الجزار المتجول.. ظاهرة مصرية تنتشر في عيد الأضحى المبارك

يحمل سكاكينه على كتفه ويجوب الشوارع بحثا عن الأضاحي

الكثيرون أصبحوا يفضلون الجزار المتجول الذي يجوب الشوارع في يوم العيد (أ.ب)
TT

من بين مظاهر عيد الأضحى المتعددة في مصر بداية من الحرص على صلاة العيد في المسجد، ولمّة العائلة على مائدة الإفطار العامرة بأطباق الفتة الشهيرة، إلا أن «الجزار المتجول» يظل هو البطل الأوحد في شوارع القاهرة، الخالية على غير عادتها في مثل هذا اليوم من الزحام والاختناقات المرورية.. وبرغم أن العادة جرت على أن صاحب الأضحية هو الذي يبحث عن الجزار ليذبح ضحيته، إلا أن الكثيرين أصبحوا يفضلون الجزار المتجول أو «الديلفري»، والذي يجوب الشوارع في يوم العيد، حاملا سكاكينه وأدواته على ظهره، لافتا الانتباه بزيه الأبيض الملطخ بالدماء، بحثا عن أضحية يذبحها لقاء مقابل مادي يغري بهذا التجوال. «جزار» هكذا ارتفع صوت إبراهيم فرج (37 عاما) بالنداء وهو سائر في شوارع حي عابدين بوسط القاهرة أول أيام عيد الأضحى، عارضا خدماته على زبائنه في ذبح أضاحيهم. ويلجأ إبراهيم لهذه الطريقة في عرض خدماته نظرا لأنه لا يملك محلا ثابتا، فهو يعمل في المذبح الرئيس بمنطقة زينهم، وفي هذا اليوم يفضل الذهاب إلى زبائنه في منازلهم بدلا من أن يأتوا هم إليه.

يصطحب إبراهيم معه ابنه «محمد» ذا السبعة أعوام ليحمل له أدواته، التي تضم السكاكين المختلفة الأحجام، والخطاف لتعليق الضحية استعدادا لسلخها، و«الأورمة»، وهي قطعة خشبية تقطع عليها اللحم.

ويقول إبراهيم «أذبح الضحية مقابل 50 جنيها مصريا (نحو 9 دولارات) للخروف و200 جنيه (36 دولارا للعجل)، وأبدأ في العمل يوم وقفة عرفات، حيث يقوم بعض المقتدرين بذبح الخرفان والعجول قبل يوم العيد لتوزيع اللحوم على الفقراء ليأكلوا اللحم في العيد».

ويضيف إبراهيم «هذه الأيام هي موسم الجزارين، لذلك أترك المذبح الذي أعمل به وألجأ إلى العمل كجزار (سريح) أمشي في الشوارع وأعرض على الناس ذبح أضاحيهم، ورغم أن كل شخص يفضل الجزار الذي يتعامل معه، إلا أن زحمة العيد وانشغال الجزارين أصحاب المحلات يوفر لي فرصة عمل».

ويشير إلى أنه يستمر في العمل حتى صباح اليوم الثالث من عيد الأضحى «رغم أن العمل يهدأ تدريجيا من اليوم الثاني»، ويقول «لا أنام في أيام العيد سوى ساعات قليلة لأنها ساعة رزق». ويضيف «أستغرق في ذبح وسلخ الخروف من 45 دقيقة إلى ساعة، وأبدأ في العمل من بعد صلاة العيد مباشرة، وقد لا أستطيع العودة إلى منزلي قبل الثانية عشرة ليلا بسبب ضغط العمل». ويوضح أنه أحيانا يفوز بكميات مختلفة من اللحم يعطيها له صاحب الأضحية، وأحيانا يعطيه الناس الفراء أو جلد الحيوان الذي يذبحه، فيبيعها لتجلب له جنيهات قليلة تزيد رزقه.

أما «محمد» ابن إبراهيم ذو السبعة أعوام فيتحدث وهو منهمك في العمل مع والده في سلخ خروف بعد ذبحه «لا أخاف من منظر الدماء، فهذه سنة عن الرسول (ص)»، موضحا أنه بدأ العمل مع والده في مهنة الجزارة منذ أن كان في الرابعة من عمره، حيث كان يساعده فقط في حمل السكاكين وأدوات الذبح فقط، أما الآن فهو يشترك في سلخ الأضحية وتقطيعها، ووعده والده بأن يعلمه الذبح العام المقبل.

ويضيف محمد «أنا في الصف الأول الابتدائي ورغم كده عايز أبقى جزار وعندي محل لما أكبر، لأنها شغلانة فلوسها كويسة».

ويستطرد محمد قائلا «أصحاب الأضاحي يندهشون من أني أعمل في هذه المهنة رغم صغر سني، ولكنها مهنة والدي ولا أعرف غيرها».

أما محمد سعيد (30 عاما)، الذي وجدناه يطوف شوارع منطقة العباسية باحثا عن خروف تأخر ميعاد ذبحه، أو عجل لم يحن أجله بعد، فيقول «أعمل بهذه المهنة منذ 15 عاما فقد تعلمتها على يد عمي الذي يملك محلا بمنطقة باب الشعرية، وبعدما توفى العام قبل الماضي أٌغلق المحل وانتقلت إلى محل يملكه شخص آخر، وألجأ إلى العمل كجزار متجول في العيد بحثا عن الرزق».

ويوضح محمد أن استعداداته للعيد تبدأ قبل يوم وقفة عرفات بثلاثة أيام حيث يبدأ في سن السكاكين وتجهيز عدة الذبح وشراء الناقص منها من منطقة زينهم بجوار المذبح، التي تعد المنطقة الأم لمهنة الجزارة في القاهرة.

ويضيف محمد «أصطحب معي أحد الصبية ليساعدني في الإمساك بالضحية قبل وبعد الذبح في السلخ وتقطيع اللحم، مقابل 10 جنيهات عن كل خروف نذبحه».

ويوضح أن من أصعب ما يواجه الجزار في العيد هو خطر الإصابة بجروح بالغة في يديه أثناء عمله، الأمر الذي قد يعوقه بعض الشيء أو يجعله يتوقف تماما عن العمل في العيد، وبالتالي يكون العيد «نكدا عليه وعلى أسرته التي تنتظر رزق العيد بفارغ الصبر طوال العام».

ويشير محمد إلى أنه في حالة ذبح العجل يصطحب معه اثنين آخرين من المساعدين ليتمكنوا من السيطرة على العجل ذي الجسد القوي، موضحا أنه لا يقبل عادة ذبح العجول في أول أيام العيد، مبررا ذلك بقوله «العجل يستغرق ذبحه وسلخه وتقطيعه نحو ثلاث ساعات، ويكون المبلغ الذي سيدفعه صاحب الأضحية قليلا مقابل الجهد والوقت الذي ضاع، لذلك أفضل تأجيل ذبح العجول إلى ثاني يوم حتى أستطيع أن استغل أكبر وقت ممكن في ذبح الخراف التي لا تأخذ وقتا كبيرا، لأنه موسم والرزق بيحب الخفية يا باشا».

وتبقى الحاجة نادية عبد السلام حالة فريدة في ظاهرة الجزار المتجول، فقد تعلمت مهنة الجزارة من زوجها الذي توفي قبل خمسة أعوام تاركا لها ثلاث بنات، إلا أنها تستغل فترة العيد لتعود إلى مهنة الجزارة، فتبدأ قبل أسبوعين على الأقل من عيد الأضحى في نصب شادر صغير في أحد شوارع منطقة المناصرة لتعرض فيه بضاعتها من الأضاحي المختلفة من خراف وماعز وعجول وحتى الإبل، إلا أنها توفر الأضاحي فقط لزبائنها، وعليهم أن يدبروا أمر الجزار الذي سيتولي الذبح.

تقول نادية «لا أذبح بنفسي إلا لعدد محدود من زبائني ضاخإبل الذين يطلبونني بالاسم، ولا أستطيع التأخر عنهم، وأذبح كافة أنواع الأضاحي بما فيها العجول، ويعاونني في عملي اثنان من بناتي بالإضافة لشقيقتي»، وتضيف ضاحكة «يكون شكلنا مثل فرقة جزارات».

وتؤكد نادية أن زبائنها يثقون في إتقانها عملها بشكل مطلق، وبعضهم يتعامل معها منذ خمسة أعوام، وأحيانا يطلبونها في غير موسم العيد إذا كانوا سيذبحون خروفا أو ما شابه.