مليونير إيراني متهم بسرقة صفحات كتب أثرية من المكتبة البريطانية

سرقة غريبة من نوعها

فارهاد حكيم زاده في طريقه للمحكمة في لندن (أ.ف.ب)
TT

في حادثة غريبة من نوعها، وجه الاتهام الى فارهاد حكيم زاده، وهو مليونير إيراني مقيم في لندن، بسرقة صفحات عديدة من كتب أثرية يعود تاريخ طباعتها الى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ويتراوح سعر كل منها ما بين 50 و80 ألف جنيه استرليني، وتعود ملكيتها للمكتبة البريطانية في لندن.

ومثل حكيم زاده أمام محكمة في منطقة وود غرين بلندن، واعترف بجرمه، مقرا بسرقة الصفحات من دون أن يعطي أسبابا مقنعة دفعته الى القيام بفعلته، إلا أن المحكمة علمت أن حكيم زاده يملك كتبا مطابقة لتلك التي سرق منها الصفحات، وقد يكون الدافع وراء جريمته، فقدان تلك الصفحات من كتبه الخاصة، وتم إرجاء المحكمة الى السادس عشر من يناير (كانون الثاني) بطلب من جهاز شرطة اسكوتلاند يارد البريطاني.

وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» مع بين ساندرسون، منسق العلاقات المسؤول في المكتبة البريطانية، قال إن هذه الحادثة مؤسفة جدا لأنها تمس بالتاريخ، فهذه الكتب لا تعوض، فهي قديمة تعود الى الأيام الأولى للطباعة في العالم، كما انها ملك للجميع، فالمكتبة البريطانية، تفتح أبوابها أمام المؤرخين والطلاب والكتاب والمفكرين، وتبني علاقاتها مع الزوار على مستوى إنساني ملؤه الثقة، وحادثة السرقة هذه من شأنها ان تغير نظرة القائمين على المكتبة في ما يخص التعامل مع الزوار، ففرهاد حكيم زاده رجل يبلغ من العمر 60 عاما، كما أنه كاتب ومفكر ومؤرخ، وهذا ما يجعل ذنبه أكبر، فمن الأجدر به أن يعرف قيمة تلك الكتب، كما أن جريمته لم تكن بحق المكتبة فحسب وإنما هي مساس بالتاريخ واعتداء على حقوق المثقفين الباحثين عن المعرفة في مثل تلك الكتب.

وأضاف ساندرسون، إن القضية ما زالت قائمة، وهي بيد الشرطة في بريطانيا، وتم ارجاء جلسة إعلان الحكم لأسباب قانونية.

فارهاد حكيم زاده من الزوار الدائمين الى المكتبة، واظب على زيارتها منذ عام 1998 وكان مهتما بكتب السفر والعلاقات والروابط ما بين أوروبا الغربية والشرق الأوسط، واستعان بعدد من الكتب التي تضم معلومات عن بلاد الشام وبلاد فارس وصولا الى بنغلاديش، ومن اهتماماته أيضا السفر أيام المغول، والكتب المتخصصة بمستكشفين أوروبيين أمثال الرحالة الإيطالي ماثيو ريتشي، وجميع الكتب التي كان يستعين بها زاده تعود الى القرن الخامس عشر وما بعده.

ولم يلاحظ أي من زوار المكتبة، سلوك زاده، على الرغم من مشاركته الغرفة نفسها مع عدد من المثقفين المهتمين بالقراءة والاطلاع، وقام زاده بقطع الصفحات بواسطة شفرة حادة، بطريقة ذكية جدا، وكان من الصعب التنبه الى فقدان تلك الصفحات، الى ان قام احد الزوار بقراءة أحد الكتب ولاحظ أن هناك عددا من الصفحات المفقودة من الكتاب، فأبلغ المسؤولين في المكتبة، وكان من السهل معرفة هوية آخر شخص استخدم الكتاب من خلال التدوين الالكتروني، والمفاجأة كانت بأن حكيم زاده رجل أعمال ثري جدا ومثقف ويقيم في منطقة نايتسبريدج اللندنية الراقية، ولم يكن دافعه بيع كتبه المماثلة التي يملكها في منزله.

ويقول رئيس التحريين في الشرطة البريطانية، ديفيد كوب، إن حكيم زاده هو عضو في المكتبة البريطانية ومكتبة بودلين، وهو سارق محترف، تمكن من نزع الصفحات من الكتب من دون ان يظهر أي ارتباك على وجههه، كما ان الصفحات المنزوعة من الكتب، استؤصلت بطريقة دقيقة جدا، فهه متمرن على ما يبدو في مثل هذه الحالات، وعرف كيف يختار الصفحات، بحيث كان نزعها غير لافت للنظر.

واضاف كيرستين جينسين، رئيس المكتبة البريطانية، أن الكتب التي اعتدى عليها حكيم زاده ليست قيمة وفريدة فحسب وإنما هي إرث ثقافي كانت تعتز به المكتبة، وما قام به جريمة نكراء يجب أن يعاقب عليها، خاصة ان هذه الكتب لا تتكرر، وهي مصدر معلومات مهم للمثقفين والمؤرخين والمهتمين بالقراءة.

ويقول بين ساندرسون إن المكتبة تطالب حاليا بدفع تعويضات لقاء تلف تلك الكتب الأثرية، كما ان الإدارة سوف تتخذ إجراءات صارمة جدا للمحافظة على أمن المكتبة وسلامة الكتب، وذلك لأنه لا يمكن منع الزوار من قراءة الكتب، ومهمة المكتبة البريطانية فتح المجال امام الجميع من كل بقاع العالم ومن دون استثناء، كما انها ليست متحفا لحفظ الكتب وإنما هي مكانا مفتوحا للجميع.

وبحسب ما قاله ساندرسون، فإن حكيم زاده تسبب بتلف 150 كتابا من أصل 842 كتابا اطلع عليها خلال زياراته المتكررة، ونزع خارطة فريدة من نوعها ونادرة الوجود من احد الكتب الخاصة بالسفر.

وتبقى الكتب المتلفة اليوم بعهدة الشرطة والمحكمة الى حين صدور الحكم في يناير المقبل، وهذه السرقة هي بمثابة تعد على التاريخ وعلى كل الباحثين والمثقفين. وذكر ساندرسون أن حكيم زاده شوهد الأسبوع الماضي في سوق «بورو» بلندن وتعرض الى سماع الكثير من الكلمات المشينة من قبل الموجودين الذين تعرفوا عليه من خلال تصدر صورته صفحات الجرائد والصحف المحلية والعالمية. ويبقى السؤال، ما هو دافع رجل مثل فارهاد حكيم زاده للقيام بمثل هذه الجريمة المسيئة بحق الناس والتاريخ والثقافة؟