«صراع الديكة» لعبة تحكمها قوانين

تزدهر من جديد في الأعياد والعطل في البصرة

مشهد لاحدى المبارزات بين ديكين («الشرق الاوسط»)
TT

اعتاد سكان منطقة البصرة القديمة، بجنوب العراق، على مشاهدة خالد منصور (45 سنة) متأبطاً ديكاً كبيراً كغيره من مربّي الديوك الهندية، في الأعياد وايام الجمع متوجهاً إلى او عائدا من حلقات «صراع الديكة»، التي عاود هواتها ممارسة لعبتهم الشعبية في المقاهي، بعد ان كانت تجري في اماكن بعيدة عن أعين المسلحين المتشددين، الذين وضعوها في قوائم المحرمات. قال منصور لـ«الشرق الاوسط»، ان تربية الديكة المخصصة لصراع هواية انتقلت إليه من بيئته الشعبية، وهو يمارسها بهدف التسلية، وإن كانت فيها مراهنات، مؤكداً أنه كلما ترسخت مظاهر الأمن والاستقرار في المدينة عاد السكان إلى ممارسة هواياتهم، ومنها الحضور لمشاهدة حلقات صراع الديكة. ويشرح الحاج عباس (صاحب اشهر مقهى في إقامة حلقات صراع الديكة) أن «البصرة هي أول المدن العراقية التي عرفت نزالات الديكة، وذلك على يد البحارة من دول شرق آسيا، وخاصة الهنود منهم  في بداية القرن الماضي، وتحديدا ابان الاحتلال البريطاني للعراق. وهي في ذلك كشأن كرة القدم التي عرفها البصريون قبل غيرهم من العراقيين على يد الانجليز، عندما كانت ترسو سفنهم التجارية في ميناء البصرة، ويستغلون أرصفته، بعد ساعات العمل، لمصارعة الديكة التي يجلبونها معهم بقصد التسلية وكسب المال من المراهنة عليها، الأمر الذي كان يدفع عشرات المواطنين العراقيين والأجانب إلى التجمهر لمشاهدة هذه اللعبة التي تحولت إلى لعبة شعبية وهواية محببة». واضاف الحاج عباس «لعبة صراع الديكة قديمة قدم الانسان الذي استغل غريزة الديك التي لا يسمح لمثيله بمشاركته المكان، فحوّلها إلى لعبة تسلية. وهكذا انتشرت في الكثير من الأماكن وخاصة في شرق آسيا». وقال إن اللعبة تتمتع بشعبية كبيرة في البصرة، وقد سمح لهواتها أخيراً بمزاولتها بعد منع اقامتها خلال السنوات الثلاث الماضية، اثر تلقي البعض، ومنهم هو نفسه تهديدات من مسلحين.

وعاود محمد منصور الحديث، فقال «صار لهذه اللعبة مسابقاتها وقواعدها الخاصة ومحكّمون ومدربون وجمهور وروابط للمشجعين. والطريف ان حلبة نزال اللعبة لا تقام في قاعات الألعاب الرياضية، بل في المقاهي المخصصة لاستقبال محبي هذا الصراع المثير. وبالنسبة إلى القوانين والشروط يتوجب على صاحب الديك احترامها والالتزام بها وإلا اعتبر خاسراً للمباراة». وأضاف أن «أي نزال بين الديكة لا يُسمح بإجرائه، إلا إذا كان هناك حكم يتمتع بخبرة، مهمته احتساب الوقت وإعلان النتائج»، متابعاً «عادة ما تكون فترة النزال ساعتين، تتخللها استراحات بواقع دقيقة واحدة بعد كل عشر دقائق من تبادل الضربات، يجري خلالها فحص الديكة المتصارعة من قبل أصحابها، وغسل مناقيرها وسيقانها بالماء البارد وتجفيفها.. ومن الشروط الجميلة في اللعبة اعتبار الديك خاسراً إذا هرب ثلاث مرات من حلبة النزال المحددة بمساحة مترين مربعين، أو فقد احد الديكين قدرته على الصمود، فعندها ينهي الحكم النزال، ويعلن النتيجة بعد تقييم الأضرار». ثم يشرح «في حالات نادرة ينتهي الصراع بالضربة القاضية ـ أي قتل الديك المنافس ـ وهو ما يسمى الطريقة التايلندية. وإذا حدث ذلك، فإن الديك الفائز يرتفع سعره إلى أكثر من الضعف، بغض النظر عن أصله».

وحول أنواع الديكة التي يرغب أصحابها بإشراكها في حلبات الصراع، أشار علاوي حمدان (54 سنة) وهو احد رواد المقهى، «معظم الديكة التي تشارك في الصراع وان كان يطلق عليها مجازاً مسمى الديوك الهندية فمعظمها من أصول أفغانية وإيرانية وتركية وهندية وباكستانية وقبرصية، وهي تختلف في شكلها وصفاتها القتالية وفقاً لأصولها. فالديكة الأفغانية والباكستانية وحتى الإيرانية تتميز عن غيرها بكبر حجمها وكثافة ريشها. أما الديكة القبرصية فإنها ذات قدرة محدودة على الثبات عند المواجهة، رغم جمال مظهرها. وتمتاز الديكة الهندية بثباتها وسرعة توجيهها الضربات التي عادة ما تكون أقوى من ضربات الديكة الأخرى، وتتسم الديكة التركية بالصفات ذاتها، لكنها نادراً ما تكون غير مهجّنة وهذه نقطة ضعفها». ويتابع علاوي أن أصحاب الديكة يقدّمون لها تدريبات مكثفة وعناية كبيرة، تتضمن إخضاعها لنظام غذائي يشترط فيه إطعامها اللحوم البيضاء والحمراء، فضلاً عن الحبوب وقشور الفاكهة». ثم يقول «عادة ما تقترن أسماء تلك الديكة بأسماء مربيها باعتبارهم أصحاب الفضل في فوزها وشهرتها، وذلك لاعتنائهم بها وحسن تدريبهم لها. وغالباً ما يحصدون، إثر ذلك، أموالاً كبيرة، خصوصاً في مزادات بيع الديكة التي تقام فصلياً في المقهى نفسه، إذ يتراوح سعر الديك الهندي الاستثنائي بقوته وشجاعته بين ألف وألفي دولار، بينما لا يتجاوز سعر العادي منها المائة دولار». ويشير إلى ان «عدد مربي الديكة الهندية في البصرة لا يتجاوز حالياً 150 شخصاً، ولكن هناك مئات الهواة الذين يرتادون المقهى بكثافة، لاسيما في الآونة الأخيرة شغفاً بهذه اللعبة».