الذاكرة المغربية في بريطانيا.. معرض جوال يطوف في المراكز الأكاديمية

يتضمن فعاليات فنية حية ويستمر 3 أشهر

زائرتان تستمعان إلى قصص المهاجرين الأوائل (تصوير:حاتم عويضة)
TT

استضافت المكتبة البريطانية في لندن، الاثنين الماضي 01 ديسمبر، معرض «الذاكرة المغربية في بريطانيا»، لتفتح الطريق أمامه إلى جولة يطوف فيها خلال هذا الشهر والشهرين اللاحقين من عام 2009 بين عدة مراكز أكاديمية وغير أكاديمية داخل لندن وفي مدن بريطانية أخرى، هي تراوبريدج وكراولي وادنبرة.

تضمن العرض الافتتاحي كلمة ألقتها الباحثة المغربية مريم الشرتي، وفيها تحدثت عن المشروع الذي بدأت في تنفيذه عام 2003، وعن الدوافع وراءه.

أحدها هو التلاشي المنتظم لأفراد الجيل الأول من المهاجرين المغاربة، الذين قدموا في أوائل الستينات، تحت وطأة تقدم السن، وما سيؤدي إليه أخيرا إلى اختفاء تاريخ معاصر ملموس لحلقة أساسية من تاريخ المهاجرين المغاربة، الذين قدموا إلى بريطانيا.

لعله لهذا السبب كان التركيز في أول خطوة لهذا المشروع المفتوح، على الجيل الأول، الذي قدم في الستينات من القرن الماضي، وعلى لم شمل الأسر الذي جرى خلال عقد السبعينات.

وللتوثق من إمكانية تحقق المشروع، صممت مريم الشرتي استكشافا ميدانيا مصغرا، كخطوة أولى، وبفضل المساعدة المالية التي حصلت عليها من جامعة سسيكس، أصبح ممكنا تدريب أربعة أفراد ينتمون إلى الجيل الثاني من أبناء جيل المهاجرين الأول، على طرائق جمع المعلومات الخاصة بالتاريخ الشفهي. وبفضل هؤلاء تم إجراء 20 مقابلة مع المغاربة المنتمين للجيل الأول.

كانت تلك التجربة مضيئة وإيجابية للخطوة اللاحقة، بل شجعت الشرتي لتمضي في مشروعها كأساس لأطروحة الدكتوراه التي تعدها حاليا. فهي قدمت من المغرب لدراسة الماجستير في حقل الهجرة والمقيمين المغاربة في الشتات (دياسبورا).

وجاء الدعم المالي الحاسم لمنظمي المشروع، حينما وافق «صندوق إرث اليانصيب» (HLF) على تمويله، بعد تبني «منبر أوساط اللاجئين والمهاجرين» (MRCF) للمشروع باعتباره جزءا من الجهود المبذولة لوضع تواريخ الأقليات الاثنية، التي قدمت إلى بريطانيا واستقرت في مدنها. وعلى ضوء ذلك بدأ العمل من أجل جمع تواريخ شخصية لأكثر من 100 شخص يقيمون على امتداد بريطانيا، ووصف التجارب التي عاشتها ثلاثة أجيال من المغاربة ـ البريطانيين. وكل هذه المقابلات الشفهية ستوضع في أرشيف المكتبة البريطانية الصوتي.

كذلك ألقى المهاجر المغربي سيدني أسور المقيم في لندن، كلمة ضمن مراسم الافتتاح. فباعتباره يهوديا، وجد أن حالة الانفصال القائمة بين الأطفال المغاربة المسلمين واليهود كبيرة اليوم، بعكس ما كان الحال عليه خلال سنوات نشأته في المغرب. آنذاك كان الجميع يشتركون في هويتهم المغربية. ولذلك فهو بادر إلى فتح ناد للصغار المغاربة يتيح لهم فرصة التعارف على بعضهم ومعرفة أصولهم، بغض النظر عن الاختلافات الدينية.

تضمن برنامج المعرض فيلما وثائقيا صوّره السينمائي الفلسطيني سعيد تاجي الفاروقي، وفيه عرضت لقاءات عديدة مع مهاجرين مغاربة في بريطانيا من أجيال مختلفة ومن خلفيات مهنية وثقافية ومختلفة. كذلك نجد أن الصغار اليوم أكثر تحمسا من آبائهم في تعلم الدارجة المغربية، كجزء من رغبة عميقة بامتلاك هوية بجنب هويتهم كبريطانيين.

كذلك استخدمت القاعة الواسعة في المكتبة البريطانية لوضع ألواح عريضة، وعليها كتبت قصص مختلفة عن المهاجرين من الجيل الأول وعن أبنائهم. كذلك كان ممكنا مشاهدة العديد من الإبداعات لأبناء المهاجرين في بريطانيا وما تمكن بعضهم من تحقيقه في مجالات فنية وثقافية مختلفة.

على أحد الألواح نقرأ شهادة الحاجة زهرة واصفة ما شعرت به عند قدومها إلى بريطانيا: «عند الوصول إلى إنجلترا كنت شديدة الحماس، لكن بعد أسابيع قليلة شعرت بوحدة عميقة جدا. فالوضع مخالف تماما لتركيب العائلة الكبيرة الذي كنت معتادة عليه. في الأيام الأولى كنت أبكي لوحدي كي أتمكن من النوم في الليل. لكن تصميمي لم يسمح لي بالتخلي عن القدوم والعودة إلى المغرب».

هناك الكثير من القصص المنقولة على أجهزة تسجيل، وهذا ما ساعد الزوار على الإنصات إليها عبر سماعات الرأس. وفي الكثير منها نتلمس تلك الإرادة القوية لأعداد كبيرة من النساء الأرامل أو الوحيدات اللواتي قدمن إلى بريطانيا بعد حصولهن على عقود عمل للاشتغال في مجالات التنظيف بالدرجة الأولى، وكان الشرط أن يتركن أبناءهن في المغرب لفترة طويلة قبل أن يتمكن من جلبهم إلى بريطانيا. كان الدافع وراء اختيارهن لخوض مغامرة قاسية من هذا النوع، هو تحقيق مستقبل أفضل لأبنائهن وهذا ما نجحن فيه.

هناك قسم آخر في المعرض، مكرس لتاريخ العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وبريطانيا، الذي يمتد إلى قرون، ومن خلال الرسائل المتبادلة بين ملوك وشخصيات كبيرة في البلدين يمكننا تلمس خيوط هذه العلاقة العميقة.

شمل المعرض أعمالا فنية جميلة لمغاربة ـ بريطانيين شباب وفيها نتلمس تلك الجذور التي تشدهم إلى بلد آبائهم: المغرب.

لكن المعرض يعكس روح التضامن القائمة في البلد الأم، مما سمح للكثير من النساء الأرامل أن يتركن أطفالهن برعاية آخرين. تقول الحاجة فاطمة في إحدى التسجيلات: «بقيت أبكي لسبعة أشهر عند قدومي إلى هنا. وكنت دائما أفكر بأطفالي. أفكر بأطفالي وأبكي. أنا تركتهم حينما كانوا صغارا جدا، ولم يكن هناك أحد يعتني بهم، فقط أخوهم الأكبر. كانت البنت الكبرى في العاشرة من عمرها فقط، وهي كانت تعتني بأخوتها الصغار. كان الجيران طيبين كما قلت، كانوا يساعدون في تغذية الأطفال، كانوا رحيمين تجاههم، جازاهم الله خيرا».

لكن الطريق الذي قطعه منظمو برنامج «الذاكرة المغربية في بريطانيا»، لم يكن ناعما دائما. قالت مريم الشرتي لـ«الشرق الأوسط»، إن إحدى الصعوبات التي ظلت تواجههم هي أن بعض الأشخاص لم يكونوا على استعداد لتقديم قصص عن حياتهم، خصوصا في بعض أجزاء بريطانيا، حيث لم يكونوا على معرفة بالمشروع، «لذ قمنا بإنشاء ورشات عمل لبناء الجسور مع الجالية من أجل الترويج للمشروع، مع ذلك ظل البعض ينظر إلى دوافع المشروع نظرة ارتياب».

وأضافت: «المشكلة الأخرى هي عدم قدرتنا على جمع الوثائق المتعلقة بعدد من الفتيات المستجوبات، إضافة إلى أنهن لم يردن أن يجري تصويرهن».

وتأمل مريم الشرتي في أن ينقل هذا المعرض أيضا إلى المغرب في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) المقبلين.