عروض الشارع في بيروت رقص وغناء وسهر

رغم الاعتراضات والاحتجاجات

TT

«حياة ورقص» عمل فني جديد آخر أطل على الجمهور اللبناني خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت، مقتحماً الأحياء والشوارع، رغم أنف المحتجين. إذ لا يبالي مصطفى يموت والمعروف باسم «زيكو» بأولئك الذين يعترضون أو يمانعون عروضه الفنية والمسرحية التي تجوب بيروت كل خريف منذ خمس سنوات متواليات، وتتجاوزها إلى المناطق حين يرى ذلك مناسباً. ويوم السبت الماضي وبعد أن تم تقديمه في بيروت، حطّ عرض «حياة ورقص» رحاله في مدينة طرابلس. وصل الفنانون في باص أمام «سيتي كومبلكس»، المركز التجاري الأكبر في المدينة، وبدأوا ينزلون من الحافلة حاجيات العرض: طاولات، شراشف، عوارض خشبية، وسائد، وصحون طعام. استنفر رجال الأمن، أمام هؤلاء المجانين الذين يكتسحون الرصيف، «فهذا ملك خاص وكل استخدام له يحتاج إذناً مسبقاً من إدارة المبنى» قال رجال الأمن. لم يعباً الفنانون بما يحدث وبالغضب الذي أشتعل في رأس المسؤولين عن الأمن. «كل واحد يشوف شغله» يقول زيكو للممثلين الذين كانوا يعدّون لمسرحيتهم ، بينما اهتم الشخص المسؤول عن استقدام الفرقة بحل مشكلة يبدو انها باتت روتينية للفنانين، الذين يجابهون بالاستغراب في أماكن عديدة. وبعد أخذ ورد بدأ العرض. ها هو ممثل يجلس على كرسي متحرك يشرح لنا بأننا سنتابع عرضاً مستوحى من الحياة اليومية، وأنه تم تقديمه في سويسرا منذ 3 سنوات ضمن مسرح للشارع يديره السويسري فوفوا ديمبيليته، الذي زار لبنان وأقام ورشة عمل للممثلين اللبنانيين تمت خلالها لبننة العرض. يأخذ الممثلون بالرقص على إيقاع موسيقى جميلة تعزفها فرقة مصاحبة افترشت الأرض. عود وطبلة مع مزمار، آلات قادرة على تحميس الجمهور ليرقص هو أيضاً. بدأ الممثلون بخلع ملابسهم الخارجية الشتوية على ايقاع الموسيقى بتمهل وفنية. يبقون في ملابس صيفية تحررهم من القيود، ثم يتابعون وهم يرقصون كل ما يمكن أن يمر معنا في حياتنا اليومية، بما فيها تلك الحميميات الصغيرة: سعال، بصاق، تنظيف الأنف، أحاديث متبادلة، كلام في الموبايل، استماع للموسيقى بواسطة السماعات، انها الحياة رقصاً ايقاعياً، وتسلية للمارة الذين تحلقوا بكثافة حول الممثلين يشاركونهم حركاتهم، ويتفاعلون معهم. وبينما كان الممثلون يدبكون وهم يشربون الماء من كؤوس حملوها بأيديهم، هجمت عليهم سيدة متشحة بسواد كامل لا يظهر منها سوى عينيها الزرقاوين، وبدأت بالصراخ: «أنتم أعداء الله»، «انتم أخوة الشيطان» «كفرة ملعونون»، «ما تفعلونه كفر وضلال». وحين حاول احد المتجمهرين صدها، صرخت به قائلة: «أنت المسيح الدجال». وأخذت المرأة زجاجة فارغة ورمت بها الموجودين ولحسن الحظ انها لم تصب أحداً بأذى، لكن الجو بدأ ينذر بمخاطر، مما حدا بزيكو، صاحب فكرة هذا المهرجان الفني والدينامو الذي يحركه، ان يأخذ الميكروفون ويعلن انتهاء العرض، طالباً من الجمهور ان يتوجه إلى منطقة الميناء لاستكمال المشاهدة. وهكذا توجه الفنانون بباصهم وأغراضهم إلى المكان المحدد، لتبدو الأجواء أكثر هدوءاً وأقل تشنجاً، بعيداً عن المرأة التي قال الموجودون انها مجنونة ومعروفة في المدينة انها تستهدف التجمعات، وأرتأوا انها كانت مارة بالصدفة، وليس لعملها التخريبي اي خلفية سوى وضعها النفسي المهتز.

في الميناء عاد الفنانون إلى الرقص واستطاعوا هذه المرة ان يكملوا عرضهم الراقص الذي يستوحي الحياة اليومية، فشربوا النرجيلة رقصاً وأكلوا وقرأوا الصحف وفرشوا اسنانهم، وافترشوا الأرض وناموا على وسائدهم، وتغطوا. كما صفق لهم الجمهور الذي تحلق مبتهجاً بالأجواء الطفولية التي أشاعوها في «شارع مينو» المعروف برواده المحبين للسهر والموسيقى.

وهذه ليست المرة الأولى التي يصطدم فيها «مهرجان بيروت لعروض الشارع» بمشاغبين او مجانين أو حتى معارضين أو مغرضين. فقد سبق لإحدى الفرق، منذ عدة سنوات، ان خلصها رجال الشرطة من هجوم متطرفين اثناء تأدية أحد العروض، حين هوجمت واتهمت بالصهيونية والكفر، في طرابلس أيضاً. لكن زيكو الذي يدير مع شريكته رلى قبيسي هذا المهرجان السنوي المليء بالتحديات، يضحك ساخراً في العادة، من هكذا حوادث، ويعتبر انها جزء من عمله. فإن كان من وظيفة لهذا المهرجان هو ان يذهب إلى أولئك الذين لم يشاهدوا المسرح يوماً، ويفاجئهم حيث هم، وربما يستفزهم، ويثير فضولهم وعصبيتهم، ولو عبروا عنها بطريقة عنيفة أحياناً.