عائلات ألمانية ترسل أطفالها الرضع إلى مدارس الموسيقى واللغات والجمناستيك

الآباء يحاولون ضمان تفوق أطفالهم على أقرانهم

الملاحظ في ألمانيا هو رواج ظاهرة إرسال الأطفال الرضع إلى مدارس التأهيل البدني والذهني («الشرق الاوسط»)
TT

لا يتمتع الممثل العالمي توم كروز بشعبية كبيرة في ألمانيا بسبب انتمائه العلني لمنظمة «ساينتولوجي» أولا، وبسبب تعديه على البطل القومي الألماني كلاوس شينك غراف فون شتاوفنبيرغ، وتمثيل دوره في الانقلاب المأساوي على أدولف هتلر، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. مع ذلك تتمتع أساليب كروز التربوية بتقدير العديد من الألمان، لأنه يرسل ابنته سوري (سنتان) من الآن إلى مركز اللياقة البدنية استعدادا لتحويلها إلى بطلة عالمية في الجمناستيك مستقبلا. والملاحظ في ألمانيا هو رواج ظاهرة إرسال الأطفال الرضع إلى مدارس التأهيل البدني والذهني حسب شعار «خذوهم صغارا». والمعتقد أن الظاهرة ليست أكثر من رد فعل للأهالي الأطفال على تراجع التلاميذ الألمان أمام غيرهم، في قائمة أفضل دول العالم في الرياضيات والعلوم الطبيعية واللغة. وتكشف آخر هذه القوائم (بيزا) أن ألمانيا تأتي في المرتبة 13 عالميا من ناحية كفاءة أطفالها في الرياضيات، وفي المرتبة التاسعة في العلوم الطبيعية، وفي المرتبة 14 في القراءة واللغات.

و«بيزا» هو مختصر الاسم الانجليزي للبرنامج الدولي لتقييم التلاميذ، الذي تعده المنظمة الدولية للتعاون والتنمية التابعة للأمم المتحدة. وتم تقديم الدراسة لأول مرة عام 2000، ويعاد تقييمها من قبل المنظمة الدولية كل ثلاث سنوات.

واعتبرت البروفيسورة برجيت الزنر، المختصة بنمو وتطور الأطفال، هذه الظاهرة تعبيرا عن «صدمة البيزا». وأشارت الزنر إلى أن معاهد ورياض الموسيقى واللغات والجمناستيك، المختص بالأطفال، تحقق الأرباح من وراء الخشية على مستقبل أطفالهم. وذكرت الزنر أن أهالي الأطفال، الذين يخصصون مبالغ كبيرة لهذه المعاهد، لا يعرفون بأن العلم لم يتأكد بعد من تأثير التعليم المبكر للأطفال في مرحلة الرضاعة. واعترفت المختصة بتعذر الحديث عن «ضرر» سلبي على الأطفال، لكنها حذرت من الضغط النفسي والإجهاد والإحباط الممكن للطفل والوالدين مستقبلا.

وحسب إحصائية نشرها معهد «امنيد» لاستطلاعات الرأي تسجل 50 ألف عائلة ألمانية، أطفالها الرضع في دورات «بيكج»Prager Eltern-Kind Programm، أي «برنامج براغ للأطفال وأهاليهم». ويسجل البعض أطفالهم حاليا منذ الولادة، بسبب الطابور الطويل على هذه الدورات. وهناك 25 ألف طفل يزورون «مركز هيلين ـ دورون للغة الانجليزية» المختص بتطوير قابليات الطفل لتعلم اللغة الانجليزية. ويقبل المركز الأطفال في دوراته، بدءا من سن 3 اشهر، وهناك حديث عن رياض أطفال لتعليم الطفل الرياضيات والعلوم الطبيعية، قبل أن يتخلص عن مص اصبعه أو عن مصاصته.

ونشرت يوتا فوفرتز كتابا سمته «الأم الجاحدة» تتحدث فيه عن موضة المعاهد التي تعلم الأم كيفية تدفئة زجاجات الحليب، وحضانة الطفل، وغسل أدوات طعام الطفل، وكيفية غسل شعره في الحمام. وتقول فوفرتتز إن هذه المراكز تجتذب الأمهات والآباء بشكل لم يسبق له مثيل، رغم أن كل أم جديدة تتعلم من أمها أفضل طرق رعاية الطفل وتهذيبه. وهذا ليس كل شيء، لأن هذه المراكز صارت تقدم محاضرات عن كيفية حل «لغز» لغة الأطفال وفهم مطالبهم والحديث معهم بلغتهم.

واعترفت أم عمرها 38 سنة في الكتاب المذكور، بأنها ترسل طفلتها ذات السنتين إلى معهد تعلم اللغة الانجليزية لقاء 600 يورو شهريا. وترسل أم أخرى اسمها يولين (21 سنة) ابنها بين ـ روكي إلى معاهد تعلم السباحة، مقابل 150 يوروا شهريا. وتفضل جانينة إرسال ابنتها (ذات شهرين فقط) إلى «روضة لموسيقى الأطفال» لتحسين تقبل الطفلة للموسيقى الكلاسيكية وتحويلها مستقبلا إلى عازفة من الطراز الأول. وتعترف نينا فانشميدت بأنها ترسل ابنها (خمسة اشهر) إلى معهد للموسيقى واللغات، مقابل 95 يوروا شهريا، وتقول إنها تعرف بأن في ذلك جهدا نفسيا للطفل لكنها تود تحسين مستواه الدراسي مستقبلا.

وتكشف آخر دراسة «بيزا» أن التلاميذ الألمان، حسنوا موقعهم الدولي في الرياضيات والعلوم الطبيعية واللغات، بعد الدراسة المماثلة عام 2003. إلا أن المستوى العلمي للتلاميذ الألمان يبقى متواضعا قياسا بالمكانة الصناعية والحضارية، التي تحتلها ألمانيا على المستوى العالمي. وجاء التلاميذ الألمان في الرياضيات في المرتبة 13، في حين جاءت فنلندا وكوريا الجنوبية في المرتبتين الأوليين. وحققت ولاية سكسونيا الشرقية المرتبة السادسة، متفوقة على بافاريا في المرتبة الثامنة، إلا أن ألمانيا تراجعت في التقييم العام. وفي العلوم الطبيعية حلت ألمانيا في المرتبة التاسعة عالميا، رغم أن سكسونيا حلت في المرتبة الثانية وبافاريا في المرتبة الرابعة. وكانت أسوأ النتائج بالنسبة لألمانيا هي في القراءة واللغات، لأنها حلت في المرتبة 14 تسبقها كوريا في المرتبة الأولى، ومن ثم فنلندا وكندا ونيوزيلندا على التوالي.