأول محسن السكري لارتكابه جريمة قتل المجني عليها سوزان تميم بإمارة دبي. وأضاف المقدم سعد أنه تمكن من ضبط المتهم (السكري) بدائرة قسم شرطة قصر النيل، وبعرضه على النيابة العامة أمرت باصطحابه إلى مسكنه الكائن بمدينة الشيخ زايد للإرشاد عن المبلغ النقدي الذي تقاضاه مقابل ارتكاب الجريمة، حيث سلمه المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى مبلغ مليون وخمسمائة وأربعين ألف دولار أميركي بداخل حقيبة جلدية كان يحتفظ بها داخل فرن موقد الطعام، كما سلمه مبلغ 5 آلاف دولار كان يضعها بحافظة نقوده. وتابع المقدم سعد قائلاً إن المتهم المذكور (السكري) انتقل بعد ذلك إلى بنك «اتش اس بي سي» فرع العروبة حيث قام بسحب مبلغ 300 ألف دولار أمريكي كجزء من المبلغ مقابل ارتكابه الجريمة.

وأضاف سعد أن المتهم (السكري) قرّر أنه سلّم شقيقه أشرف السكري مبلغ 110 آلاف دولار أميركي، وسلم شريكيه في العمل محمد سمير عبد القادر 40 ألف دولار أميركي، ودفع خمسة آلاف دولار في سداد قيمة تذاكر السفر (الذي كان يعتزم القيام به) إلى البرازيل. ثم قال إنه ونفاذاً لإذن النيابة العامة المصرية بتفتيش سكن المتهم بمنتجع «كنتري كلوب» عثر على حقيبة جلدية بداخلها جهاز كمبيوتر محمول وسلاح ناري مسدس فيه خزينة بداخلها ست طلقات وأخرى فارغة وعدد 23 طلقة نارية ومظروفان فارغان، إضافة لبعض المستندات منها إيصال إيداع مبلغ 300 ألف دولار لدى بنك «اتش اس بي سي» وتذاكر سفره من القاهرة إلى البرازيل. وأنه بمواجهة المتهم السكري أقر بحيازته للسلاح الناري والطلقات المضبوطة.

وفي وقت مبكر من صباح أمس حضر السكري، في حوالي الساعة السابعة والربع، في سيارة ترحيلات آتية من مقر احتجازه بسجن مزرعة طرة، جنوب القاهرة، إلى حيث مقر المحاكمة في منطقة باب الخلق بوسط العاصمة المصرية. وبعد نحو عشر دقائق حضر المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى، حيث استغرقت جلسة المحاكمة نحو خمس ساعات.

وفي محاولة للزج باسم جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، في القضية طلب مدّعون بالحق المدني في القضية باستدعاء قيادات كان المتهمان (السكري ومصطفى) يعملان تحت رئاستها، سواء في ما يتعلق بالمتهم الأول السكري، الذي كان يعمل في جهاز مباحث أمن الدولة، أو مصطفى الذي يشغل عضوية أمانة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. إذ طلب محام غير معروف حضر جلسة أمس بصفته كمحام، حضور أمين السياسات، جمال مبارك، للمحكمة لسماع شهادته عن هشام طلعت مصطفى كون الأخير عضواً بتلك اللجنة، في حين أكد محامون من هيئة مكتب طلعت السادات، محامي عادل معتوق (زوج تميم) أنهم لم يشيروا في جلسة أمس إلى طلب حضور أمين السياسات. كذلك قلل سمير الششتاوي، المحامي الذي كان مدعيا بالحق المدني لصالح والد سوزان تميم ثم قرر الانضمام للدفاع عن مصطفى، من جدية ما تردّد عن طلب حضور جمال مبارك. وعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «لم يطلب أحد شهادة جمال مبارك، ولكن ما حدث هو أن أحد المحامين ممن ليسوا موكلين في القضية، قال إنه ما دام هشام عضوا بأمانة السياسات، فلماذا لا نستمع لشهادة أمين السياسات عنه». وهذا كان بشكل عابر وغير أساسي في الموضوع. أما حافظ فرهود محامي هشام طلعت مصطفى، فذكر أن كثيرين من المدعين بالحق المدني يحاولون إخراج القضية عن تكييفها كجريمة جنائية، وأن البعض يريد تحويلها إلى قضية سياسية على غير الحقيقة.

وقال مدعون بالحق المدني، من مكتب طلعت السادات، إنهم يرون أنه من المهم الاستماع إلى شهادات عن سلوك المتهمين خلال فترة عملهما الوظيفي (بالنسبة للسكري) والسياسي والاقتصادي (بالنسبة لمصطفى). كما قدم محامون عن عادل معتوق إلى المحكمة «إعلام وراثة» قالوا إنه صادر من المحكمة السنية الشرعية بلبنان، ومصدّق عليه من وزارتي الخارجية اللبنانية والمصرية، وأنه يتضمن أسماء الورثة الشرعيين للمطربة اللبنانية الراحلة وهم: والدها ووالدتها وزوجها عادل معتوق. واعتبر محامو معتوق أن «إعلام الوراثة» لسوزان تميم يبطل أي ادعاء مدني من رياض العزاوي بكونه زوجاً لها أو أنه يستحق الحصول على جزء من تركتها أو غيره من المدعين بالحقوق المدنية، وهو الأمر الذي اعترض عليه محامو العزاوي وعدد من المحامين المدعين بالحقوق المدنية بصفتهم الشخصية، إذ طعنوا في «إعلام الوراثة» وطالبوا بعدم اعتداد المحكمة به.

هذا، ورفض رئيس المحكمة المستشار محمدي قنصوه إثبات حضور جميع المحامين غير المصريين، عدا الحاصلين منهم على موافقة من وزارة العدل المصرية، وعددهم 4 محامين من دولة الإمارات. كما رفض السماح لمحام بريطاني الجنسية عن رياض العزاوي بإثبات حضوره، مشدداً على أن المرافعات أمام القضاء المصري تكون باللغة العربية وحدها وليس بأية لغة أخرى.

وجاءت طلبات المدعين بالحقوق المدنية شبه موحّدة من حيث قيمة التعويضات المادية، حيث طلب كل منهم بتعويض مادي قدره 5001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت من أحد المتهمين السكري ومصطفى أو كليهما، بينما جدد المحامي نبيه الوحش طلبه بتعويض ملياري جنيه من المتهمين لتخصيصها لصالح الفقراء المصريين.

ومن ناحية أخرى، التمست النيابة المصرية من المحكمة إخراج كل من ليس له صفة أو مصلحة من الدعوى، وردت على طلبات المدعين بالحقوق المدنية بقولها في جلسة أمس إن نصوص القانون حصرت وقصرت الادعاء المدني المباشر على من وقع عليه ضرر شخصي مباشر فقط. وأنه يشترط لتحريك الدعوى المدنية توافر الصفة والمصلحة الشخصية، مشيرة إلى أن هناك من المدعين بالحقوق المدنية مَن يحاولون إخراج القضية من مسارها الحقيقي الذي بدأت به وهو محاكمة من هم وراء قتل سوزان تميم.

وطلب فريد الديب، محامي هشام طلعت مصطفى، من المحكمة التصريح له بمشاهدة الشرائط الأصلية كاملة والخاصة بكاميرات المراقبة الموجودة في العقار يوم مقتل المطربة اللبنانية، وعدم الاكتفاء بإتاحة التسجيلات التي يظهر فيها ما يُعتقد أنه محسن السكري. وأشار إلى أن تحقيقات دبي أكّدت أن الكاميرا سجلت 12 دقيقة، منها 8 دقائق لم يظهر فيها أي شخص أمام الكاميرات.

كذلك طلب الديب الاستماع إلى شهادة واضع التقرير الطبي الذي تولّى تشريح جثة سوزان تميم، وكذلك مناقشة الطبيبة التي وضعت رأيها بخصوص الدماء والبصمة الوراثية المضبوطة على ملابس تميم، التي قيل إنها تخصّ محسن السكري. وقال قائل إن القميص الذي أرسلته نيابة دبي للنيابة المصرية، ليس هو نفس القميص الذي قيل إن عليه بصمة وراثية تخص السكري مختلطة بدم المطربة اللبنانية. وطالب الديب المحكمة بتفريع الهاتف المحمول الخاص بتميم لأهميته في القضية.

كذلك طلب الديب من المحكمة سماع شهادة قاطني ثلاث شقق في الطابق العشرين من «برج الرمال» الذي قتلت فيه تميم، مشيراً لوجود تضارب في أقوال السكان هناك. وبدا من دفوع فريد الديب أنه يعتمد على أن براءة موكله هشام طلعت مصطفى تعتمد على براءة المتهم الأول محسن السكري. وردت النيابة المصرية على طلبات المحامين بقولها إنه ليس من حق الدفاع عن المتهمين أن يقطع بكون الملابس التي تم العثور عليها ليست هي الملابس التي سبق ضبطها دون أدلة دامغة، مشيرة في نفس الوقت إلى أنها (النيابة) قامت بالفعل بإجراء قياس ظاهري للملابس وقياسها على محسن السكري إلا أنها لم تشأ أن يرتديها حفاظاً عليها باعتبارها أحد الدلائل. وطلبت النيابة بتوجيه تهمة القتل العمد للمتهمين.