السودانيون في أميركا يسمّون أحياءهم بأسماء مناطق الخرطوم

مكاتب الهجرة إلى الولايات المتحدة في الخرطوم تشتعل نشاطا مع نهاية كل عام

معظم الشباب .. حلم حياتهم الهجرة إلى الولايات المتحدة («الشرق الأوسط»)
TT

منذ أن اكتشفها كريستوفر كولومبوس قبل خمسة قرون وحتى اليوم يبدو أن «العالم الجديد»، الذي هو أميركا، ما زال يحتفظ ببريقه وجاذبيته. فالسفر أو الهجرة إليها والاستيطان فيها ما زالت أحلاماً تراود الملايين حول العالم. ولقد ازدادت فورة الحماسة للهجرة اخيراً في أعقاب فوز باراك أوباما، ابن المهاجر الأفريقي برئاستها، وهو الحدث الذي كان فيه تشجيع لكثيرين من أبناء الدول النامية للسير على خطاه. فالوصول الى البيت الأبيض يبدو الآن أسهل لهم ولذريتهم من الوصول الى منصب قيادي ولو في منطقة صغيرة ببلادهم! وما أن يفتح في نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام باب سحب القرعة – أو «اللوتري – الأميركي، وهو البرنامج الذى يتيح للمتقدمين الحصول على البطاقة الخضراء» أو حق الإقامة بالولايات المتحدة عبر اختيار عشوائي، حتى تنهمر الطلبات من الملايين من حول العالم. ومن الملايين المتقدمة يكتب لـ55 ألفا منهم الحصول على «البطاقة الخضراء». في إحدى اللافتات الإعلانية المرفوعة فى شارع السيد عبد الرحمن بالعاصمة السودانية الخرطوم، حيث ينتشر عدد من المكاتب التي تتولى عملية التقديم، كتب بالخط العريض «لا تدع الفرصة تفوتك».. وبعد السحب تنزل اللافتات إلى أن يحين موعد التقديم الجديد في العام التالي.

التقديم للهجرة الى الولايات المتحدة في عقد التسعينيات من القرن الماضي كان محظوراً في السودان، وكانت السلطات تفتش الخطابات الصادرة في عصر «البريد الورقي» وتصادرها، ولذا كان يضطر طالبو الهجرة الى الولايات المتحدة للسفر الى مصر أو اثيوبيا أو كينيا ليقفوا فى صفوف طويلة أمام السفارات الأميركية هناك للتقدم بطلباتهم أو كتابتها ودسها فى أمتعة أقاربهم المسافرين الى الخارج ليتولوا أمر التقديم. ولقد نجح بعضهم أيما نجاح.. «فالممنوع مرغوب» فما بالك إذا كانت أميركا! لقد وصلت أعداد المهاجرين السودانيين إلى الولايات المتحدة خلال التسعينيات الى مئات الآلاف، وهؤلاء أسّسوا هناك أحياء يلقبونها بأسماء أحياء في الخرطوم، كما أن سكان فلوريدا من السودانيين يطلق عليهم «الفلوريداب»، وسكان واشنطن «الواشنطوناب» و«التكساساب» إلخ.. على طريقة تسمية القبائل ومشجعي الفرق الرياضية بالسودان!.. وبعد انتشار الإنترنت أتاحت وزارة الخارجية الأميركية قبل بضع سنوات فرص التقديم عن طريق موقع لها بالإنترنت فكانت الوسيلة الأسهل للمتقدمين دون رقابة حكومية. وبذا أصبح لا مناص، وقد فتح باب التقديم لـ«اللوتري» لعام 2010 في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ويستمر حتى أول ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ورفعت اللافتات علناً في الشوارع تدعو للتقديم الذي تتولى أمره في الغالب مقاهي الإنترنت ومعاهد تعليم اللغة الإنجليزية. كما أن بعض استوديوهات التصوير تعلن عن توفر تصوير فوتوغرافي بالمواصفات الدقيقة المطلوبة لصور «اللوتري». وعقب هذا النشاط المحموم تعلن إحدى اللافتات المعلقة أنه فاز في العام الماضي أكثر من 1140 سودانياً ... وهذا طبعاً بهدف التشجيع وفتح نافذة الأمل للزبائن بألا يترددوا!.

إسلام يوسف، التي تعمل في إحدى مقاهي الإنترنت بشارع السيد عبد الرحمن بالخرطوم، تقول خلال لقاء معها «إن الخدمة التى نقدمها للزبائن الراغبين فى الهجرة لا تزيد على ملء الاستمارة الموجودة في موقع الهجرة التابع للخارجية الأميركية وإرسالها خلال دقائق معدودة. التقديم أصبح سهلاً جداً عبر الإنترنت إلا أن كثيرين لا يعرفون ذلك ويظنون أنها عملية معقدة، وبعضهم لا يجيد استخدام الإنترنت فنشرح لهم طريقة التقديم التي تكلف خمسة دولارات للفرد».

وأسأل إسلام عن سن المتقدمين وجنسهم؟ فتجيب «معظمهم بالتأكيد من الشباب ذكوراً وإناثاً، الذين أصبح حلم حياتهم الهجرة الى الولايات المتحدة، وأعرف منهم من يأتي للتقديم عبر مكاتبنا كل عام أملاً بالفوز، وهناك أيضاً ربات بيوت وأرباب أسر يتقدمون ويضيفون أبناءهم الذين هم دون سن 17 سنة. فالثقافة الأميركية أو الغربية تفرض نفسها منذ الخطوة الأولى، حيث يكون الفرد في تلك المجتمعات مستقلا عن أبويه عند بلوغه سن السابعة عشرة وهذا ما سيطبق بحزم على المتقدمين!». وأسأل إسلام ماذا بشأن الصور؟ فتجيب «نحن نوفر الصور أيضاً بتصوير المتقدم بكاميرا ديجيتال هنا أو إذا كانت لديه صورة جاهزة ندخلها الكمبيوتر عن طريق الماسحة، ثم نعمل لها تعديلات ببرنامج «الفوتو شوب .. وهنا استوقفتها لأقول إن شروط التقديم بالموقع تشترط بصورة قطعية ألا ترضخ صور المتقدم لأي تعديل من أي نوع. فجاءني الرد بالطريقة السودانية المعروفة «أبدا، نحن نقوم بالتعديل على الصورة ونرسلها ما في أي مشكلة!».

وأسألها عن الخطوة التالية، فتجيب «بعد ذلك ينتهي التقديم، وينتظر المتقدمون إجابات القبول التى يعلن عنها فى شهر مايو (أيار) للعام التالي وحتى يوليو (تموز)، ولكن ليس عبر الإيميل بل عبر إرسال خطابات قبول الى عناوينهم البريدية مباشرة. ومن يكتب له الفوز يبدأ المرحلة الثانية وهى السفر الى القاهرة لمقابلة القنصل الأميركي، والمقابلة تجري بأي لغة ولا يشترط لها الإنجليزية، ويحدث أن ترفض طلبات بعضهم لعدم مطابقة المعلومات المكتوبة بما يقوله المتقدم فى المقابلة أو عدم تطابق الإمضاء.. فهم دقيقون جداً. ومن يرفض طلبه عند القنصل «يحرم» نهائياً من التقديم لبرنامج الهجرة والدخول للولايات المتحدة، أما من ينجح في المقابلة ويسافر فسيحصل على «البطاقة الخضراء» بعد 4 سنوات من إقامته، وبعدها يمكنه أن يقدّم لجلب بقية أفراد أسرته كالأم والأب عن طريق برنامج يعرف بـ«لمّ الشمل...».

نهي جمال الدين تقول «اللوتري اصبحت حلم كل الشباب المتخرج حديثا، فقد تخرجت منذ عدة سنوات وما زلت أبحث عن عمل ولم أجد، الحصول على اللوتري والسفر الى أميركا أصبح حلمي ومخططي الرئيسي، لديّ العديد من الأصدقاء والأقارب الذين يعيشون هناك ووعدوني بمد يد العون لي، إلا أن الحظ هو ما يحكم الفوز والسفر وليست الواسطة والمحسوبية كما يحدث هنا، وقد تقدمت للوتري هذا العام عبر الكومبيوتر من المنزل بصورة عادية جدا، وكذلك توليت أمر التقديم لكل أفراد أسرتي وهو عمل يسير جدا، وأي واحد منا سيكتب له الحظ الفوز فى اللوتري سيتولي إحضار الباقين من أفراد الأسرة وراءه في سنوات قليلة».

يقص المهندس فكري إبراهيم قصة طريفة عن صديقه الذي تقدم للوتري هو وأفراد أسرته، وأن صديقه هذا لم ينس التقديم للخادم الذي يعمل معهم في المنزل، وشاء الحظ أن يفوز الخادم باللوتري وتبرع له أفراد الأسرة بقيمة تذكرة السفر وسافر الى الولايات المتحدة، وهو يراسلهم باستمرار ووعدهم بالمساعدة في إجراءات دخولهم الى هناك!