التشكيلي المغربي: الصدفة لعبت دورا أساسيا في حياتي

المهدي قطبي: عملت مساعد حلاق وخادما وصحافياً

مهدي قطبي يتحدث في حفل توقيعه لكتابه «لوحة حياة» بالرباط («الشرق الأوسط»)
TT

قال الرسام التشكيلي المغربي المهدي قطبي، إن المصادفات لعبت دورا أساسيا في حياته، مضيفا أنها كانت دائما لصالحه، وقادت خطواته نحو تحقيق أحلامه وطموحاته سواء في حياته الشخصية أو الفنية.

وأوضح قطبي، الذي كان يتحدث في حفل توقيعه بالرباط لكتابه الأول حول سيرته الذاتية بعنوان «لوحة حياة»، الصادر باللغة الفرنسية، عن «منشورات دار الفينيك» بالدار البيضاء، أنه ممتن جدا للحظ السعيد الذي رافقه دوما، وجعله يتغلب على التحديات التي واجهته في بداية مشواره الفني.

واستحضر قطبي، الذي عاش طفولة صعبة في حي «التقدم» الشعبي بالرباط، أمام الحاضرين في الحفل، الكثير من ذكريات الصبا، بطريقة مطبوعة بالتشويق والإثارة، وأضفى عليها نوعا من المرح والفكاهة بطريقته المميزة في الحكي.

فقد هرب من البيت العائلي في سن الخامسة عشرة من عمره، خوفا من مواجهة والده بعد انقطاعه عن الدراسة في المرحلة الثانوية، في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، وحاول أن يشتغل في العديد من الحرف، مساعد حلاق، وخادم في البيوت، وصحافي في جريدة «لوبوتي ماروكان» (المغربي الصغير)، كبرى الصحف الفرنكوفونية في تلك المرحلة من تاريخ المغرب.

وذات يوم كلف من لدن رئيس التحرير بتغطية خبر افتتاح معرض تشكيلي لرسام فرنسي في العاصمة، فوجد نفسه حائرا من أين يبدأ كتابة موضوعه، وهو الحديث النشأة بممارسة الصحافة، فالتقى بالصدفة، وجها لوجه، برسام تشكيلي مغربي مشهور آنذاك هو الجيلالي الغرباوي، فصافحه، وقدم له نفسه على أنه رسام.

لا يدري قطبي كيف لمعت فكرة الرسم في رأسه، وهو الذي لم يمسك فرشاة الألوان، منذ أيام الجلوس على مقعد الدراسة، ويتذكر جيدا أن الغرباوي طلب الإطلاع على لوحاته، وضرب له موعدا في اليوم التالي.

لم تكن لقطبي في البيت أية صفحات صالحة للرسم، فطلب من بقال الحي إمداده بأوراق تعبئة السلع والمواد الغذائية، سهر على الخربشة عليها وتلوينها طيلة الليل.

في الصباح ذهب مشيا على الأقدام من الحي الشعبي البعيد إلى وسط المدينة، لانعدام قدرته على دفع تذكرة الحافلة، وقبل الوصول إلى مكان موعد اللقاء بمقهى «السفراء» بالرباط، لمح بالصدفة أيضا، من وراء زجاج احد المطاعم، الرسام الغرباوي، منهمكا في الحديث مع محامين حول بيعهم بعض لوحاته، ويبدو أنه نسي الموعد، فأشار إلى قطبي للالتحاق بهم، وتناول وجبة الغداء معهم.

وكانت المفاجأة بالنسبة لقطبي أن الغرباوي شجع الجالسين بجانبه على شراء لوحتين له كرسام ناشئ، بمبلغ 20 درهما (الدولار يساوي 8.5 درهم) للوحة الواحدة. وكان مبلغ 40 درهما الذي تقاضاه قطبي هو بداية تفكيره بجدية في احتراف الرسم، فقد اشترى به أدوات الرسم، واتجه لتكوين نفسه أكاديميا، حيث التحق فيما بعد بفرنسا،حيث تخرج من معهد الفنون الجميلة في مدينة «تولوز» سنة 1971، ثم انتقل إلى باريس، ونحت لنفسه مكانة في الساحة التشكيلية، ونسج علاقات اعتبرها دائما وليدة الصدف السعيدة.

يحكي قطبي أن الصدفة هي التي دفعت صديقا قديما له لتقديمه لجاك شيراك، الرئيس الفرنسي السابق، حيث تعرف عليه عن كثب، كما تعرف فيما بعد على شخصيات نافذة في العاصمة الفرنسية، وتبلورت عنده فكرة تأسيسه لجمعية تعنى بالصداقة المغربية ـ الفرنسية، علما أن قطبي ظل متمسكا بجذوره وهويته وانتمائه فنا وسلوكا، إذ لم يمنعه الاندماج في المجتمع الفرنسي من التشبث بأصوله، وذلك من خلال لوحاته المنطلقة من الحرف العربي.

كتاب قطبي رحلة تغوص عميقا في دروب ومسارات تجربته في الفن والحياة، وتحفل صفحاته بالكثير من التشويق والإثارة، من خلال أسلوب سهل وبسيط، لكنه صادق في تعبيراته، وحافل بالتفاصيل والتعليقات الطريفة.

والكتاب أيضا سجل للكثير من الأحداث التي عاشها المغرب في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، من خلال وجوه ظلت ملتصقة بذاكرة قطبي، لارتباطها بعلاقة صداقة معه، أيام الصبا، منها أوزين أحرضان، نجل الوزير المغربي آنذاك المحجوبي أحرضان، وكان يتمتع بصوت جميل، «لا تقوى الفتيات على مقاومة جاذبيته».

ومن الذكريات التي يحفل بها الكتاب، ذكرى جلوسه ذات مساء، مع مليكة أوفقير، إبنة الجنرال محمد اوفقير، الرجل القوي في تلك المرحلة من تاريخ المغرب، في المقعد الخلفي لسيارة لموزين التي ما أن عبرت بمحاذاة بيت جد مليكة حتى اندست برأسها بين ركبتي قطبي، حتى لا يراها أحد من أفراد العائلة، «لأنها بدون شك لم تحصل على إذن بالخروج»، حسب استنتاج قطبي.