سرقة الحقائب النسائية في لبنان موضة روّج لها سائقو الدراجات النارية

مسؤول أمني يلقي اللوم على صعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية

حقيبة نسائية مغرية لـ «نشالي» الدراجات النارية («الشرق الاوسط»)
TT

تحوّلت سرقة الحقائب النسائية في بيروت وضواحيها على أيدي سائقي الدراجات النارية، إلى ظاهرة خطيرة ترعب السيدات والفتيات، من دون أن تتمكن قوى الأمن من وضع حد لها، ولا حتى من التخفيف منها، لأن عملية انتزاع الحقيبة لا تحتاج إلا لثوان، ولأن الضحايا لا يملكن وسائل الردع.. لا الجسدية ولا التقنية.

تروي الهام ح، (من بلدة الحدث جنوب بيروت) انها خرجت من منزلها باتجاه محل بقالة لا يبعد سوى 50 متراً عن المنزل لشراء بعض الحاجيات، وهي تحمل محفظة النقود في يديها. وصادف اثناء خروجها من المنازل أن أصبحت وجهاً لوجه امام سائق دراجة نارية، ما لبث ان «ضرب عينه» على محفظتها. فانتظر السيدة حتى ابتعدت عن منزلها، ليسرع نحوها ويخطف المحفظة من يدها قبل أن تهمّ بدخول الدكان، وبسرعة البرق غاب عن أنظارها وأنظار من استغاثت بهم. ومع أن المحفظة لم تكن تحوي سوى مبلغ بسيط كان من سوء حظ السيدة انها كانت تضم رخصة السياقة وبطاقة الهوية وبعض الأوراق الخاصة، وفقدان هذه المستندات يعني جهداً ووقتاً ومالاً للحصول على غيرها.

وتروي جين ع. تجربتها المرة، عندما كانت عائدة بمفردها في سيارتها من احد مطاعم منطقة الجميزة المحاذية لمنطقة «سوليدير» (وسط بيروت التجاري)، وكانت الساعة في حينه الرابعة بعد ظهر يوم الأحد. وعندما انطلقت بسيارتها تناهى الى سمعها جلبة دراجة نارية خفيفة (موبيليت) لكنها لم تعر الأمر اهتماماً. وبوصولها الى قرب منزلها بقي صوت الدراجة يطرق مسامعها، كما تقول، «ولم أظن أي سوء بهذه الدراجة. ولما دخلت الموقف حيث أركن سيارتي اتصلت بصديقتي على الهاتف الجوال لأدعوها الى زيارتي، كالعادة، وبقيت أتحدث معها بانتظار أن يختفي راكبا الدراجة عن المسرح، لكنهما لم يفعلا. وعندما وجدت أن بقائي داخل السيارة طال قليلاً. قرّرت الخروج وحملت حقيبتي بيدي، ولكن بلمح البصر رأيت شاباً يقترب مني ويخطف الحقيبة من يدي، ويغيب مع زميله الذي كان ينتظره عند زاوية المبنى على الدراجة، فأطلقت صيحات عالية لم تنفع في استرجاع المخطوف».

وكان أول عمل قامت به جين هو إسراعها الى مخفر الشرطة، حيث بادرها رجل الأمن بالأسئلة ودعاها بسخرية الى نسيان الأمر. وبعد أكثر من شهر لم تتلقَ أي اتصال من المخفر.

إذا أردنا أن نورد أمثلة لاحتجنا الى مجلدات. كما أن كل حادثة يمكن أن تتحول فصلاً من مسرحية درامية «البطل» فيها سارق لا يتعدى سنه العقدين من العمر، أما الضحية فإما سيدة عجوز أو شابة عائدة للتو من مركز عملها، او ذاهبة الى السوق للتبضع. وأما الكومبارس فشهود لم يشاهدوا سوى الضحية إما مرمية أرضاً، أو منفوشة الشعر وهي تنادي بأعلى صوتها، وإما محمولة إلى المستشفى لكسر في يدها أو رجلها أو رضة قوية في أحد أنحاء جسمها.

يعتبر ضابط مسؤول في قسم الخدمات والعمليات بمديرية قوى الأمن الداخلي، تحفظ عن ذكر اسمه، انه «مقارنةً بالدول الاخرى، ولا سيما الدول القريبة، يبقى لبنان بلداً آمناً جداً، لأن مثل هذه الأعمال في دول أخرى يسقط فيها ضحايا فعليون، وأنا هنا لست في معرض تبرير هذا النوع من السرقة، بل أعتبر ان الظروف الاقتصــادية والاجتمــاعية الصعبة، هي التي أدت الى تفاقم هذه الظاهرة». وتفسيراً لوجهة نظره يلجأ الضابط الى الأرقام الرسمية المتوافرة لدى قسم الخدمات والعمليات، فيشير إلى أن عمليات سرقة الحقائب وسائر عمليات السرقة تراجعت من 2410 حالات في عام 2005 الى 968 حالة في عام 2007. وحتى يوليو (تموز) 2008 سجلت 577 عملية، سجل فيها يوليو الذروة (138 حالة)، وابريل (نيسان) 108 حالات. مع أنه يجب تذكّر أن كثيرات من اللواتي يتعرضن للسرقة لا يتقدمن بشكاوى، ولا يبلغن قوى الأمن، ولا سيما اذا كنّ لم يتعرضن لإصابات، او اذا كانت المسروقات غير ذات قيمة.

ويؤكد الضابط المسؤول «ان تراجع العمليات لا يدفعنا الى التخلّي عن الحذر، لا بل نستطيع القول اننا اتخذنا سلسلة من الاجراءات الجديدة، من أجل الحد من هذه الحوادث المؤسفة، لكن من العبث الاعتقاد أن هناك نظاماً محكماً يقضي على هذه الظاهرة من أساسها. بل يظل هناك العديد من السارقين الذين ينفذون من خروم الشبك، لأن السارق كما يقول المثل اللبناني، لا يمكن انتظاره، فهو صديق غفلات الزمن وغفلات رجال الأمن».

ويجزم المسؤول بأن هؤلاء السارقين الفتية ليسوا منظمين، ولا محميين من أي جهة حزبية أو سياسية، وإنما «يعملون على حسابهم»، ويصطادون أشخاصاً لا يملكون أية وسيلة دفاع عن أنفسهم، ولا تحتاج العملية سوى لوقت قصير جداً.

ولدى سؤاله عن سبب لا مبالاة بعض رجال الأمن حيال شكاوى الضحايا، يجيب الضابط: «ان مهمات رجالنا زجرية في الواقع، اكثر مما هي إلغائية للسرقات. وأي رجل أمن لا يكترث بشكوى المتضرّرات يرتكب خطأً، أو لأنه يريد أن يوحي بأن مثل هذه السرقات لا يمكن تجنبها، إلا اذا سيّرنا رجل أمن وراء كل دراجة نارية». ويلفت الى ان دوريات قوى الأمن متواصلة، ويكشف عن أن البعض منهم يتنقلون بالسيارات العادية أو على الدراجات النارية بثياب مدنية لدرس وتتبع تصرفات بعض سائقي الدراجات المشكوك في أمرهم.