كولون تبدأ كرنفال الراين لعام 2008

مساع لإشراك الجالية المسلمة فيه

احدى فعاليات الكرنفال ( د. ب. أ)
TT

حسب تاريخ منطقة حوض الراين يعود تاريخ "كرنفال الراين"، الذي تعتبر مدينة كولون، بغرب ألمانيا، عاصمة له إلى ما قبل المسيحية. وفي حين بلغ عمر كاتدرائية كولون الشهيرة (الدوم) الـ780 سنة، يناهز برج الهيليوم في حي إيهرنفيلد بالمدينة المائتي سنة، لكن مع هذا وجد "المسجد الكبير"، المقرر تشييده في ايهرنفيلد أيضاً، مكاناً له بين "المعالم البارزة" للكرنفال هذا العام رغم أن بناءه لم يبدأ بعد.

يوب فيرجيس، عمدة حي ايهرنفيلد، الواقع إلى الغرب من قلب مدينة كولون، قلّد محمد يلدريم، رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية التركي، "أيقونة" تمثل المسجد الكبير يوم الثلاثاء الفائت بمناسبة بدء فعاليات الكرنفال هذا العام. ولقد أضيف المسجد إلى صورة واحدة تجمعه مع أشكال الدوم وبرج الهيليوم وبرج التلفزيون ليحملها مرتادو الكرنفال على صدورهم، وتظهر الصورة المشتركة المعالم المعمارية الأربعة كأشكال ضاحكة تمسك ببعضها كما في قطار الكرنفال الاستعراضي. وإذ دعا فيرجيس المسيحيين والمسلمين في المدينة للاحتفال معاً في الكرنفال تعبيراً عن الوشائج الثقافية التي تربط بين الدينين السماويين، قال يلدريم إنه يعتز بحمل هذه الصورة على صدره.

الجدير بالذكر، أن كرنفال الراين يبدأ كل سنة يوم 11/11 في الساعة 11:11 دقيقة في ساحة «السوق القديم» في كولون ويختتم يوم الاثنين الذي يسبق "أربعاء الرماد" (في فبراير/شباط أو مارس/آذار عادة) بقطار الكرنفال الشهير الذي يحضره كل سنة أكثر من مليوني "بهلول" - أو مهرِّج - . وتعود "البهللة" إلى تقليد قديم يسبق المسيحية، إذ "البهلول" هو الشخص الوحيد القادر على السخرية من السلطة والنظام السياسي في الشوارع دون أن يتعرض للمحاسبة بحجة جنونه. ولهذا نجد الكرنفال اليوم مليئاً بالشعارات السياسية والكاريكاتورات التي تسخر من الساسة والحكومات.

من جهة ثانية، ثمة سحر عجيب وأهمية خاصة للرقم 11 في ثقافة منطقة الراين وفي مدينة كولون على وجه الخصوص. فهو مثبت على شعار المدينة ويؤمن الكولونيون بالمعجزات التي يمكن أن يحققها الرقم، ولذا نجده يدخل في "لجنة الـ11"، وهي اللجنة المنظمة للكرنفال، وفي عدد عذراوات الكرنفال كل سنة (11 عذراء) وفي كل بيت ومقهى وحانة.

ثم أن الرقم 11 هو بين أشهر السنة رقم شهر نوفمبر الذي يبدأ فيه الكرنفال. ونوفمبر وفق الأساطير والتقاليد شهر تذكر الأموات والتأمل والزوال. ولا تناقض حقيقياً بين الموت و"البهللة" والصيام المسيحي لأن الكولوني يؤمن بضرورة تدويخ الرأس طوال فترة صيامه وتأمل الأموات قبل أن تزول حياته. كذلك فنوفمبر هو الخريف الجالب لأفضل الأعناب كما أنه في أساطير المنطقة في فترة ما قبل المسيحية هو شهر آلهة الخمر، ثم غدا في العصر المسيحي يوم القديس مارتن الذي يستهل فترة الصيام البالغة 56 يوماً.

وعند "بهاليل" كولون يرمز الرقم 11 إلى العربدة والتهريج ويشير إلى "واحد جنب واحد" كما هي الحال عند تأدية الأغاني والرقصات الخاصة بالكرنفال. كما يختصر الرقم 11 ("أيلف" بالألمانية) يختصر كلمات المساواة والحرية والأخوة التي رددتها الثورة الفرنسية. ومعروف أن كولون وكذلك "جارتها" دوسلدورف ومعظم مدن الراين مدن ذات ثقافة فرنسية بحكم الاحتلال الفرنسي الطويل لها. ويحمل مصنع عطور"ماء الكولونيا" الأصلي الأشهر الرقم "4711" الذي منحه الأمبراطور نابوليون بونابرت أثناء حملة ترقيم المدينة، وهو اليوم من أشهر ماركات العطور العالمية، تملكه شركة ماورر أوند فيرتس.

يوم الثلاثاء الماضي افتتح الكرنفال بحضور 62 ألف "بهلول" تجمعوا في ساحة الـ"ألترماركت" الواقعة في المدينة القديمة على مقربة من مجرى نهر الراين. وكان منتظراً منذ بعض الوقت أن تطغى المواضيع المتعلقة بالأزمة المالية الدولية وانتصار باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية ونهاية عهد جورج بوش ضمن المواضيع البارزة في فعاليات الكرنفال الذي دأبه رسم أحداث العالم بالتماثيل الكبيرة المعبرة عن واقع الأمور.

وفي العادة يبدأ سكان مناطق الراين الاحتفال بالتدريج وصولاً إلى ذروة المهرجان في الاسبوع الذي يسبق يوم "أربعاء الرماد". إذ تحل "ليلة النساء" في الخميس من ذلك الاسبوع وتستمر الاحتفالات حتى يوم "اثنين الزهور" الذي يليه. كذلك العادة المتبعة أن يوزع قادة الكرنفال، وهم على عربات قطار الكرنفال، نحو 300 ألف شدة زهور و300 طن من "الملبّس" والشوكولاتة على رؤوس المتفرجين.

أما هذا العام، ومع العد التنازلي للكرنفال، فقد هبّت كولون قبل شهرين عن بكرة أبيها ضد تجمّع عالمي لليمين المتطرف جاء ليقف علناً ضد بناء "المسجد الكبير" في حي إيهرنفيلد، تلبية لدعوة من منظمة "برو كولون" المتطرفة. إلا أن التظاهرات المضادة أحبطت مساعي المتجمعين واضطر قادة اليمين المتطرف، وبينهم المرشح الرئاسي الفرنسي جان ماري لوبن والاميركي روبرت تافت إلى مغادرة المدينة، بعدما عجزوا عن العثور مطعم أو فندق يستقبلهم. وإذ ساهمت حانات المدينة بشعار "لا شراب للنازيين" امتنع سائقو سيارات الأجرة (التاكسي)عن نقل المشاركين في الاجتماع المناهض للإسلام.

ومما يذكر أنه كان من المفترض أن يباشر ببناء المسجد عام 2007 في مقر الاتحاد الإسلامي التركي في حي ايهرنفيلد، لكن العمل تأخر بسبب الجدل الدائر في مجلس المدينة حول حجم المسجد وارتفاع منارته. وبعدما ذكّر رأفت اوزتورك، الناطق الرسمي باسم الاتحاد بأنه من حق المسلمين الحصول على "بيت" لهم في مدينة كولون حيث يعيش نحو 100 ألف مسلم (10نحو % من سكان المدينة). فإن أعمال البناء ستبدأ عام 2009 وينتظر أن يكون طابقان من طوابق تحت الأرض تحت الأرض ضمن شروط المدينة لخفض ارتفاع المنارتين دون الحاجة لتقصيرهما. كذلك وضعت المدينة شروطاً للبناء تفترض تحول المسجد إلى ملتقى للحوار بين الأديان وإلى أن يضم مدرسة بالألمانية للقرآن وإلى مركز ثقافي.

هذا، ويحظى الاتحاد الإسلامي التركي بدعم الحكومة التركية، ويعتبر أكبر الاتحادات الإسلامية في ألمانيا. وكان قد خصص عدة ملايين من الدولارات لبناء المسجد الجديد أشار إلى إنها جاءت من تبرعات واشتراكات الأعضاء الذين يزيد عددهم عن المليون تركي. أما عن تصميم المبنى، الذي سيصبح أحد معالم كولون المعمارية، يبدو أن القرار قد استقر على بناء النموذج الذي صمّمه البروفسور غوتفريد بوم من كولون. ويتألف المسجد، حسب هذا النموذج، من قبة ارتفاعها 28 متراً ومنارتين ترتفعان 55 مترا عن الأرض، بجانب مجمع رياضي وقاعة صلاة رئيسية تتسع إلى 2000 مصل. وألحق بالبناء مرآب للسيارات يتسع لوقوف 120 سيارة.