دمشق تحتفي بذكرى الأمير عبد القادر الجزائري

الأميرة بديعة الجزائري تتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن حياة جدها في سورية

بديعة الجزائري حفيدة الأمير عبد القادر الجزائري
TT

احتفت العاصمة السورية دمشق هذا العام بالزعيم الجزائري التاريخي وقائد الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين الأمير عبد القادر الجزائري مرتين، وهو الذي أقام بها سنوات عمره الأخيرة منفياً عن وطنه الجزائر حتى وفاته فيها.

ووفاء من دمشق لهذا الزعيم التاريخي الذي لعب أدواراً مهمة في أحداث تاريخية اجتماعية وسياسية في سورية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسكن قصراً رائعاً في ضاحية دمر غرب دمشق، تم الاحتفاء الأول بالجزائري أواخر صيف هذا العام بإنجاز أعمال ترميم قصر الأمير الجزائري بتمويل من الاتحاد الأوروبي وبدعم من وزارة الإدارة المحلية السورية وبرنامج تنمية الإدارة البلدية في سورية الممول أوروبياً، حيث افتتح القصر الرائع بعد ترميمه كمركز إقليمي للتنمية المحلية المستدامة، وافتتحت قاعة كبيرة منه كمتحف لمقتنيات الأمير الجزائري التي حصلت عليها الجهة المشرفة على القصر من حفيدة الجزائري المقيمة في دمشق الأميرة بديعة الجزائري.

أما الاحتفاء الثاني فكان في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من خلال احتفالية دمشق الثقافية التي أقامت مؤتمراً دولياً عن الأمير الجزائري في دمشق شارك فيه عشرات الباحثين العرب والأجانب تحدثوا فيه عن مناقب الجزائري ونضاله التاريخي وحياته وآثاره الباقية، وغير ذلك من المواضيع التي تقدم شرحاً واسعاً عنه.

وكان افتتاح قصر الأمير الجزائري في أواخر أغسطس (آب) الماضي من قبل رئيس مجلس الوزراء السوري المهندس محمد ناجي عطري رافقه توزيع كتاب هام عن الأمير الجزائري جاء بقلم حفيدته الأميرة بديعة المتزوجة منذ عشرات السنين في دمشق والمقيمة فيها منذ زواجها. وقد التقتها «الشرق الأوسط» في حوار عن الأمير الجزائري وتكريمه في دمشق ووطنه الأم الجزائر وذكرياتها عنه قائلة: بالنسبة لي كان جدي عبد المالك يقود ثورة ضد الاحتلال في الريف المراكشي لغاية دخول الجزائر وقيادة الثورة في الجزائر، وبعد وفاة جدي اضطرت والدتي لترك المغرب وتطوان المحتلة من قبل فرنسا وجئنا لدمشق وسكنت مع والدتي في دمشق في قصر جدي الأمير عبد القادر الذي بني وسكنه في عام 1855 وأقام في افتتاح القصر للسكن وليمة كبيرة دعا إليها أعيان دمشق وارتجل شعرا قال فيه: «عجبي فديتك في أباطح دمر ذات الرياض ذات الأزاهير النضّر».. إلى آخر القصيدة. وكان يحب منطقة دمر كثيراً ومن الشخصيات الهامة التي كانت تزوره في القصر كبار أعيان دمشق ولكن بعد وفاة الأمير عبد القادر سنة 1885 سكنه ابنه عمر الذي أعدمه جمال السفاح مع ثوار دمشق في ساحة المرجة في 6 مايو 1906 والأمير عمر شقيق جدتي الأميرة زينة وكان القصر قد احترق طابقه العلوي وقام الأمير عمر بترميمه وكان يعتبر منتدى ثقافيا وأنا سكنت فيه حتى عام 1942 مع والدتي وخالاتي حتى توفي والدي في عام 1945 وبقيت أنا وشقيقتي هند وتركنا القصر في عام 1948 وسكنا في بيت بدمشق القديمة كان والدي يمتلكه على أن نعود إلى القصر في الصيف كونه يعتبر مصيفاً ولكن فوجئنا بوجود عدد من اللاجئين الفلسطينيين مع أسرهم قد سكنوا القصر بعد تهجيرهم من فلسطين على يد عصابات الهاغاناه فقمت وشقيقتي بتقديم معونات لهم وأبقيناهم في القصر حوالي 20 سنة حتى تم تأمين مخيمات لهم في دمشق في الستينات من القرن الماضي، حيث أهمل القصر فيما بعد وتعرض لسرقة أبوابه ونوافذه، أنا تزوجت من العميد عدنان العجلاني وهو قريبي ابن خال والدتي فجدتي من آل العجلاني حيث جدي الأمير عبد المالك تزوج من دمشقية وكان والده الأمير عبد القادر هو الذي خطب له ابنة أحد أعيان دمشق (عبد اللطيف العجلاني).

وأضافت بديعة الجزائري: «عندما علمت من المهندس عرفان علي مدير المشروع السوري الأوروبي للتنمية المستدامة أنهم سيرممون قصر جدي سررت خاصة أنني وشقيقتي لا نمتلك المقدرة المالية على ترميمه ولكن تمنيت لو أن الحكومة الجزائرية هي من قامت بذلك واشترته ورممته وحولته إلى مركز ثقافي جزائري في دمشق تكريماً لجدي عبد القادر، ولكنها لم تفعل رغم محاولاتنا مع السفراء والملحقين الثقافيين الجزائريين في دمشق لترميم القصر، ولكن لم تفلح المحاولات لأن بعض الورثة طلبوا مبالغ كبيرة وتعجيزية وكان أحد الأسباب لعزوف الحكومة الجزائرية عن شراء القصر وترميمه وبعد ذلك استملكته الحكومة السورية وفي السنوات الخمس الأخيرة تم الاهتمام بالقصر وترميمه وأنا كنت سعيدة بذلك لأنه حول إلى مركز تنمية حضاري وكنت أخاف أن يحول إلى كازينو مثلما حصل مع قصر الأمير سعيد الجزائري. وقد قدمت لإدارة القصر ومن أجل القاعة الخاصة بجدي الأمير عبد القادر ما أملكه من وثائق وصور ومنها صورة حضوره حفل افتتاح قناة السويس وصورة له في انتهاء الفتنة الطائفية في دمشق في حي القصاع عام 1860 حيث افتعل حريق كبير للقضاء على المسيحيين هناك وكان للأمير عبد القادر دور رئيسي في إنهائه فتم حماية المسيحيين وحماية بيئة دمشق أيضاً من كارثة الحريق. كما قدمت معلومات عن الأمير عبد القادر والأوسمة الموجودة عندي، وقد توفي جدي عبد القادر في قصره ومن ثم نقل لمنزل يملكه في حي العمارة بدمشق القديمة وبعدها شيع بموكب شعبي ورسمي لجامع الشيخ محيي الدين بالاتفاق بين ابنه والوالي العثماني ولم تكن هذه وصيته لأنه اشترى أرضاً في منطقة الدحداح بدمشق ليدفن فيها وتدفن عائلته معه فيما بعد ولكن لم يحصل ذلك، ومن ثم تم نقل رفاته سنة 1966 إلى الجزائر بالاتفاق بين الحكومتين السورية والجزائرية.