فنانة بصناعة خبز الصَّاج.. ورثتها عن أمها وتعلمها لحفيداتها

أم حسن.. تتغلب على حرارة الموقد بأنامل منتجة

أم حسن ورثت صنعة خبز الصاج من جدتها لأمها، وبدأت في تعليمها لبناتها وحفيداتها («الشرق الأوسط»)
TT

مع أجواء طقس الأحساء الحارقة وعلى حرارة لهب الموقد الذي اعتلته قطعة الصاج، وهي ما تسمى «التاوة» في لهجة الأحسائيين ودول الخليج العربي، تتربع الحاجة أم حسن سيدة في عقدها الخمسين، ومن حولها حفيداتها الصغيرات تجمهرن بجانبها، لمشاهدتها وهي تتفنن في صناعة خبز الصاج، أو كما هو شائع في الأحساء والبحرين خبز «المسح». وترتسم معالم الدهشة على محيا الصغيرات من مدى تغلبها على حرارة نار الموقد، حيث تستعر قطعة الصاج حرارة وبسرعة مُدهشة تأخذ أم حسن كتلةً من العجين بيدها اليمنى، وتضعها على الطرف الأبعد المقابل لها من التاوة، وتبدأ تحورها بشكل دائري، حتى إذا ما وصلت إلى أول نقطة انحرفت الحركة، لتكون دائرة اقصر قطرا وبشكل حلزوني أيضا، حتى تصل إلى المركز، ليتبقى أحيانا جزء من العجينة، فترفعه وتضعه في «الطاسة» وهي إناء معدني. وحتى يجف العجين في وقت واحد، تكون أم حسن قد أزاحت النار إلى خارج التاوة لتخفيف الحرارة عن يدها وحتى تنتظم عملية نضج الخبز. وبعد ذلك وبمهارة فائقة، تزيح أم حسن العجين الزائد بالسكين، وحتى إذا ما نضجت قطعة الخبز، تدخل من تحت طرفها السكين لترفعها إلى النصف، وتثنيها على بعض ومن ثم تثنيها مرة ثانية، ليكون الخبز ربع دائرة، ومن ثم إزاحتها من على التاوة، تماما لتضعها في المنسف، فيتطايرن بها الصغيرات، ليتقاسمنها بينهن في فناء المنزل.

ومع أن صناعة خبز التاوة، تعد من أبرز المواريث الشعبية لدى أهالي مدينة الأحساء شرق السعودية، وبعض دول الخليج العربي، التي ارتبطت بعاداتهم وخاصة في شهر رمضان المبارك، إلاَّ أنَّ الحاجة أم حسن تعتمد عليها في حياتها اليومية، وتعدها مصدر دخل لها ولأيتامها السبعة، حيث أصبحت تتغلب على حرارة لهب الموقد الحارقة بأناملها المنتجة، والتي تقيها من الحاجة. ولا تزال الحاجة أم حسن، تتذكر المرة الأولى، التي جربت فيها صناعة الخبز بمعاونة من جدتها لأمها، وذلك قبل عشرين عاما في قرية المنيزلة بمدينة الأحساء، حيث اشتهرت نسوة القرى والأرياف الأحسائيات بتلك الصنعة، التي أجادتها البعض دون الأخريات، فتتراوح في مخيلتها كيف لسعتها حرارة الصاج في يدها، وهي تحاول أن تضع العجينة عليها مقلدة الجدة في عملها فاستبعدتها خائفة عليها.

ومع كثرة التدريب والمران، أتقنت أم حسن الصنعة وباتت تنافس الجدة والجارات وسيدات القرية حتى اشتهر صيتها وذاع اسمها بين أهالي المدن، وكثر الطلب على نتاجها، وتعدد زبائنها بين مدن المملكة، وبعض دول الخليج في البحرين وقطر والكويت. وعن أسعار بيع خبز الرقاق تذكر (أم حسن) بأن سعر الكارتون ذي الحجم المتوسط، هو خمسون ريالا، وقيمة العشرة كيلوغرامات بمائة ريال. أما الدخل الشهري فمتفاوت من فترة لأخرى، وأيضاً من قرية لقرية. وفي نهاية شهر شعبان وفي شهر رمضان المبارك يكثر الطلب على خبز التاوة، فترتفع الأسعار فيتراوح الدخل ما بين أربعة إلى خمسة آلاف ريال.

تشير أم حسن إلى أن الكثير من الأهالي في الأحساء، يفضلون تناول خبز المسح مع الثريد (الخبز الممزوج بالصالونة) كما يفضل الكثير من الشباب أكل «الخبز تاوه بالبيض» وحتى بعض الأطفال يعشقونه على مائدة الإفطار مع الحليب الحار.

وتؤكد أم حسن على أن صناعة خبز المسح في هذا الوقت، أسهل بكثير مما مضى، حيث تبدل الوضع من العمل على السعف، وكان السعف دائما ما ينطفئ من الهواء وبعض الأحيان من المطر، أما الآن فالعمل أضمن على الموقد من سعف النخيل. وعن إقبال الناس على الشراء، تقول إنهم كثروا عن السابق حيث كان في الماضي كل بيت توجد فيه سيدة تصنعه، وأما الآن لا يوجد إلا عند بعض النسوة في بعض الأرياف والقرى، وليست كل امرأة تجيده بالشكل المطلوب. وكما ورثت الحاجة أم حسن تلك الصنعة من جدتها لأمها، فقد بدأت في تعليمها لبناتها وحفيداتها اللاتي بدأن المشاركة في المهرجانات المدرسية عبرها.

وبثقة في النفس وإعجاب بالموروث الشعبي وفلكلور الأحساء الأصيل، ورغبة في اقتحام عالم الإنتاج والاستثمارات البسيطة الناجحة. وبخبرتها الطويلة وتجاربها المتعددة ومشاركاتها الفاعلة في العديد من معارض المهرجانات التراثية، ذات الفعاليات النسائية، كما في الجنادرية وفي مهرجانات مدارس البنات وفي الكليات والجامعة والمؤسسات الأهلية، تمكنت أم حسن وبعقليةٍ تجارية نافذة، من أن تتعاقد مع بعض المخابز الأوتوماتيكية والمحلات الغذائية، لبيع نتاجها وتوزيعه بشكل يدر عليها الرزق، ويساعدها على تربية أيتامها وباتت تساهم ضمن كوكبة من سيدات الأعمال، في المحافظة في مجالات الاستثمارات الاقتصادية في البلد. ومع وجود المخابز الأوتوماتيكية ومع حركة التطور الاقتصادي وتوجه المستهلكين، قل الإقبال على شراء خبز المسح المصنوع بالأيدي، لكن يفضل الكثير من الأحسائيين خبز المسح من أيدي نساء معروفات بهذه الصنعة، في قرى الأحساء وبالأخص مع شهر رمضان.