«السحابة السوداء» ضيف ثقيل على صدور المصريين

روجت حس السخرية في الصحف و«القفشة» لدى رجل الشارع

قطرة حريق تصب في تكوين السحابة الثقيلة فوق القاهرة
TT

ضيف ثقيل يجثم على صدر المصريين مع بداية فصل الشتاء اسمه «السحابة السوداء». فعلى مدى سنوات عديدة لم تفلح جهود المؤسسات المسؤولة في القبض على هذه السحابة، والحد من ألاعيبها المجنونة في سماء مصر. رذاذ هذه السحابة وسعالها الداكن دفع إحدى الصحف المصرية إلى تشبيه وزير البيئة المصري ماجد جورج بشخصية «ديفيد كوبرفيلد» الشهيرة، معتبرة أنه نجح في إخفاء برج القاهرة (أحد أبرز ملامح العاصمة)، وهي بذلك تسخر من فشل جهود وزارته لعشرة أعوام متتالية في مواجهة السحابة.

وتدين الصحافة المصرية للسحابة المجنونة بشيوع روح السخرية والدعابة على صفحات الكثير منها، وهو الأمر الذي امتد إلى رجل الشارع العادي، فأطلق الكثير منهم النكات والقفشات علي السحابة وشقاوتها، حتى تكاد تتحول إلى فلكلور مصري بامتياز، خصوصا بعد محاولة الوزارة مخاطبة الفلاحين بإرسال رسائل قصيرة، لكن تلك الرسائل خرجت عن مسارها وأصبحت توجه إلى مواطنين لا علاقة لهم بالسحابة السوداء إلا كونها تخنق صدورهم.

ورغم تأكيد وزارة شؤون البيئة انخفاض حرائق قش الأرز، المسبب الأول للسحابة، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة، فحسب أحدث التقارير التي تصدر عن الوزارة نفسها شهدت محافظة الدقهلية على سبيل المثال انخفاضا كبيرا في معدلات حرق القش، فهذا العام شهدت خلال شهر أكتوبر (تشرين الاول) 86 حريقا، مقارنة بـ178 في العام الماضي، ومثلها في الشرقية التي شهدت 107 حرائق في العام الماضي، وهذا العام 50 حريقا وهي كلها أرقام مبشرة إلا أن الظاهرة ما زالت موجودة ولم تنته وهو ما يقلق المواطنين.

تزداد حدة السحابة السوداء خلال شهري أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وهي الفترة التي تصبح فيها مستشفيات الأمراض الصدرية على أهبة الاستعداد لاستقبال المتضررين من السحابة ونزقها والتي يحتاج فيها بعض المرضى لأجهزة تنفس صناعي.

ورغم حديث بعض المسؤولين عن انخفاض هجوم السحابة على صدور المصريين، إلا أنهم يعترفون بفشلهم في إحالتها إلى التقاعد، أو إدخالها مصحة للأمراض العقلية، وفي كل الأحول يكررون تأكيداتهم على ضرورة استمرار جهود مكافحتها حتى تتمكن البلاد من تفادي كارثة.

وحسب أحمد أبو السعود، وكيل وزارة البيئة المصرية «فإنه بالرغم من أن السحابة السوداء قد غطت سماء القاهرة العام الماضي لعشرين ساعة فقط مقارنة بـ 100 ساعة عام 1999 إلا أن الجهود الرامية لمكافحتها يجب أن تتواصل وتتزايد وإلا قد تعود السحابة للظهور لـ 100 أو 150 ساعة في العام المقبل أو العام الذي يليه وتتسبب في أخطار صحية جسيمة». وتشهد مدينة القاهرة نشاطا بشريا كبيرا يساهم في زيادة تلوث البيئة خصوصا مع توافر الظروف الجوية المساعدة على ذلك، كما أن قيام المزارعين بحرق قش الأرز في هذا الوقت من العام يعتبر أحد المسببات الرئيسية لهذه السحابة، حيث يقوم المزارعون بحرق قش الأرز لتهيئ أراضيهم للموسم المقبل، وهم يقومون بحرق أربعة أطنان من القش في وقت قصير بحيث يتسبب الدخان المنبعث عنها في 40 بالمائة على الأقل من نسبة التلوث في هذا الوقت من العام.

وتتكرر ظاهرة الانقلاب الحراري في فصل الخريف مما يؤدي إلى عدم قدرة الملوثات على الارتفاع إلى الأعلى والانتشار في الجو»، فطوبوغرافيا المنطقة تزيد من تفاقم المشكلة، حيث «تقع القاهرة بين منطقتين مرتفعتين هما جبل المقطم من جهة ومرتفعات 6 أكتوبر الواقعة على هضبة الفيوم من جهة أخرى مما يتسبب في بقاء الملوثات محجوزة في الوسط»، ما دفع البعض إلى الدعوة لتفجير المقطم أو عمل ممرات به تسهم في مرور الهواء. وحسب شبكة الأنباء الإنسانية «إيرين» التي تصدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن إنبعاثات السيارات تلعب دورا كبيرا في التلوث الذي تعاني منه القاهرة، حيث يصل عدد السيارات بالمدينة إلى حوالي 2.1 مليون سيارة وتقول وزارة البيئة إنها تعمل على الحد من التلوث الناتج عن السيارات، من خلال تشجيع الناس على التحول لاستعمال الغاز الطبيعي كوقود للسيارات.

ويوجد في مصر الآن 85 ألف سيارة تعمل بالغاز الطبيعي وأكثر من 115 محطة تزويد بالغاز الطبيعي في 17 محافظة. ووفقا لموظفي القطاع الصحي، تشكل السحابة خطرا كبيرا على الصحة حيث تتسبب في مشاكل تنفسية كثيرة. وأفاد محمود عبد المجيد، مدير مستشفى الأمراض الصدرية في العباسية أن «عدد مرضى الربو الشعبي يتضاعف في هذا الوقت من السنة» وأن الكثيرين يصلون الى المستشفى وهم يعانون من «صعوبات في التنفس وسعال وأحيانا من فشل في الجهاز التنفسي يستدعي اللجوء إلى التنفس الاصطناعي». وأضاف أن «القاهرة عموما تشهد ارتفاعا في عدد مرضى الربو الشعبي وأورام الجهاز التنفسي بسبب التلوث»، موضحا أن الأطفال وكبار السن هم أكثر عرضة للأمراض التنفسية الناتجة عن التلوث. وتسعى السلطات المصرية إلى احتواء السحابة السوداء من خلال عدة طرق تتمثل في استعمال قش الأرز كعلف للماشية أو كسماد طبيعي أو في صناعة الورق، لكن المزارعين ينتقدون قلة وجود المكابس الخاصة بعملية تحويل القش، كما تبنت وزارة الزراعة مشروعا للتدوير الآمن لقش الأرز. لكن الفلاحين ينتقدون بعد المصانع عليهم، فهم يعتبرون أن إشعال النار في القش أوفر من نقله إلى المصانع والتي يصل سعر نقله إلى 100 جنيه مصري (حوالي 18 دولارا أميركيا)، وقد يزيد هذا المبلغ حسب المسافة بين المزارع والمكابس، ما يدفع بالفلاحين إلى إحراق قش الأرز، وعدم الاكتراث بإعلان السلطات عن غرامات مشددة تصل إلى11 ألف جنيه مصري (نحو ألفي دولار أميركي). وهي غرامة كبيرة علق عليها أحدهم قائلا «سعر السحابة ارتفع بس فين نصيبنا من الأرباح»!