قصر الأمير بشتاك يكشف جمال العمارة في القاهرة التاريخية

يعتبره الأثريون أفخم مباني القرن الثامن الهجري

واجهة لقصر الأمير بشتاك («الشرق الأوسط»)
TT

في قلب القاهرة التاريخية يقع قصر الأمير بشتاك الذي يعتبره الأثريون أفخم مباني القرن الثامن الهجري، لأنه يكشف جمال العمارة بالقاهرة التاريخية.. وقام ببناء القصر الأمير سيف الدين بشتاك الناصري، واشتراه منه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بستة آلاف درهم. وتقلد (بشتاك)، الذي قتل عام 742 هجرية، عدة مناصب إلى أن وصل لمنصب «أمير شكار»، أي الأمير المسؤول عن أمور الصيد السلطاني، وبعدها أصبح كاتبا لسر السلطان، الأمر الذي جعله يحظى باحترام الناصر قلاوون، ولذلك فكثيرا ما كان يغمره بهداياه، إلا أنه بعد وفاة الناصر قُبض على بشتاك، واعتقل بالإسكندرية وقتل هناك، لكن جثته نقلت سنة 748 هجرية من الإسكندرية ليدفن بتربة سنجر الجاولي بالقاهرة، ولم يتبق من أثره غير القصر الذي يحمل اسمه.

وحسب الأثريين أنفسهم، فإن القصر يمثل قيمة معمارية وجمالية نادرة في منطقة القاهرة الفاطمية أو التي صار يطلق عليها القاهرة التاريخية، إذ يقع في شارع بين القصرين، وهو الشارع الذي يضم العديد من المباني والبيوت التي ترجع إلى العصرين المملوكي والفاطمي، إذ قام الأمير بشتاك ببناء القصر تجاه المدرسة الكاملية، ويعتبره الأثريون أفخم مباني القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) وكان يفصل شارع «بين القصرين» بين جانبيه الشرقي الغربي.

وتطل واجهة القصر الغربية على شارع المعز، بينما تقع واجهته الشمالية علي درب قرمز. وظل المدخل الأصلي للقصر مطلا علي حارة بيت القاضي، وكان هذا في العصر الفاطمي. أما المدخل الحالي، ونتيجة للتوسعات والترميمات التي جرت على الموقع، فقد أصبح من الجهة الغربية، وهو عبارة عن عقد مركبة ومتداخلة، وعلى جانبيه مصطبتان حجريتان بارتفاع متر. ولما كانت صناعة الرخام قد تطورت كثيرا في هذا العصر (الفاطمي)، وبلغت أوج مجدها في الدقة والجمال والتطعيم بالصدف، لذلك لم يكن مستغربا وجودها في كثير من مواقع القصر. وتدل البقايا القليلة التي تم العثور عليها علي مقدار دقة صناعة الرخام، والتي كانت تتركز في باب حمامة بشارع سوق السلاح.

ويتكون ‏القصر من‏ ‏ثلاثة طوابق،‏ ‏الأرضي‏ ‏به‏ ‏قاعة‏ ‏وإسطبلات‏ ‏ومخازن‏ ‏غلال‏ ‏وغرف‏ الخدم‏، ‏والطابق‏ ‏الثاني‏ منه ‏يضم‏ ‏قاعة‏ ‏احتفالات‏ ‏وغرف‏ ‏النوم‏، فيما ‏كان يخصص الطابق الثالث ‏للحريم‏، إلا أنه تعرض للهدم ‏.

‏والقاعة الرئيسية للقصر يتقدمها سطح مكشوف علي يساره حجرة تؤدي إلي القاعة الرئيسية، ويتعامد عليها أربعة إيوانات سقفها خشبي يحوي زخرفة قطع خشبية، وفي الوسط توجد فسقية من الرخام الملون لترطيب الجو برذاذ مائها المتطاير أثناء جلوس الأمير وزواره.

و‏للقصر‏ ‏ثلاث‏ ‏واجهات‏، الأولي‏ ‏وهي‏ ‏الأساسية و‏تقع‏ ‏بالجهة‏ ‏الشمالية‏ ‏الغربية، وتطل ‏علي‏ ‏شارع‏ ‏المعز‏، ‏وتتكون‏ ‏من‏ ‏ثلاثة‏ ‏طوابق‏ ‏بها‏ ‏مشربيات‏ ‏ليست‏ ‏علي‏ ‏استقامة‏ ‏واحدة‏ ‏بل‏ ‏علي‏ ‏جزأين‏، أحدهما‏ ‏غائر‏، ‏والآخر‏ ‏بارز‏، ‏وبها‏ ‏رسومات‏ ‏هندسية‏ ‏آية‏ ‏في‏ ‏الجمال‏.‏ أما‏ ‏الواجهة‏ ‏الثانية‏ ‏فتقع‏ ‏بالناحية‏ ‏الشمالية‏ ‏الشرقية‏، وبها‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏النوافذ‏ ‏المغطاة‏ ‏بأجنحة‏ ‏معدنية‏، وتضم ‏أيضا‏ ‏بوابة‏ ‏تؤدي‏ ‏للقصر‏. والواجهة‏ ‏الثالثة‏ ‏بالجهة‏ ‏الجنوبية‏ ‏الغربية‏ من القصر ‏تطل‏ ‏علي‏ ‏حارة‏ جانبية‏، لكن الزائر للقصر لابد له أن يسلك المدخل‏ ‏الحالي‏ بعد تطويره، ‏وهو المدخل الذي يتميز ‏بسلم‏ ‏خشبي‏ ‏مزخرف‏ ‏يؤدي‏ ‏إلي‏ ‏باب‏ ‏خشبي‏ ‏عليه‏ ‏كتابات‏ ‏عن‏ مؤسس ‏القصر‏ ‏وتاريخ‏ ‏إنشائه‏.‏ ويمكن للزائر الوصول للقاعة‏ ‏الرئيسية‏ عن طريق ‏سلم‏ ‏صاعد‏ ‏يتقدمها‏ ‏سطح‏ ‏مكشوف‏.

وعن‏ ‏القيمة‏ ‏الأثرية‏ ‏للقصر‏ ‏يشير‏ ‏الأثري عبد الله العطار، مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ‏إلى أنه‏ ‏نموذج‏ ‏فريد‏ ‏للعمارة‏ ‏المدنية‏، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه‏ ‏هذا القصر كان يقطنه‏ ‏الأمير‏ ‏بدر‏ ‏الدين‏ ‏بكتاش‏، قبل أن يشتريه‏ ‏الأمير‏ ‏بشتاك‏ ‏من‏ ‏الورثة‏ ويضيف‏ ‏إليه‏ ‏مساحات‏‏ ‏أراض ومبان كانت‏ ‏حوله‏ منها‏ ‏أحد‏ ‏عشر‏ ‏مسجدا‏ ‏وأربعة‏ ‏معابد‏ ‏من‏ ‏آثار‏ ‏الفاطميين‏ ‏ودار تسمى‏ دار «قطوان‏ ‏الساقي».

في عام 1992 تعرض القصر إلى ‏زلزال‏ أكتوبر (تشرين) الشهير في مصر، ما تطلب إجراء عمليات صيانة وترميم بالتعاون ‏مع‏ ‏معهد‏ ‏الآثار‏ ‏الألماني‏، استغرقت ‏عامين‏ ‏بتكلفة‏ وصلت إلى 50 ‏مليون‏ ‏جنيه‏.