قطر: متحف الفن الإسلامي يختصر 1400 عام من التاريخ بـ800 قطعة فنية نادرة

المعروضات تم تخزينها في ثكنة عسكرية للحفاظ على قيمتها العالية

TT

15 عاما قضتها قطر وهي تجمع القطعة الفنية تلو الأخرى، فلما دقت ساعة الصفر، لم تكن فقط 800 قطعة فنية ثمينة، بل غدت تاريخا اختصر 1400 سنة من التاريخ الإسلامي، اختيرت بعناية فائقة، وتسعى قطر من خلالها للوصول إلى هدفها بأن تكون منارة عالمية للفنون، عبر متحف الفن الإسلامي، الذي دشن أمس في العاصمة الدوحة.

أبرز الحضور كان الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس السوري بشار الأسد، وولي عهد الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح والرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيلة والأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة بالسعودية.

وافتتح الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر المتحف بالتوقيع على أولى صفحات الكتاب الذهبي الخاص بالمتحف، حيث كتب فيها «لقد قدم العالم الإسلامي للحضارة الإنسانية تراثا فنيا وثقافيا وعلميا ومعماريا نعتز به. يضم هذا الصرح الشامخ الذي نفتتحه اليوم بعضا من لمحاته، نأمل أن تجعله مركزا للاستنارة والتعريف بحضارة عريقة عميقة الجذور».

وخلال الافتتاح الكبير، الذي جرى في الهواء الطلق، تخالطت فيه نسمات الربيع مع صوت خرير مياه الخليج العربي، قالت الشيخة المياسة بنت حمد بأن أحد أهم أهداف إنشاء قطر لهذا المتحف، هو التعريف بخصائص ومقومات الاسلام، مضيفة أن من ضمن الأهداف أيضا التعريف بسماحة الاسلام، «وأن ننقل للدنيا سماحة الإسلام في عالم لا يتعاطى موضوعيا مع الدين الإسلامي».

وقالت الشيخة المياسة إنهم في قطر يأملون في أن يكون المتحف منارة علم للدارسين والباحثين من الدول القريبة من قطر وكذلك البعيدة عنها.

وتقول الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني رئيسة مجلس أمناء هيئة متاحف قطر، ان هدف متحف الفن الإسلامي هو الاستثمار في أغلى ما تملكه دولة قطر من ثروات وموارد، وهو شعبها وذلك عبر تطوير تجارب تعليمية جديدة.  ووفقا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» فقد بلغ حرص السلطات القطرية للحفاظ على القطع الفنية التي جمعت خلال 15 عاما، مبلغا أنها وضعتها في مستودع مكيف بإحدى الثكنات العسكرية، ريثما يتم الانتهاء من بناء المتحف. فهذه القطع الفنية كانت تحظى بحراسة عسكرية، ليس لقيمتها المادية فحسب، بل لقيمتها التاريخية، بالإضافة إلى الجهد الكبير، الذي بذل في البحث عنها في العديد من المتاحف والمراكز الثقافية حول العالم، خاصة أن البعض منها لم يعرض إطلاقا مسبقا، فيما عرض البعض الآخر لفترات محدودة.

وتضمن حفل الافتتاح عروضا للألعاب النارية انطلقت من مياه الخليج العربي لتجسد لوحة فنية رائعة، غطت سماء كورنيش الدوحة بأكمله، واستمرت نحو 10 دقائق، قبل أن يختتم الافتتاح الرسمي، ويتوجه أمير قطر بصحبة ضيوفه من رؤساء الدول بجولة داخل المتحف، حيث أزاح الشيخ حمد بن خليفة برفقة حرمه الشيخة موزة الستار عن اللوحة التذكارية إيذانا بافتتاح المتحف رسميا.

وكان لافتا إصرار أمير قطر على المصمم الصيني أيوه مينغ بي بأن ينضم إلى الصورة التذكارية التي التقطت للزعماء الذين حضروا الافتتاح.

وقد جمعت مقتنيات المتحف من أوروبا وآسيا، يتراوح تاريخها بين القرن السابع الميلادي وصولا إلى القرن التاسع عشر، وتمثل مجموعة المقتنيات التنوع الموجود في الفن الاسلامي. وتتراوح المعروضات ما بين الكتب والمخطوطات وقطع السيراميك والمعادن والزجاج والعاج والأنسجة والخشب والأحجار الكريمة والقطع النقدية المصنوعة من الفضة والنحاس والبرونز، التي يرجع تاريخ بعضها إلى ما قبل الإسلام وبالتحديد إلى العهد الساساني، وترجع أحدثها إلى العهد الصفوي، مرورا بالعصرين الأموي والعباسي.

وعلى الرغم من تكتم الجهات الرسمية القطرية على القيمة المادية لهذه القطع الفنية، فإن مصادر تؤكد أن قيمتها تصل إلى نحو 6 مليارات ريال قطري (1.6 مليار دولار أميركي).

وصمم مبنى المتحف المهندس المعماري الصيني أيوه مينغ بي، الذي سبق وصمم الهرم الزجاجي خارج متحف اللوفر الباريسي. ويتربع المتحف على واجهة كورنيش مدينة الدوحة، على جزيرة صناعية وتبلغ مساحته 33.5 ألف متر مربع، وهو مبنى مؤلف من خمسة طوابق، استلهم تصميمه من «نافورة الوضوء» التي أنشئت خلال القرن الثالث عشر في مسجد أحمد بن طولون في القاهرة، الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي.

ولتصميم المتحف قصة تستحق أن تروى، حيث يقول المهندس الصيني إنه عندما تلقى دعوة أمير قطر لتصميم المتحف، رفض في البداية باعتباره غير مطلع على الفنون الإسلامية، قبل أن يقوم بجولة بين قرطبة والمسجد الأموي بدمشق وعدد من المراكز الثقافية الاسلامية حول العالم، وعندما رأى المهندس الصيني قبة نافورة الوضوء في مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، قال حينها إنه وجد روح المتحف التي استوحى منها تصميمه.

ولأن المناسبة لدى القطريين مختلفة، فإن الاحتفال بها كان أيضا مختلفا، حيث ستستمر الاحتفالات الخاصة بتدشين متحف الفن الإسلامي لمدة أسبوع كامل قبل أن يفتح أبوابه للجمهور العام مطلع الشهر المقبل. وترافق الاحتفالات فعاليات عدة منها المعرض الخارجي للتصوير الذي يحمل عنوان «متحف الفن الإسلامي بعيون قطرية» تفتتحه الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الأمناء بهيئة متاحف قطر، الذي يعرض 120 صورة التقطها ثمانية مصورين قطريين خلال ثلاث سنوات من بناء المتحف.

ومن الفعاليات المرافقة للافتتاح أيضا حفلة موسيقية عالمية «ليلى ومجنون»، التي تعرض للمرة الأولى بقيادة الفنان العالمي يو ـ يو ما وتروي قصة الحب العربية الكلاسيكية المشهورة في آسيا الوسطى، تقدمها فرقة «طريق الحرير»، التي تتألف من مجموعة عالمية من موسيقيين ومؤلفين ومنظمين وفنيي بصريات وروائيين من أكثر من 20 دولة.

ويضم المتحف مركز ابحاث وبه مكتبة للفن الاسلامي الى جانب مقتنياته الثمينة، ومنها نحو 800 قطعة اثرية من عدة دول بعضها يصل عمرها الى ألف سنة وبعضها من اوروبا منذ ايام الاندلس.